الوجه الآخر لكأس العالم فيفا قطر ٢٢ وكيف واجهت دولة قطر التحديات؟
د أكرم عبدالرزاق المشهداني
الوجه الآخر لكأس العالم فيفا قطر ٢٢ وكيف واجهت دولة قطر التحديات؟
في 2 ديسمبر من عام 2010 ظفرت دولة قطر بحق تنظيم كأس العالم بعد الفوز في اقتراع نظمّته اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) والتي تضم 22 عضواً، حيث تفوَّقَ العرض القطري على عروض تقدمت بها كل من الولايات المتحدة، وكوريا الجنوبية، واليابان وأستراليا، لاستضافة هذا المونديال. وبذلك تعدّ قطر أوّل دولة عربية وإسلامية تنظم مونديال كأس العالم لكرة القدم. وأعلن رئيس الفيفا وقتها، جوزيف سيب بلاتر، دعْمه عرض قطر لتنظيم المونديال، لاقتناعه بكفاءة ملف قطر المقدم للترشيح. وأيَّد بلاتر فكرة إقامة كأس العالم في بلد عربي حيث قال:«العالم العربي يستحق استضافة كأس العالم لديهم 22 دولة ولم تتح لهم أي فرصة لتنظيم البطولة من قبل».
ولم يكن فوز قطر باستضافة اهم حدث رياضي عالمي ليمر مرَّ الكرام، بل واجهت قطر بسبب هذا الترشيح، كماً هائلاً من التحديات والمصاعب والعراقيل ومحاولات الإحباط لمختلف الدواعي، ابتدأت بالاتهام أنها قامت بدفع ما قيمته 3.7 مليون دولار رشاوي لمسؤولي الفيفا لتأمين فوزها بتنظيم المونديال، لكن ساحتها بُرّئت من الاتهامات بعد عامين من التحقيق من قبل محكمة التحقيق الرياضية الدولية.
وقد تطرق امير دولة قطر في خطابه الاخير بمجلس السوري لهذا الامر فقال (منذ أن نلنا شرف استضافة كأس العالم تعرَّضت قطر إلى حملة غير مسبوقة لم يتعرض لها أي بلد مضيف، وقد تعاملنا مع الأمر بدايةً بحسن نية، بل واعتبرنا أن بعض النقد إيجابي ومفيد، يساعدنا على تطوير جوانب لدينا تحتاج إلى تطوير. ولكن ما لبث أن تبيَّن لنا أن الحملة تتواصل وتتسع وتتضمن افتراءات وازدواجية معايير حتى بلغت من الضراوة مبلغاً جعل العديد يتساءلون للأسف عن الأسباب والدوافع الحقيقية من وراء هذه الحملة!).
ملعب على شكل العرقجين (الكبع) كما يسميه القطريون فقد واجهت قطر وما زالت، اتهامات من منظمة العفو الدولية ومن منظمة هيومن رايتس ووتش بدفع من عدة أطراف دولية يهمها افشال الاستضافة القطرية، اتهامات بسبب ظروف العمل الخاصة بالعمالة الوافدة المنخرطة في إنجاز مشاريع بناء منشآت نهائيات كأس العالم في ظل الأجواء الحارة التي يشتغلون فيها بأعمال تشييد الملاعب، وضمن هذه الحملة نشرت صحيفة الغارديان في فبراير 2022 تقريرا ادعت فيه أن 6500 مهاجر من جنوب شرقي آسيا ماتوا في قطر منذ 2010. علما أن قطر وفرت اقصى درجات الرعاية الممكنة لحماية العمال من الإصابات، بشهادة جهات دولية منصفة زارت قطر ونفت الاتهامات المغرضة.
كما أشيعت مخاوف مؤخرا تتمثل بعدم اليقين المحيط بتوافر الكحول الذي يُعدّه مشجعو أوروبا وأمريكا اللاتينية جزءًا لا يتجزأ من الاستمتاع بكرة القدم، ففي حين أن الكحول غير متاح للعامة في قطر، ولكن رئيس لجنة تنظيم البطولة أكد للجماهير أن الدولة تتخذ تدابير لضمان توفر الكحول في مناطق محددة.
ومن جملة الاتهامات لقطر أنها لن توفر أجواء الحرية اللازمة لجمهور المشجعين من المثليين (أو ما يطلق عليه المجتمع ميم)، وقد صرح رئيس لجنة البطولة إن: “دولة قطر مضيافة ومنفتحة” وكرر تأكيده على ترحيب قطر بالجماهير من كافة الخلفيات والثقافات خلال مونديال كأس العالم العام المقبل. وقال إن “بطولة كأس العالم 2022 في قطر هي فرصة للعالم ليأتي ويختبر الدوحة وثقافتها في روعتها الكاملة”. وقال الذوادي: “هذه البطولة هي فرصة لبناء الجسور.. إنها أيضًا فرصة للعالم الخارجي ليرى من نحن”. “هذه فرصة للسفر هنا مباشرة.. كأس العالم في كرة القدم هي واحدة من أكثر القواسم المشتركة انتشارًا”. وقد جرّم القانون القطري المثلية الجنسية في البلاد. وتطالب مجموعات ممثلة لمشجعي كرة القدم من المثليين حكومات بلادها بالعمل على "ضمان أمنهم"، فيما أعلن عدد من مشجعي منتخب ويلز عن مقاطعتهم مونديال قطر في أعقاب تأهل الفريق بسبب تجريم المثلية، وقد ردّ منظمو كأس العالم بالقول إن "الجميع محلّ ترحيب"، ولكن قطر لن تتراخى على صعيد قوانينها إزاء المثلية الجنسية.
وفي إطار استعداداتها اللوجستية للبطولة أنشأت قطر سبعة ملاعب فخمة (استادات) لهذا المونديال، فضلًا عن انشاء مدينة جديدة كاملة خصصت لإقامة المباراة الافتتاحية والنهائية. كما أنشأت قطر أكثر من 100 فندق جديد، ومحطات أنفاق، كما أقامت طرقا جديدة. وتقدّر اللجنة المنظمة للمونديال أعداد الذين سيحضرون المباريات بنحو 1.5 مليون شخص من مشجعي كرة القدم من أنحاء العالم على البلد الصغير مساحة حيث سكان قطر (مواطنين ومقيمين) يبلغ 2,9 مليون نسمة.
وتعلن السلطات المختصة انها وفرت: (60000 غرفة في الفلل والمجمعات السكنية) و(50000 غرفة فندقية)،و(9000 عدد الأسرة للمشجعين) و (4000 غرفة في باخرتين سياحيتين ترسوان على ضفاف الخليج العربي (المدن العائمة). لقد استعدت قطر بكل طاقتها وامكانياتها وتتجهز لاستضافة مونديال كأس العالم لعام 2022 حيث أقدمت قطر على إنشاء وتشييد ملاعب بمواصفات عالمية، وقامت ببناء فنادق دولية، وإعداد بنية تحتيه في الدولة قادرة لاتساع كافة الوافدين من جميع أنحاء العالم، لمشاهدة مباريات كأس العالم لعام 2022، جاء ذلك كله بالتعاون مع شركة فرنسية قطرية. كما تم تجهيز مطار حمد الدولي الذي يعد من المطارات الأولى في العالم اليوم، واصبحت مساحته تتجاوز الـ (12) ضعف عما كان عليه، حيث وضمن الخطة الاستراتيجية المعمول بها، سيتوسع ليصبح أكبر مطار دولي في العالم، تقوم شركه الرّيل القطرية وشركة دوتش بان الألمانية بتعاون على بناء سكك حديدية في قطر حيث تكون أفضل سكك في العالم وتتكون هذه المشاريع من ثلاث أنواع، (مترو الدوحة، قطار المسافات الطويلة، الناقل الخفيف)، حيث جميع الوافدين سيتمكنون من التواجد داخل الملاعب في اوقات مريحة جداً، نظراً لوجود امكانيات واسعة النطاق في وسائل النقل القطرية، سواء جوية او برية او بحرية. وكان للأزمة الخليجية، دوراً هاماً في محاولة إعاقة وعرقلة استضافة دول قطر لكأس العالم، ولكن المصالحة التي تمت بعد ثلاث سنوات من المقاطعة أسهمت في تلطيف الأجواء واعادتها الى طبيعتها.الميزانية: حسب بعض التقديرات، فإن استضافة كأس العالم كلفت قطر حوالي (220 مليار دولار). هذا هو حوالي 60 ضعف الميزانية التي أنفقتها جنوب افريقيا على استضافة كأس العالم 2010 وتم إنفاق 28 مليار جنيه إسترليني أخرى على إنشاء مدينة جديدة تسمى لوسيل ستحيط بالإستاد الذي سيستضيف المباراتين الافتتاحية والنهائية للبطولة.دول عديدة عرضت الدعم لقطر لإسناد مهمة المونديال منظمة الناتو أعلنت تقديم الدعم الأمني لقطر في بطولة كأس العالم لكرة القدم 2022 وضمن إطار التعاون المتبادل بين قطر وحلف شمال الاطلسي "الناتو" سيقدم الحلف الدعم في الجوانب الأمنية لبطولة كأس العالم المقرر إقامتها في دولة قطر وسيشمل الدعم التدريب على التهديدات التي تشكلها المواد الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية. وسيشمل أيضا تدريبات على حماية الشخصيات الهامة ومواجهة التهديدات التي تشكلها الأجهزة المتفجرة المرتجلة، والتي ستقدمها رومانيا. وسوف تسهم تركيا وسلطنة عمان والكويت وروسيا والسعودية في تقديم العون اللوجستي لدعم جهود الدولة في تأمين البطولة، ومن المنتظر أن تكون بطولة كأس العالم FIFA قطر ٢٠٢٢ نسخة لا مثيل لها عبر التاريخ. حيث ستكون المرافق والفعاليات مترابطة بشكل يضمن المحافظة على البيئة، وستكون تجربة كل مشجع خلالها مخطط لها وفق رغباته وما يستهويه. ستكون المرة الأولى التي تقام فيها بطولة كرة القدم الأضخم في العالم على أرض عربية، كما ستكون بطولة كأس العالم لكرة القدم الأولى من حيث تقارب المسافات بين الاستادات، الأمر الذي سيجعل من السهل على المشجعين حضور مباراتين او أكثر في يوم واحد. حيث لن تستغرق الرحلة بين أي من استادات بطولة كأس العالم لكرة القدم في قطر أكثر من ساعة واحدة. هذا يعني أن باستطاعة الجماهير تشجيع منتخبهم المفضل في استاد الجنوب، جنوبي الدوحة، في مباراة تقام خلال فترة ما بعد الظهيرة، ثم يلتحقون بعد ذلك بأجواء الإثارة في مباراة أخرى تقام في استاد البيت – مدينة الخور، شمالي قطر، في مساء نفس اليوم. إن كأس العالم في قطر انجاز عظيم حققته دولة نامية تسعى لتسلق سلم المجد بثقة واقتدار، واثبات ان العرب قادرين على منافسة العالم في استضافة أضخم الكرنفالات الدولية وحسن تنظيمها. وقد صرح انفانتينو رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم مؤخرا عن امله ويقينه "ان مونديال قطر سيكون الافضل في التاريخ من واقع التحضيرات القطرية للحدث واكتمال جاهزية قطر لاستقبال العالم"... وستبقى قصة التحدي القطري للتهديدات والتحديات درسا وعبرة ومثالا لتحدي المستحيل ومفخرة عربية يرويها التاريخ لعقود طويلة قادمة.