كتاب معجم حكام العراق / الحلقة الرابعة
بسام شكري
كتاب معجم حكام العراق / الحلقة الرابعة -2- ولاة البصـرة
(1) الولاة على عهد الخلفاء الراشدين
1- عتبة بن غزوان المزني: 14 هـ -634 م
أحد الصحابة الأولين من قبيلة (مزينة) الحجازية اشترك في أكثر الحروب مع الرسول (ص) وقام بعدة غارات على بلاد العجم أدت إلى احتلال (الأبلة) والخريبة ومدن كثيرة على الفرات ودجلة من أسفلهما، وهو أول من اختط البصرة ومصرها ورابط فيها لمناهضة الفرس وعبأ أكثر جنده في الموضع الذي تطلق عليه إيران اليوم عربستان وهي منطقة الأحواز ومن هناك كان يغير على بلاد العجم. توفى في البصرة ودفن فيها على عهد الخليفة الأول وهو زوج ازده أخت زياد بن أبيه الآتي ذكره. "والبصرة في اللغة الحصى الصغيرة المدورة البيضاء ".
2- المغيرة بن شعبة الثقفي: - 16 هـ - 637 م
من دهاه العرب المشهورين وأذكيائهم وقوادهم اللذين يضرب بهم المثل في الدهاء والذكاء ، ولــيَّ البصرة من قبل عمر بن الخطاب ( رض ) ثم عزله عنها وهو مولى ( أبي لؤلؤة ) الفارسي الذي اغتال الخليفة عمر بن الخطاب (رض) بخنجر مسموم وقد دارت اقاويل في ذلك الوقت تناولتها بعض المصادر التاريخية إن اغتيال هذا الخليفة كان مدبرا من قبل المغيرة الذي دس مولاه ليرتكب هذه الجريمة لأسباب كثيرة منها عزله عن الولاية واستيفاء الضرائب منه ومحاولة الخليفة حدّه لارتكابه الزنا ، ومن أعمال المغيرة أنه احتل ميسان والمذار ودست وأقراقباذ وقد كانت ميسان مركزا مهما للقوات الدفاعية الساسانية ، والمغيرة هو الذي استمال زياد ابن أبيه إلى معاوية الذي ألحقه بنسبه ، وكان زياد والي الإمام علي بن أبي طالب (رض) على خراسان .
وهو الذي أرسله الرسول الأعظم (ص) لهدم وحرق (اللات) بعد الهجرة واللات كانت صخرة مربعة وكان أحد اليهود يعجن عندها السويق ويجتمع عنده الخمارون ليلا فلما مات هذا اليهودي دفن عندها وأصبح فيما بعد موضعها مزارا يقدسه المشركون وينبذ موضعه اليهود.
3- أبو موسى الأشعري: 17 هـ - 638 م
ولاه الخليفة عمر بن الخطاب (رض) البصرة، وأقره عليها الخليفة الثالث عثمان (رض)، كان صحابيا جليلا وهبه الله صوتا جميلا فاهتم بترتيل القرآن وكان البصريون يقرؤون قراءته، وعلى عهده تمكنت الجيوش الإسلامية في البصرة من السيطرة على جنوب دجله وفتح أصفهان وقاشان كما اشتركت مع أهل البحرين في فتوح بعض مقاطعا ت فارس (لكون نواة الشرطة في البصرة من - السيابجة - وهم من سكان الهند وكشمير، كانوا يقومون بالملاحة في الخليج العربي، وقد ضم اصفهان وقاشان إلى ولاية البحرين وما جاورها).
4- عبد الله بن عامر: (1) 29 هـ ـ 64 م
ابن خال الخليفة عثمان بن عفان (رض) ، ولي البصرة مرتين وهو الذي قضى على الحكم الساساني حيث كان قائدا للجيش الإسلامي في بلاد فارس ثم ولاه بعد ذلك عثمان البصرة وفي عهده اتسعت جبهة القتال التي كان يقوم بها البصريون وأصبحت قواتهم مسؤولة عن الفتح في المقاطعات الواقعة شرقي خليج البصرة وكانت حتى أوائل حكمه تقوم القوات الإسلامية بالغارات من قاعدتها الحربية في البحرين ، وفي نهاية عهده حدث مقتل الخليفة عثمان بن عفان ( رض ) وبدأت زوابع الفتن تجتاح العالم الإسلامي وتؤثر في مجرى الفتوحات وفي الاستقرار والسلم . وقد هرب من البصرة بعد مقتل الخليفة.
5- عثمان بن حنيف: 35 هـ ـ 655م
ولي البصرة عن الإمام علي بن أبي طالب (رض) وقد دامت ولايته عليها سنة واحدة تقريبا وفي عهد ه حدثت معركة (الجمل) الآتي ذكرها، بين الإمام علي من جهة وطلحة والزبير وعائشة زوج النبي من جهة أخرى، ثم عزله الإمام علي عنها حين أتجه إلى الكوفة وولي عليها ابن عمه عبيد الله بن عباس.
6- عبيد الله بن عباس: 36 هـ ـ 656 م
ابن عم الرسول (ص) والإمام على (ع) وأخ عبد الله بن عباس الذي حكم أحفاده العراق فيما بعد باسم (العباسيين) وقد كان عبيد الله فقيها غنيا كريما متضلعا من علوم الدين والأنساب اتفق مع عبد الله بن عامر المذكور سابقا على أبي الأسود الدؤلي ثم اغتصب أموالا كثيرة من بيت المال، وفر بها هاربا إلى أخواله من بني هلال خشية أن يظفر به الإمام على ويستخلصها منه ويعاقبه بسببها، فكتب بذلك أبو الأسود إلى الإمام علي يخبره بالأمر، فعزله عنها و ولا ّه عليها.
7- أبو الأسود الدؤلي: 38 هـ - 658 م
بقي مدة قصيرة في الولاية، وقد كان يعد رأسا في كل شيء في البخل والعلم والصلع والبخر والأشراف والأذكياء والعلماء وهو الذي وضع أصول علم النحو وفي ذلك قصة مشهورة معروفة ـ فقد قيل إن عبيد الله بن زياد طلب إليه وضع أصول علم اللغة لئلا يخطأ الناس في تلاوة القرآن فامتنع عليه، ثم احتال بن زياد بأن أجلس في طريقة وهو ذاهب إلى المسجد من قرأ أن الله بريء من المشركين ورسوله بكسر الهاء في لفظ الجلالة. فجن أبو الأسود الدؤلي بما وقع فيه هذا القاري من الخطأ واللحن وعده كفرا ثم عكف في بيته يضع أصول علم النحو.
8- حمران بن أبان: 39 هـ - 659 م
ولاه الإمام علي (ع) البصرة عندما رأي عدم قدرة أبي الأسود على ولايتها، وبقي فيها على عمله إلى أن اغتيل الإمام علي في الكوفة في اليوم السابع عشر (17) من شهر رمضان سنة (40) للهجرة الموافقة لسنة 661 م ولما تولى الحسن بن علي الخلافة أقره على ولايتها ثم عصى بالبصرة مستقلا بها مدة ستة أشهر، وذلك بعدما تنازل الحسن عن الخلافة لمعاوية ثم استخلصها منه بشر بن ارطاة بالقوة لبني أمية.
معـركة الجمـل
أول معركة حربية في العراق بعد الفتح الإسلامي
تعتبر معركة الجمل بين الإمام علي (ع) من جهة وطلحة والزبير من جهة أخرى في سبيل الاستيلاء على حكم العراق أول معركة حربية وبدء العاصفة السياسية التي فرقت المسلمين إلى شيع ومذاهب وأحزاب، أما سبب هذه الفتنة فيما ذكر المؤرخون والرواة هو التنافس على الحكم والاستيلاء على الخلافة والنزاع بين بني أمية وبني هاشم فقد ذكر صاحب الفخري شرح ذلك وافيا حين قال:
لما قتل عثمان بن عفان ( ع ) اجتمع الناس وقصدوا منزل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( ع ) وسألوه تولى أمرهم فأبى عليهم وقال : لا حاجة لي في أمركم ، فألحوا عليه إلحاحا شديدا واجتمعوا إليه من كل صوب يسألونه ذلك حتى أجاب ، فبايعه الناس فسار فيهم بسيرة الحق لا تأخذه في الله لومة لائم ، وكان لا يأخذ ولا يعطي الناس إلا بالحق والعدل ، حتى أن أخاه عقيلا وهو ابن أبيه وأمه طلب من بيت المال شيئا لم يكن له بحق فمنعه عليه السلام وقال : يا أخي ليس لك في هذا المال غير ما أعطيتك ولكن اصبر حتى يجيء مال وأعطيك منه ما تريد ، فلم يرض عقيل هذا الجواب وفارقه وقصد معاوية بالشام ، وكان لا يعطي ولديه الحسن والحسين عليهما السلام أكثر من حقهما ، فانظر إلى رجل حمله ورعه على هذا الصنيع لولديه وبأخيه من أبويه .
فلما سار فيهم هذه السيرة ثقل على بعض الناس فعله وكرهوا مكانه فخرج الزبير وطلحه بعد ما بايعاه إلى مكة، وكانت عائشة زوجة الرسول (ص) فاتفقا معها على عدم الرضا بإمارة علي وعلى الطلب بدم عثمان ونسبوا عليا (ع) إلى أنه ألهب الناس على عثمان وجرأهم على قتله ومازال علي ( ع ) من أكبر المساعدين لعثمان والذابين عنه ، ومازال عثمان يلجأ إليه في دفع الناس عنه فيقوم ( ع ) في دفعهم عنه فيقوم القيام المحمود ، وفي اخر الأمر لما حوصر عثمــان أرســــل علي ( ع ) ابنه الحسـن ( ع ) لنصرة عثمان ( ع ) فقيل أن الحسن ( ع ) استقتل مع عثمان ، وكان عثمان يسأله أن يكف فيقسم عليه وهو يبذل نفسه في نصرته ، وأما طلحة رضي الله عنه فإنه كان من أكبر المساعدين على عثمان وهذا تشهد بت جميع التواريخ .
وأما عائشة (ع) فإنها كانت قد خرجت من المدينة إلى مكة ليالي حوصر عثمان بن عفان (ع) ثم رجعت من مكة إلى المدينة فلقيها في الطريق أحد أخوالها فقالت له ما وراءك؟ قال: قتل عثمان، قالت: فما صنع الناس بعده؟ قال: بايعوا عليا، قالت: ليت هذه انطبقت على هذه إن تم الأمر لصاحبك، تريد الأرض على السماء. ثم رجعت إلى مكة وهي تقول: قتل والله عثمان مظلوما ، والله لا طلبن بدمه فقال لها الرجل لم والله أن أول من أمال حروفه لانت والله لقد كنت تقولين اقتلوا نعثلا فقد كفر ( وهو لقب عثمان ) فقالت إنهم استتابوه ثم قتلوه وقد قلت وقالوا وقول الأخير خير من قول الأول ، ولما رجعت إلى مكة اتفقت مع الزبير وطلحة على ما ذكرناه من الطلب بدم عثمان وسخط إمارة علي واتفق معهم مروان بن الحكم وهو ابن عم عثمان وقالوا للناس أن الغوغاء من أهل الأمصار وعبيد أهل المدينة اجتمعوا على هذا الرجل المسكين يعنى عثمان فقتلوه ظلما وعدوانا فسفكوا الدم الحرام في البلد الحرام في الشهر الحرام . ثم استمالوا أناسا وعزموا على قصد البصرة واستمالة أهلها والتقوا بها على قتال علي ( ع ) فلما انتهى ذلك إلى أمير المؤمنين قام فخطب بالناس وأعلمهم الحال وقال إنها فتنة وسأمسك الأمر ما استمسك بيدي ثم بلغه ما هم فيه من الجموح والتصميم على الحرب فهب إليهم في جيوش من المهاجرين والأنصار .
سارت جموع الخارجين على علي (ع) وسار علي فالتقى الجمعــان بظاهر البصرة وجرت خطـوب حروب ففي بعضها التقى عليه الســـلام وطلحة والزبير فقال علي (ع) لطلحة: يا طلحة، تطلب بدم عثمان؟ فلعن الله قتلة عثمان يا طلحة أجئت بعروس رسول الله (ص) تقابل بها وخبأت عروسك في البيت أما بايعتني؟ قال بايعتك والسيف على عنقي فقال (ع) للزبير يا زبير ما خرجك؟ قال أنت، ولا أراك أهلا لهذا الأمر ولا أولى به منا فقال علي (ع) لقد كنا نعدك من بني عبد المطلب حتى بلغ بينك ابن السوء ففرق بيننا عبدا لله بن الزبير، وذّكره على أشياء وقال له: أتذكر لما قال رسول الله (ص) لتقاتلنه وأنت ظالم له؟ قال: اللهم نعم ولو ذكرت لما سرت مسيري هذا والله لا أقاتلك أبدا، فانصرف أمير المؤمنين (ع) إلى أصحابه وقال : أما الزبير فقد أعطى الله عهدا ألا يقاتلكم ، ثم أن الزبير عزم على ترك الحرب فخدعه ابنه عبدالله وما برح به حتى كفر عن يمينه وقاتل ولما رأى الجمعان كان عسكر عائشة وطلحة والزبير ( ع ) ثلاثين ألفا وعسكر على( ع ) عشرين ألفا فقبل أن تنشب الحرب وعظهم أمير المؤمنين ( ع ) وندبهم إلى الصلح وبذل لهم كل ما ليس عليه فيه غضاضة من جهة الدين فمالوا شيئا إلى الصلح وباتوا على ذلك ثم في الغداة نشب القتال بين القبيلين وجرت مناوشات وحروب انفضت إلى نصرة جيش أمير المؤمنين ( ع ) .
أما الزبير فإنه لـم رأي النصرة عليهم رد رأس فرسـه ومر فتبعه رجل من عــرب البصرة يقال به عمير به جرموذ فقتله بوادي السباع واتى إلى علي ( ع ) بسيفه فقال للحاجـــب استأذن لقاتــل الزبير فقال علي ( ع ) بشـــروا قاتل ابـــن صفيه بالنار ( وصفية أم الزبير وهــي عمة علي أمير المؤمنين ( ع ) ولما رأى سيفه قال : سيف طالما جلا الكــروب عن وجه رسول الله ( ص ) . وأما طلحـــة فجأة سهم عاثر في رجله فأعطبه فدخل البصرة رديفا لغلامه وقد امتلأ خفه دما وهو يقول: " اللهم خذ لعثمان منى حتى ترضى، فمات بدار خربة من دور البصرة، وقبره اليوم بالبصرة في مشهد محترم وعندهم إذا اعتصم به خائف آو طريد لا يجسر أحدا كائنا من كان على إخراجه منه، ولأهل البصرة في طلحة اعتقاد عظيم إلى يومنا، وقيل إن الذي قتل طلحة مروان بن الحكم.
وأما عائشة (ع) فإنها كانت على جمل في هودج وقد البس هودجها الدروع والنسائج الحديد فلما اشتد القتال وانفلت جموعها فزعت الجمل فوقع ورفع هودجها حملا ووضع في مكان بعيد عن الناس، وكان أخوها محمد بن أبي بكر الصديق من أصحاب الامام علي (ع) لم يمضي إلى أخته وينظر أهي سليمة أم أصابها شيء من جراح؟ وبعد حين مضى إليها فرآها سليمة ثم ادخلها ليلا إلى البصرة ثم أن أمير المؤمنين علي ( ع ) أذن للناس في دفن القتلى وكانوا عشرة ألاف من القبيلين ، ثم أمر عليه السلام بجمع الأسلاب وادخلها إلى المسجد الجامع بالبصرة ونادي في الناس من عرف شيئا من قماشه فليأخذ ه ثم أن أمير المؤمنين ( ع ) أحسن إلى عائشة غاية الإحسان وجهزها بكل ما ينبغي لمثلها وأذن لها في الرجوع إلى المدينة وبعث معها كل من نجا ممن خرج معها إلا من أحب المقام واختار لها أربعين امرأة من نساء أهل البصرة المعروفات لأجل مؤانستها في الطريق وسيرها صحبة أخيها محمد بن أبي بكر مكرمة محترمة .
فلما كان يوم رحيلها حضر علي ( ع ) وحضر الناس فقالت عائشة ( ع ) يا بني ( وإنما قالت ذلك لأن نساء النبي ( ع ) هن أمهات المؤمنين كذلك قال الله تعالي ورسوله صلوات الله عليه ) لا يعتــب بعض على بعض إنه والله ما كان بيني وبين علي في القديم إلا ما يكون بين المرأة وإحمائها وإنه على معتبتي لمن الأخيار ، وقال الإمام علي ( ع ) صدقت والله ما كان بيني وبينها إلا ذاك ، وإنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة ثم سارت وشيعها عليه السلام أميالا وأرسل بنيه معها مسيرة يوم وتوجهت إلى مكة وأقامت بها إلى أيام الحج ثم حجت وانصرفت إلى المدينة وكانت وقعة الجمل في سنة ست وثلاثين من الهجرة .
الباحث
بسام شكري
Bassam343@yahoo.com
[size=32]للراغبين الاطلاع على الحلقة السابقة:[/size]
https://algardenia.com/maqalat/54800-2022-07-19-10-17-35.html