هل تقلل السياحة اعتماد العراق على النفط؟
موقع أور الأثري القديم بالقرب من الناصرية (رويترز)
يعدّ العراق من البلدان التي تتمتع بمقومات سياحية عديدة منها الأثرية والدينية وغيرها، ويمكن للقطاع السياحي أن يكون مساندًا وداعما لموازنات الدولة ومعززا للدخل القومي.
علي كريم إذهيب/بغداد – تعدّ السياحة من الصناعات النظيفة التي تسهم في تقويم أداء الاقتصاد الوطني وتوفير الإيرادات المالية باستمرار، وذلك قد يقلل من الاعتماد شبه الكامل على مبيعات النفط المتأثرة برياح الأزمات العالمية.
والعراق من البلدان التي تتمتع بمقومات سياحية عديدة منها الأثرية والدينية وغيرها، حيث يمكن للقطاع السياحي أن يكون مساندًا وداعما لموازنات الدولة ومعززا للدخل القومي.
ولا يختلف الاستثمار السياحي عن أنواع الاستثمارات الأخرى في اهتمامه بتنمية وتطوير رأس المال المادي والبشري الذي يعدّ جزءًا من العملية الإنتاجية والخدمية في النشاط الاقتصادي.
خطط حكومية
وتتطلع وزارة السياحة والآثار العراقية إلى تبنّي دور مهم لتنشيط حركة السياحة في البلاد بشرط توفير التخصيصات المالية ضمن الموازنة العامة لتنفيذ خططها الموضوعة لذلك خصوصا بعد فترة جائحة كورونا التي قيّدت عملها.
ويذكر وكيل الوزارة قاسم السوداني -في حديث للجزيرة نت- أن "الخطط والبرامج التي تتبنّاها الوزارة تتركز على ترميم المواقع الأثرية وصيانتها والترويج المكثف لها لاستقطاب أكبر عدد ممكن من السياح وتأهيل المتاحف في المحافظات إضافة إلى خطتها بإنشاء متحف كبير آخر يعزز المتحف الوطني في بغداد".
وتتضمن البرامج أيضا -وفق السوداني- تعزيز دور السياحة الدينية والتعاون مع القطاع الخاص والانفتاح على الاستثمار لإنشاء المرافق السياحية الجديدة.
إهمال حكومي
أما مقدام الشيباني عضو جمعية الاقتصاديين العراقيين فيختلف مع السوداني إذ تحدث عن ضعف الاستثمار السياحي الذي يعاني من إهمال حكومي لأن البيئة المقومة للاستثمار في العراق تعاني من تراجع ملحوظ بسبب عدم الإنفاق الحكومي على البنى التحتية والكهرباء فضلا عن عامل مهم هو التغيير المناخي الذي أصبح الآن تهديدا مباشرا للعراق.
وفي حديثه للجزرة نت، رأى الشيباني أن العراق دولة متأخرة عن العالم، حيث كلفة إنشاء المشاريع السياحية من قبل القطاع الخاص مرتفعة مقارنة مع بعض الدول المحيطة، فضلًا عن انعدام الاستقرار السياسي.
وهناك عامل آخر -حسب الشيباني- يقف عائقا أمام نهوض القطاع السياحي هو تعامل الدولة العراقية بالقوانين الاشتراكية التي تتعارض مع الدستور وقانون الاستثمار الذي شرع سنة 2006 والتي لا تتناسب مع التطور التكنولوجي والفكري والاقتصادي العالمي.
وبلغ عدد السائحين إلى العراق في عام 2019 نحو مليون و518 ألف سائح، وبذلك احتل المرتبة (13) من بين (17) دولة عربية، والمرتبة (98) عالميا في ترتيب الدول الأكثر زيارة في العالم، وفق تقرير لمنظمة السياحة العالمية صدر عام 2020.
إيرادات السياحة
وأشارت الأكاديمية في الاقتصاد السياحي بالجامعة المستنصرية في بغداد الدكتورة إلهام شبّر إلى ضعف البيانات الحكومية لإيرادات السياحة ومصادرها بشكل موثق ورسمي ومعلن من وزارة المالية، في حين أن بيانات وزارة التخطيط لا توفر أرقاما عن الأثر الكمّي الاقتصادي للسياحة والدخل السياحي أو الناتج المحلي الإجمالي وإنما فقط المسح الخاص بإيرادات الفنادق ومجمعات الإيواء فقط التي هي ليست صافي الإيرادات من الخدمات الفندقية التي تدخل خزينة الدولة.
وقالت شبّر للجزيرة نت إن القطاع السياحي يعدّ وعاء دسما للضرائب كإيرادات للدولة فقد كانت نسبة الضرائب من السياحة تشكل أكثر من 8% في نهاية عقد التسعينيات حتى بداية عام 2000 في العراق.
وأضافت أن قطاع السياحة يعتمد على التمويل الذاتي ولا يملك تخصيصات ضمن الموازنة العامة إلا القليل المخصص للصيانة والترميم أحيانا وازدادت إهمالا خلال الحرب الإيرانية العراقية في ثمانينيات القرن الماضي، فضلا عن الأزمات والحروب التي مرت بالعراق لاحقا وأثرت سلبا على القطاع وانعكاساته على الاقتصاد العراقي رغم أهميته في تنويع موارد الدولة.
التدفق السياحي
كانت الزيارة التاريخية لبابا الفاتيكان فرانشيسكو العام الماضي إلى العراق حافزا قويا لتوافد السياح الأجانب إلى مدينة أور الأثرية في الناصرية (جنوبي العراق).
ويقول الخبير في شؤون الآثار عامر عبد الرزاق -للجزيرة نت- إن ذي قار كانت تشهد وفدا سياحيا واحدا شهريا قبل زيارة البابا، لكن بعدها ازدادت إلى أكثر من 7 وفود يوميا من مختلف الجنسيات الأوروبية والآسيوية والأميركية، إذ ألقت الزيارة البابوية بأثرها الإيجابي بسرعة على الحركة السياحية.
ونتيجة للأعداد المرتفعة من السياح وصُنّاع المحتوى المرئي العرب والأجانب الزائرين لأور الأثرية، يرى عبد الرزاق ضرورة التحرك الحكومي لزيادة التسويق السياحي وبناء فنادق جديدة لاستيعاب زيادة السياح.
استرداد الآثار
هناك كثير من الآثار تعود أعمارها إلى آلاف السنين تم تهريبها من المتاحف العراقية إلى الخارج بخاصة أثناء الغزو الأميركي للعراق عام 2003 والحرب على تنظيم الدولة الإسلامية عام 2014.
وكشف مدير إعلام هيئة الآثار والتراث في وزارة السياحة والآثار العراقية حاكم الشمري -في تصريحه للجزيرة نت- عن حجم الآثار المستردة في العام الماضي البالغة أكثر من 17 ألف قطعة أثرية من الولايات المتحدة، إضافة إلى استرداد أكثر من 373 قطعة من لبنان ودول أخرى.
وأضاف أن "أهم ما تم استرداده في عام 2021 هو لوحة جلجامش من واشنطن".
ويختم المتحدث الحكومي حديثه بأن "الهيئة مستمرة في استرداد الآثار والممتلكات الثقافية العراقية المسروقة وفق آليات داخلية من خلال هيئة الآثار والأجهزة الأمنية والخارجية عن طريق الشرطة الدولية (الإنتربول)، إضافة إلى المنظمات الدولية والسفارات والقنصليات العراقية في الخارج".