حقوق المرأة في المواثيق الدولية والشريعة الاسلامية
بقلم: بيداء صبيح داوود
إشراف الدكتور: محمد تقي خداداداي
حقوق المرأة في المواثيق الدولية والشريعة الاسلامية
لما كان الانسان هو المخلـوق الـذي میّـزه الله علـى سـائر الكائنـات وكرمـه بالعقـل ،وحمله المسؤولیة ثوابا وعقابا فان الاولى بالاحترام هو التركيز علـى تفعيل الـنص بعـد استدعائه مع الأحكـام والنظريات إلـى المیـدان والـى واقـع النـاس المعـاش فـي كـل مكـان وزمـان، ولما كانت المرأة في نصف المجتمع فإن إكرامها وإنصافها ينبع من منحها حقوقها متكاملة، وتعتبر حقوق المرأة من أهم المجالات التي يسعي جميع الباحثين في المجالات القانونية والاجتماعية إلى البحث فيها، حيث أنها ترتبط ارتباط وثيق بكافة مجالات الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية، حيث أن دور المرأة الذى تقوم به داخل نطاق أسرتها الصغيرة وهى عائلتها وأسرتها الكبيرة وهى دولتها دور لا يمكن إنكاره فهي تشارك في بناء دولتها بعملها وتربية أجيال يعتمد عليها لنهضة الأمم، وكان هذا العامل الأهم لوضع الدول فرادى ومجتمعين التشريعات والاتفاقيات الدولية التي تهتم بحقوق المرأة داخلياً ودولياً.
وعليه نحاول في هذا المقام إيجاد تقارب وتكامل بين الاتفاقيات الدولية والنظام الإسلامي فيما يخص حقوق المرأة ومحاولة توضيح بعض الشبهات في شأن المرأة ومدى تمتعها بحقوقها كاملة في الشريعة الاسلامية، من خلال البحث في الاتفاقيات الدولية التي دعمت حقوق المرأة كل المواثيق ذات الصلة بالمرأة وحقوقها، وأيضا النظر في ما جاءت به الشريعة الإسلامية من حقوق للمرأة تعزز مكاناتها في المجتمع.
بداية نذكر إن الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المعززة ذات الصلة بحقوق المراة رتبت حماية خاصة في نصها للنساء وتعد ذات أهمية بالغة لما اقرته ضمنها من حقوق يعتبر اعمالها بمثابة أداة وازنة يمكن من خلالها القضاء على التمييز وضمان مشاركة واسعة للنساء في كافة المجالات عبر ممارسة افضل لحقوقهن والتمتع بها من خلال الزام الدول باحترام هذه الحقوق والسعي لاتخاذ ما يلزم من تدابير تكفل ممارستها، وقد عملت الأمم المتحدة من خلال الشرعة الدولية لحقوق الإنسان على تأكيد مبدأ المساواة وحق كل إنسان في التمتع بالحقوق والحريات دون تمييز بما في ذلك التمييز على أساس الجنس، كما عملت على ترجمة هذا المبدأ من خلال عدد من الاتفاقيات الخاصة بقضايا النساء ومنها :
•الاتفاقية الخاصة بالحقوق السياسية للمرأة عام 1952
•الاتفاقية الدولية بشأن جنسية المرأة المتزوجة عام 1957.
•اتفاقية الرضا بالزواج والحد الأدنى لسن الزواج عام 1962.
بالرغم من هذه الاتفاقيات فإن حقوق المرأة كانت عرضة للكثير من الانتهاكات وحاولت الأمم المتحدة مقاربة هذه الحقوق مع تطور مفاهيم حقوق النساء من مفهوم المساواة بين الجنسين الى مفهوم إلغاء التمييز ضد المرأة وصولاً لمناهضة العنف المسلط على النساء.فتم التوصل إلى صياغة الإعلان العالمي للقضاء على التمييز ضد المرأة عام 1967 والذي أعلن عن وجود قدر كبير من التمييز ضد النساء، ولكنه بقي إعلانا غير ملزم ولم يضع الدول أمام التزامات واجبة التنفيذ، كونه لم يتخذ شكل الاتفاقية فكان لا بد من إعداد اتفاقية تجعل من الإعلان قوة ملزمة للمنضمين له والموافقين عليه .وحازت قضايا المرأة على اهتمام خاص لدى المؤسسة الدولية فسعت جاهدة الى تشريع العديد من الاتفاقيات التي تكفل حقوقا خاصة بالمرأة، لغرض المساواة وإزالة جميع الحواجز القانونية والسياسية والاجتماعية التي تعترض المرأة ومساعدة المرأة على إقرار وإعمال حقوقها.
وغيرها الكثير من الاتفاقيات والمواثيق التي أبرمت في مجال حماية حقوق المرأة وتعزيز هذه الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية و الثقافية، ويتضح بأن جميع هذه الاتفاقيات السابق ذكرها ركزت وبصورة مباشرة على الحقوق المتساوية التي يجب أن تتمتع بها المرأة في مقابل الرجل، ولاحظنا ايضا ان الاتفاقات الدولية العالمية اهتمت ببيان حقوق المرأة في الوضعيات المختلفة كأم وكامرأة عاملة معيلة وكلاجئة وكسجينة وكنازحة، فتناولت حقوق المرأة في كل حالة من هذه الحالات على حدة، جنبا إلي جنب مع الأحكام العامة ذات الصلة.
أما في الشريعة الاسلامية فقد اعتنى الإسلام بـحقوق المرأة وكرمها وأعطاها حقوقها كاملة بما يناسب فطرتها وطبيعة تكوينها، لأن دين الإسلام ليس اجتهادا بشريا، وإنما هو وحي من الخالق سبحانه، الكتاب والسنة، وقد قال تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} وأهمُّ ما يميِّز الإسلام في موقفه من المرأة عن غيره من المبادئ والنُّظم التي عاشَتْ قبله واستجدَّت بعده، وهو نظرته الإنسانية إلى المرأة والرجل على السواء في كل تشريعاته ومفاهيمه، ونظرته للمرأة بما هي أنثى إلى صف نظرته للرجل بما هو ذكر, فالإسلام حين ينظر إلى الرجل بوصفه إنساناً وينظمه ويوجهه ينظر إلى المرأة باعتبارها إنساناً أيضاً، ويساويها مع الرجل على الصعيد الإنساني في كل تنظيماته وتوجيهاته لأنهما سواء في كرامة الإنسانية وحاجاتها ومتطلباتها .
وأما حين ينظر الإسلام إلى المرأة بما هي أنثى وينظم أنوثتها ويوجهها، ينظر في مقابل ذلك إلى الرجل باعتباره ذكراً، فيفرض على كل منهما من الواجبات، ويعطي لكل منها من الحقوق، ما يتَّفق مع طبيعته، وفقاً لمبدأ تقسيم العمل بين أفراد المجتمع، وتنشأ عن ذلك الفروق بين أحكام المرأة وأحكام الرجل ,فمَرَدُّ الفرق بين أحكام المرأة وأحكام الرجل إلى تقدير حاجات ومتطلبات الأنوثة والذكورة، وتحديد كل منهما وفقاً لمقتضيات طبيعته .وقد أعطى الاسلام للمرأة دور حمل الفكر الاسلامي ونشر الثقافة الإسلامية، ومفاهيم الشريعة الجديدة وأحكامها، فما أكثر النساء اللَّواتي أخذْنَ الإسلام من منبعه الزاخر، فبشِّرن به ودعون إليه، بعد أن تعمَّقن في فهمه، وكنَّ مدارس إسلامية يَروين عن النبي ويروى عنهُنَّ ، وفي طليعة الروايات عن النبي (صلى الله عليه وآله) والناشرات لأحكام الإسلام الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) فقد روت عن أبيها (صلى الله عليه وآله)، وروى عنها ابناها الحسن والحسين (عليهما السلام) وزوجها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وأم سلمة، وأرسلت عنها فاطمة بنت الحسين وغيرها.
واخيرا بالمقارنة بين حقوق المرأة في الشريعة الإسلامية والاتفاقيات الدولية، فيمكن القول انه رغم بلوغ القانون الدولي لحقوق الإنسان درجة مرموقة في كفالة حقوق المرأة، إلا أنه لم يصل إلى حد الكفاية الحقيقية، لأنه يكتنفه نقائص عدة، بالإضافة إلى التعارض في العديد من أحكامه مع الشريعة الإسلامية، فقد أعطى الاسلام لمرأة حقوقاً أسوة بالرجل، ونظم هذه الحقوق بل وحرم الاعتداء عليها. إضافة الى شمولية الخطاب الاسلامي لجميع المسلمين، وعدم تخييرهم بالالتزام بالأحكام الاسلامية على خلاف ما جاءت به الاتفاقيات الدولية إذ تعطي للدول حرية التحفظ على الاتفاقيات او على بعض المواد منها، لذا فإن الكثير من الدول تحفظت على بعض اتفاقيات حقوق الانسان بصورة عامة وحقوق المرأة صورة خاصة، ما يؤدي إلى ضعف التّطبيق الفعلي لتلك الاتفاقيات، وبالتالي يؤدي إلى ظهور التّمييز في تلك الدول بصفة جلية.