عمالة الأطفال في العراق مستمرة رغم المحاذير القانونية والاجتماعية
العرب/بغداد - أسهمت الظروف الأمنية والصعوبات الاقتصادية التي يمر بها العراق في ارتفاع عدد الأطفال الداخلين إلى سوق العمل رغم المحاذير القانونية والاجتماعية والمخاطر التي يمكن أن تواجههم والأعمال الشاقة التي ينخرطون فيها، ناهيك عن إمكانية استغلالهم من قبل عصابات ترويج المخدرات والمجموعات الإرهابية للقيام بأعمال تنافي قيم الطفولة.
وفي سوق الشورجة، أكبر سوق تجارية وسط بغداد، تجد المئات من الأطفال والأحداث يجرّون عربات متهالكة يتجاوز وزن ما يحملونه فيها من بضائع أوزان أجسامهم بعدة مرات، فيما تبدوا علامات التعب والإرهاق واضحة على وجوههم ضاربة عرض الحائط ببراءة الطفولة وحق الطفل بالعيش الكريم، فيما يبيع آخرون الماء والمناديل الورقية وقوالب الثلج ومواد متنوعة لسد حاجتهم وحاجة عوائلهم.
وبدرجة حرارة تتجاوز 45 درجة مئوية، يقف الطفل أحمد سعد (10 سنوات)، على جانب الطريق في شارع الرشيد ليبيع الماء ومكعبات الثلج للمارة وأصحاب المحلات القريبة، ليساعد والده في توفير القوت اليومي للعائلة التي تضم خمسة أشخاص، تاركا مقعده الدراسي وأحلامه بمستقبل أفضل.
وقال أحمد "صباح كل اليوم أتوجه من منطقة الفضل، وهي منطقة شعبية وسط بغداد معظم سكانها من محدودي الدخل، إلى شارع الرشيد، لبيع الماء والثلج إلى المارة وأصحاب المحال التجارية القريبة، لكي أساعد والدي وهو عامل أجر يومي في تدبير احتياجاتنا المنزلية، وأحصل تقريبا على خمسة آلاف دينار عراقي حوالي 4 دولارات".
وأضاف "عائلتي فقيرة فنحن خمسة أشخاص نعيش في غرفة واحدة بمنزل قديم، ولذلك تركت الدراسة من الصف الثالث الابتدائي وتوجهت إلى العمل حتى أساعد والدي لأن دخله قليل ولا يكفينا، رغم أني كنت طالبا متفوقا وأحلم أن أكون من الأطباء أو المهندسين".
أما مثنى إبراهيم (12 عاما)، والذي كان يجر عربة محملة ببضائع مختلفة من منطقة الشورجة ليحملها في شاحنة كانت تقف في ساحة الرصافي قاطعا مسافة تصل إلى أكثر من 1500 متر في زحام شديد، فقال “توفي والدي قبل سنتين بعد أن أصيب بمرض السرطان ومنذ ذلك الوقت أصبحت مسؤولا عن عائلتي المكونة من والدتي وأربعة إخوة، لذلك طلبت مساعدة أحد أصدقائي والذي يعمل هو الآخر في جر العربات لنقل البضائع". وأضاف "العمل هنا شاق ومتعب ولكن ماذا عساي أفعل حتى أطعم عائلتي".
وقال محمد القره غولي، مهندس متقاعد ويشرف على عدد من مشاريع البناء، لـ"شينخوا" إن عمالة الأطفال ظاهرة مرفوضة وتتسبب بترك المدارس والاتجاه إلى العمل في المناطق الخطرة مثل البناء والإنشاءات وغيرها من الأعمال الشاقة، وكوني مهندسا أشرف على عدد من مواقع العمل أرى عددا كبيرا من الأطفال يعملون هناك.
وأضاف "في الحقيقة تصلنا في بعض الأحيان تعليمات من الجهات المختصة بأنه ممنوع أن نشغل الأطفال، ولكن ماذا يمكن أن أفعل عندما يأتيني طفل ويقول لي إني أريد أن أساعد عائلتي وليس لديّ دخل وأريد أن أعمل في هذا المجال، ونضطر لتشغيلهم رغم أن هذا العمل بالنسبة إليهم غير مناسب قياسا مع أعمارهم".
وأوضح القره غولي أن "سبب عمالة الأطفال هو المرحلة التي مر بها بلدنا كالحروب والتهجير والطائفية، كل هذه المشاكل أصبحت عامل ضغط على الأسرة، فيجب على الحكومة أن تؤهل هؤلاء وتضعهم على الطريق الصحيح الذي يجب أن يكونوا موجودين فيه”، مشيرا إلى أن وزارة العمل يجب أن تنظم ورشا تحتوي من خلالها العاطلين عن العمل كل حسب رغبته، ممّن يريد أن يعمل في النجارة أو التأسيسات الكهربائية وغيرها من المهن حتى تصبح لديه فرصة عمل.
وتابع أنه في الوقت الحاضر هناك الكثير من المخاطر التي تهدد الأطفال العاملين حيث تنتشر المخدرات دون رقابة وهذا الأمر قد يؤدي إلى انحراف بعض الأطفال وعملهم مع مهربي المخدرات، وهذه المجموعات بدأت بالفعل تستفيد من الأحداث في ترويج المخدرات ونقلها.
وينظم القانون العراقي عمل الأطفال في نص المادة السادسة/3 من قانون العمل على أنه يجب القضاء على جميع مظاهر عمل الأطفال، كما حدد القانون سن العمل بـ15 عاما كحد أدنى، لأسباب عديدة لأن هذا العمل يجعل الطفل معرضا للكثير من الأمور، فنجد الأطفال يتركون مدارسهم في حين يجب أن نوفر للطفل بيئة مهمة حتى يكون عنصرا فاعلا في المجتمع يهتم بدراسته وليس مشردا أو يمارس أي أعمال في الشوارع مثل بيع المناديل الورقية والماء والعلكة، بحسب المحامي علي سامر العبيدي.
وأضاف العبيدي أنه "يجب على الدولة أن تهتم بهذا الأمر جدا جدا (عمالة الأطفال) لأن بناء الدولة يقف على بناء هذا الجيل فإذا كان الطفل في الشارع فسوف يكون عرضة للتحرش وأيضا عرضة لاستغلاله بالعمليات الإرهابية، هذه ظاهرة سلبية إلى أبعد الحدود، نحن نغض عنها النظر لكن هي مهمة وخطيرة".
وأوضح العبيدي أن "لدينا دائرة رعاية القاصرين وقانونها يتيح لأيّ شخص حتى لو لم يكن طرفا متضررا، عندما يجد طفلا يمارس أعمالا في الشارع أو يتعرض للتعنيف فله الحق بأن يخبر السلطات المختصة، مشددا على أن “القانون فصل واهتم بهذا الموضوع، ولكن الخلل لدينا هو في الوعي العام حول هذه الظاهرة وفي الجهات التنفيذية التي لا تطبق القانون بشكل دقيق".
وتابع "يجب التحرك بشكل أفضل تجاه ظاهرة عمالة الأطفال، وعلى الشرطة والجهات الأمنية ووزارة العمل أن تحارب هذه الظاهرة لأنها خطيرة جدا، وربما يستغل الأطفال ويتعرضون إلى تحرش جنسي وإلى زجهم في عمليات إرهابية وأمور أخرى موجودة في الشارع”، مشددا على أن قوانين وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في العراق تنص على معاقبة المتسبب في تشغيل الأطفال بعقوبة تتراوح بين الغرامة المالية وإيقاف التصريح لرب العمل.
وفي يونيو الماضي، أكدت منظمة العمل الدولية واليونيسف في العراق في بيان مشترك أن الأطفال “يشكلون الغالبية من حوالي 4.5 مليون عراقي من المعرضين لخطر الفقر بسبب تأثير النزاع وجائحة كورونا، حيث يواجه طفل واحد من كل طفلين أشكالا متعددة من الحرمان سواء في التعليم أو الصحة أو ظروف المعيشة، أو الأمن المالي".