العراق: دولة "الحشد الشعبي"!!
لم يمنح القانون "الحشد" حق القيام باعتقالات
العربي الجديد:تحت ذريعة الانتماء لحزب "البعث" و"جماعات منحرفة دينياً"، شنّ "الحشد الشعبي" في العراق، أكثر من حملة اعتقال في الأيام الأخيرة، طاولت العديد من العراقيين، لترتفع اتهامات سياسية وشعبية لهذه الهيئة بالخروج عن مهامها الأمنية التي وردت في قانون "الحشد الشعبي" الذي أقر عام 2016. ووصلت الانتقادات حد المطالبة بعزل رئيس "هيئة الحشد" فالح الفياض، وفتح تحقيقات حكومية بالتجاوزات التي تُتهم بها هذه الهيئة.
ونفذ "الحشد الشعبي"، الأسبوع الماضي، عملية أمنية تمثّلت بمداهمة منازل عراقيين في محافظات الديوانية وكربلاء وبابل والمثنى جنوبي البلاد، واعتقال عدد من الأكاديميين والحقوقيين والمثقفين ووجهاء عشائر، وشخصيات أخرى معروفة بدعمها الحراكات المدنية والوطنية والمتظاهرين "التشرينيين". عقب ذلك أعلن "الحشد"، في بيان رسمي، أنه أحبط ما وصفه بـ"مخطط لحزب البعث يستهدف المراسم الدينية لأربعينية الإمام الحسين".
وجرّاء الضغط الإعلامي الذي مارسه الناشطون في البلاد، أُفرج عن قسم من الموقوفين بكفالة، لكن أحدهم توفي بعد ذلك بيومين، وهو الأستاذ الجامعي إقبال دوحان، جرّاء التعذيب الشديد الذي تعرض له. وقد ظهر ذلك في مقطع مصور تداوله عراقيون.
اعتقال 44 من "الجماعات المنحرفة"
كما أعلن "الحشد" قبل أيام، اعتقال 44 متهماً ينتمون لما سماها "الجماعات المنحرفة" في 7 محافظات عراقية. وعلى الرغم من أن "الحشد الشعبي" لم يفسر ما هي "الجماعات المنحرفة"، إلا أنه أشار في بيان إلى أن "قوات الحشد ضبطت بحوزة المعتقلين آلاف المضبوطات والمنشورات التحريضية ضد الشعائر والمرجعيات الدينية، ومنشورات تهدد السلم المجتمعي وأمن الزيارة الأربعينية".
وتواصل "العربي الجديد"، مع عبد الله خضر آل مرمض، وهو أحد أقرباء إقبال دوحان، المتوفى جراء التعذيب. وقال إن "مديرية أمن الحشد اعتقلت عدداً من العراقيين المثقفين والمعروفين بتوجهاتهم السياسية الرافضة للوضع الحالي، متهمة إياهم بأنهم بعثيون، مع العلم أنهم أبعد الناس عن حزب البعث، لكنهم يتبنّون الخط العروبي والوطني الرافض للتدخّلات الخارجية في شؤون العراق، ويقيمون ندوات للتثقيف السياسي عن أهمية عزل الإسلام السياسي في المرحلة المقبلة".
اتهامات للنيل من الأصوات الوطنية
واعتبر أن "الاتهامات والاعتداءات التي صدرت عن هيئة الحشد ضد مثقفي جنوب العراق، هدفها النيل من الأصوات الوطنية، ولا علاقة لحزب البعث بذلك".
وأضاف أن "مسؤولية الحكومة حالياً، التحقيق مع المتورطين بقتل إقبال دوحان، إضافة إلى الترويع الذي تحدث عنه معتقلون جرى الإفراج عنهم، إضافة إلى عزل كل من ساهم بهذه العملية، ناهيك عن مساندتنا حالياً لمطلب عزل فالح الفياض الذي يتحمل كامل المسؤولية".
وتابع أن "الحشد يتدخّل في ما لا يعنيه، ويمارس نشاطات عنفية وتخويفية مع الناشطين وأصحاب الرأي، إضافة إلى أنه خاضع لسلطة الأحزاب السياسية ومزاج قادة الإطار التنسيقي، مع العلم أنه لا بد أن يكون جهازاً أمنياً عراقياً".
ونهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2016، أقر البرلمان العراقي بضغط من القوى والأحزاب الحليفة لإيران مشروع قانون "هيئة الحشد الشعبي"، الذي اعتبر بموجبه المليشيات المسلحة التي تشكّلت عقب اجتياح تنظيم "داعش" البلاد منتصف عام 2014، أو ما قبلها، وحدات عسكرية مرتبطة بالحكومة. لكنه عزلها عن تشكيلات وزارتي الدفاع والداخلية، واعتبرها هيئة مستقلة بذاتها، ولها رئيس ورئيس أركان وقادة ألوية مسلحة، بدلاً من مصطلح فصيل أو جماعة.
لا نص يمنح "الحشد" العمل كسلطة تحقيق
وبحسب هذا القانون، فإنه لا يوجد أي نص يمنح "هيئة الحشد" الحق بالعمل كسلطة تحقيق قضائي. كما لا يمنح القانون الهيئة وقادتها صفة "أعضاء الضبط القضائي" المكلفون بالتحري عن الجرائم والشكاوى. وتضمّن القانون عدة مواد في تنظيم عمل "هيئة الحشد الشعبي"، بوصفها "تشكيلاً يتمتع بالشخصية المعنوية ويعد جزءاً من القوات المسلحة العراقية، ويرتبط بالقائد العام للقوات المسلحة".
لكن القانون النافذ، والذي ساوى في الامتيازات والمرتّبات بين الجندي في الجيش العراقي وعناصر "الحشد الشعبي"، لم يتضمن منح "الحشد" غير المهام القتالية المساندة للقوات العراقية الأخرى. ولم يذكر أي حق لهذه الهيئة للقيام باعتقالات أو الضبط القضائي أو إجراء تحقيقات.
إلا أن الهيئة وسّعت أخيراً من كيانها عبر استحداث أقسام جديدة فيها، مثل "أمن الحشد"، والذي نفّذ قبل عامين حملة أيضاً على ملاهٍ ونوادٍ ليلية وصالات قمار، قال إنها تنتحل صفته. كما استحدث ما يعرف بـ"المكاتب الاقتصادية"، إلى جانب سجون ومراكز توقيف، وهيئة إعلامية تُنسب لها إدارة العديد من المنصات الإعلامية، وتُتهم أيضاً بإدارة ما تُعرف بـ"الجيوش الإلكترونية".
محاكم "دينية" تابعة إلى "الحشد"
كما كشفت مصادر أمنية لـ"العربي الجديد"، أن "عدداً من فصائل الحشد تمتلك محاكم تغلب عليها الصفة الدينية، إلى جانب سجون في بغداد وكربلاء والبصرة وبابل ومدن أخرى، يعاقب من خلالها منتسبيه، إضافة إلى الناشطين المعارضين لسياسة الحشد".
وأثارت حملات الاعتقالات الأخيرة ردود أفعال غاضبة ضد "الحشد". وقال النائب المستقل سجاد سالم، في بيان، إن هيئة "الحشد الشعبي ليست سلطة تحقيق بموجب القوانين العراقية، ويجب عزل فالح الفياض لخرقه القانون وعدم استقلاليته".
وأوضح أن "حملة الاعتقالات الأخيرة من قبل الحشد الشعبي تمثل خرقاً فاضحاً للقانون يجب التصدي له، خصوصاً بعد التيقن من أن هذه الحملة في محافظة القادسية هُدِدَّ بها ناشطون ومحتجون، وإنَّ السكوت التام عن هذه الخروقات القانونية بمثابة التفويض لجهات سياسية معينة بإطلاق يدها في العبث بمصائر الناس واستهدافِهِم وقمع حرية الرأي".
من جهتها، بيَّنت النائب عن حركة "امتداد" نور نافع أن "البطولات التي صنعها الحشد الشعبي في معارك التحرير ضد تنظيم "داعش"، يسعى متنفذون داخل الهيئة إلى استغلالها وتوجيهها نحو الناشطين والمثقفين العراقيين. فهو يعتقل من يخالفهم الرأي، إضافة إلى توجيه ضربات لأي جماعة لها رأي سياسي أو ديني معين، تحت ذريعة "جماعات منحرفة"، وهذا غير مقبول".
وأعلنت نافع، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "عدداً من أعضاء البرلمان سيعملون في الأيام المقبلة على التحقيق في حادثة وفاة إقبال دوحان، وتعرّضه للتعذيب على أيدي عناصر مديرية أمن الحشد"، مضيفة أن "على الحكومة أن تفتح تحقيقات عديدة بكل الجرائم المشابهة لهذه، لوقف التجاوزات بحق العراقيين".
"الحشد" يؤكد التنسيق مع القوات العراقية
إلا أن القيادي في "الحشد الشعبي"، محمد البصري، أكد لـ"العربي الجديد"، أن "كل ما تقوم به فرق وقوات الحشد هو بالتنسيق مع بقية القوات الأمنية، هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإن قوات الحشد لا تعتقل أي شخص إلا بوجود مذكرات رسمية تصدر عن القضاء، بالتالي فإن هذه القوة ليست خارجة عن القانون".
وأضاف أن "المقصود بالجماعات المنحرفة، هي الجماعات التي تغالي في طرق التعبير السلوكي في التعامل مع الفعاليات الدينية أو المراسم أو الشعائر التي تخص طائفة معينة، بالتالي فإن تحييد هذه الجماعات يضمن الاستقرار الاجتماعي".
استغلال "الحشد" لملاحقة المعارضين
في المقابل، رأى الباحث في الشأن العراقي علي البيدر، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "وفاة المعتقلين بعد الإفراج عنهم بيوم أو يومين يستدعي فتح التحقيق بالحادثة، لكن هناك إرادات لا تريد أن تفضح بعض الدوائر التابعة للحشد".
وأشار إلى أن "قوات الحشد جرى استغلالها كثيراً لملاحقة الناشطين والمعارضين والمتظاهرين. وقد تورطت فصائل عدة بقتل وتعذيب صحافيين ومدونين، وتحديداً خلال فترة اشتداد تظاهرات عام 2019"، مضيفاً أن "الإبقاء على هذا الوضع وعدم محاسبة المقصرين، سيؤدي إلى ضرر كبير في المشهد الاجتماعي والحاضنة الشعبية لهذه القوة".
يُذكر أن "هيئة الحشد الشعبي" تضم أكثر من 70 مليشيا مسلحة، بمجموع مسلحين يبلغ وفقاً لأرقام رسمية في موازنة العراق المالية لعام 2021، نحو 115 ألف عنصر، وبمعدل بين 3 إلى 15 ألف عنصر لكل مليشيا. وأغلب هذه المليشيات يصنف على أنه حليف لطهران، مثل "كتائب حزب الله"، و"عصائب أهل الحق"، و"الإمام علي"، و"سرايا عاشوراء"، و"بدر"، و"كتائب سيد الشهداء"، و"الخراساني"، و"جيش المؤمل"، و"المختار الثقفي"، وغيرها.
في المقابل، اختارت الفصائل الأخرى المرتبطة بالنجف أبرزها "فرقة الإمام علي"، و"لواء علي الأكبر"، و"فرقة العبّاس القتالية"، و"لواء أنصار المرجعيّة"، النأي بنفسها عن الهيئة، بعد خلافات احتدت خلال العامين الماضيين، والتحق بهم زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بسحب جناحه المسلح "سرايا السلام"، من مظلة الهيئة وقراراتها.