رؤى متشائمة نحو أوضاع العراق الخطيرة
الدكتور صبحي ناظم توفيق
الجمعة 12 آب 2022
رؤى متشائمة نحو أوضاع العراق الخطيرة
سألوني عن الرؤى المحتملة لأوضاع العراق ذات الإنغلاق السياسي الحاصل، وكيف سيخرج من عنق الزجاجة.
فأجبتهم أن ليس هناك أي تفاؤل في أعماقي، كما حال معظم مواطني العراق... لذا من المَعيب أن أسرد طروحات متفائلة فأُحسَبُ ساذَجاً شبيهاً بالبعض ممّن يسمّون أنفسهم بـ"محللين سياسيين"، أو أتحدّث شبيهاً بعدد من أبواق الأحزاب والكتل السياسية مدفوعي الثمن، في ظلّ إنغلاق سياسي مقيت وخطير أشبه ما يكون بصندوق حديدي ملحوم من كل جوانبه، وليس مجرّد زجاجة تمتلك عنقاً ذا فتحة.
وإليكم الإحتمالات بإختصار:-
1. الإحتمال الأول ذو الأسبقية الأقرب في هذه الأيام، أن السلطة القضائية ستنأى بذاتها عن أيّ حلّ، بحجة عدم وجود نصوص في الدستور تؤهلها لتعديل الأوضاع الراهنة، ولا تصدر أيّ قرار بحق الدعاوى التي رفعها الآلاف حسب توجيه السيد مقتدى الصدر، ولا نمتلك شخصية شبيهة بـ"قيس سعَيِّد".
2. الإحتمال الثاني الأعظم سوءاً، أن تزحف الألوف من الصدريين والتشرينيّين الغاضبين وجموع الثائرين والمنتفضين لمحو النظام السياسي المُحتَضِر، وتحقّق السيطرة على المنطقة الخضراء ومفاصل الدولة ومؤسساتها في بغداد وعموم المحافظات، وتعلن البيان رقم 1 لثورة شعبية تزيح الطغمة السياسية التي برهنت فشلها في كل مفاصل السلطة طيلة عقدَين مَضَيا... وما الثورة الإيرانية على حكم الشاه، والتونسية على زين العابدين بن علي، والمصرية على محمد حسني مبارك، والليبية على معمر القذافي، بماضٍ بعيد، رغم أن كل تلك الأنظمة لم يكن فسادها وتصرفاتها وجرائمها بحق شعوبها أعلى من مثيلاتها في العراق المنهوب والمدمر والمحترق على أيدي طغمة سياسية جاثمة على صدور العراقيين منذ عقدَين.
3. والإحتمال الثالث المُعاكِس لذلك، أن تقدم فصائل مسلّحة مرتبطة بأحزاب الإسلام الراديكالي، بالزحف على المنطقة ذاتها والمحافظات، تحت ذريعة الحفاظ على النظام السياسي ومكاسبه الديمقراطية!!
أن الإحتمالين (2، 3) يشوبهما أخطار نشوب حرب بَينِيّة في بغداد وعدد من المحافظات قد تطول، إن لم تستطع قوات الجيش والأجهزة الأمنية السيطرة على الأوضاع.
4. وثمة إحتمال رابع، أن يسيطر الجيش والقوات المسلحة على شآبيب الحكم، ويعلن الطوارئ والحكم العرفي ويغلق الأجواء والمياه والحدود البرية، بدعم من التحالف الدولي المرتبط بإتفاقية التعاون الستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة، ويشكّل حكومة إنقاذ لعام واحد قابل للتمديد، لدرء إحتمالات المواجهات المسلّحة البينية بين فصائل الأحزاب المتصارعة على مواصلة النهب من أموال العراق، ويلقي القبض على كبار المتحكمين بأمور الدولة ويقدمهم أمام القضاء.
لكن هذا الإحتمال تشوبه أخطار تفتّت القيادة والسيطرة وخروجها عن توجيهات الحكومة، وأخطار التصادم المسلح بين تشكيلات القوات العراقية المسلحة، لما يُشَكّ عن ولاءات قادتها لهذه الكتلة أو تلك، وتنفيذهم لأوامر زعمائها.
5. والإحتمال الخامس الأبعد الذي وراءَه "حصبة وجدري" -كما يقول المثل الشعبي العراق- أن يتم التحاور على إخلاء محيط مباني مجلس النواب من المعتصمين ليعود النواب إلى مقاعدهم، ويمرّروا تسمية رئيس الجمهورية على علاّته، يعقبها تسمية رئيس وزراء على علاّته كذلك، ويشكّل حكومة جديدة ذات صلاحيات إعتيادية يتم تمريرها على علاّتها أيضاً، ثم يعدّل البرلمان قانون الإنتخابات على هواه وبعض بنود الدستور الملغوم حسب مَراميه، ويصادق على الحسابات الختامية لموازنة 2021 على علاّتها من دون تدقيقها كالعادة التي سرَت في السابق، ثم يمرّر موازنتَي 2022- 2023 سوية وسراعاً، ثم يقرَّر على إنتخابات مبكرة ويخصص الأموال اللازمة لها مصحوباً بالفساد، ويوافق على تشكيل مفوضية جديدة للإنتخابات، قبل أن يقرّر النواب حلّ مجلسهم المتهرّئ، إذا شاء ذلك.
ولكن هذه الخطوات لوحدها يتطلّب تنفيذها ربما 10 سنوات، في ظلّ أجواء هادئة ومتوائمة لا تشوبها شائبة!!!
6. والإحتمال السادس هو الأعظم إستحالةً، أن يراجع شخوص الطغمة السياسية ذواتهم، ويعترفوا أنهم فشلوا وعاثوا في العراق فساداً سياسياً وإدارياً ومالياً ودمّروه وحرقوه وأوصلوه إلى حضيض العالم وأسافله في كل مناحي الحياة، إذا صحّت -بقدرة قادر- ضمائرهم ووجدانهم وشرفهم وأخلاقهم، فيتركوا الساحة السياسية ويسلِّموا أنفسهم مع كل تابعيهم وأعوانهم، مع إبداء ليُحاسَبوا أمام القضاء في كل ملفات الفساد والجرائم التي إقترفوها، وذلك قبل أن تتشكّل أحزاب وطنية منضبطة ذات أخلاق وشرف لا يعدو عددها أصابع اليدين، والتي -ربما- تكون حريصة على العراق وشعبه بشكل أفضل منهم.
ولكن الإحتمال (5) لو كان بحدود 10%، فإن الإحتمال (6) لا يعدو سوى (صفر%).
7. وهناك من ينتظر كإحتمال سابع، أن يتدخّل المجتمع الدولي لإستتباب الأمن في العراق، بحجة كونه ما زال تحت سطوة البند السابع من مواثيق UN، وأن دولته برهنت أنها فاشلة وفي تراجع مضطرد.
ولكن هذا الإحتمال، رغم تمنيات معظم الشعب العراقي، إلاّ أنه لا يبدو بالمتناوَل بالوقت الراهن والمستقبل القريب، سوى بأحلام اليقظة التي ينتظرها الملايين.
8. والإحتمال الأخير، أن تبقى المُناكَفات والحوارات بين الذين يسمّون أنفسهم بـ"القادة السياسيين" على حالها، وتستمر حكومة تصريف الأمور اليومية على جمودها تحت ظلال الوزراء والوكلاء ومكاتبهم والمستشارين وكبار موظفي الدولة والمدراء العامين والمحافظين المستأنسين برواتبهم ومخصصاتهم وحماياتهم وسياراتهم المصفحة وسرقاتهم بلا رقيب أو حسيب -إن توفّر في العراق رقيب أو حسيب-، فيما يظل البرلمان على عُطلِهِ المفتوح بلا حدود مع نوابه بمكاسبهم المليونية من أموال الشعب، في حين تُواصِل الأحزاب ومكاتبها الإقتصادية فسادَها وحصصَها ولغفها مليارات الدولارات من الوزارات والبنك المركزي والهيئات المستقلة والمحافظات والدوائر والبنوك وسواها.
وفي الختام أقول، أن المشكلة الأخطر والأنكى في العراق، أن أولئك المعصومين من الحساب والرقابة والأخطاء والقابعين في قصورهم الفارهة وخزائنهم وأرصدتهم، وقد إنقطعوا -مع أولادهم وعوائلهم وأقربائهم- عن هموم المجتمع وآهاتِه... فإنهم لا ينظرون لكل الشعب العراقي الحالم بحياة آمنة وخدمات مقبولة ومتطلبات حياة بسيطة ورواتب زهيدة، سوى بمثابة حذاء عتيق مقذوف في قارعة الطريق.