مزارعو العراق يعانون من جفاف المياه والتمويل
العربي الجديد:تهدد أزمة الجفاف وشح المساعدات المالية الحكومية، المزارعين العراقيين بخسارة المزيد من أراضيهم المنتجة بسبب التصحر وارتفاع ملوحة التربة، ما ينذر بأزمة غذائية خلال الفترة المقبلة.
وبات العراق بسبب الارتفاع المستمر في درجات الحرارة وتزايد نقص المياه من عام لآخر بين أكثر خمس دول في العالم عرضة لتأثيرات التغير المناخي، وفقاً للأمم المتحدة.
وتواجه "بلاد الرافدين" انخفاضاً كبيراً في مستوى مياه نهري دجلة والفرات، وهو ما تعزوه السلطات العراقية إلى سدود تبنيها إيران وتركيا فضلا عن شح الأمطار.
وفي منتصف يوليو/ تموز الماضي، حذرت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو)، من أن الواقع الزراعي في العراق يدعو لقلق كبير، مشيرة إلى أن البلد أحد أكثر المناطق تضرراً من تغير المناخ ونقص المياه وأنه يحتاج إلى مساعدات غذائية خارجية.
جفاف التمويل الحكومي
وبالتزامن مع الصعوبات الكبيرة الي يواجهها القطاع الزراعي بسبب شح المياه، تبرز قضية جفاف التمويل الحكومي أيضا ما يزيد الوضع سوءاً.
فرغم أن الإيرادات النفطية قفزت في الأشهر الأخيرة، لتصل إلى قرابة 11 مليار دولار في بعض الأشهر، إلا أن البلد ما زال مشلولا بفعل تعذر إقرار الموازنة المالية للعام الحالي، وعدم التمكن من إطلاق أي مبالغ للمشاريع الاستثمارية أو التنموية.
ويقضي الدستور العراقي بأن حكومة تصريف الأعمال كما هو الحال في حكومة مصطفى الكاظمي، لا يحق لها إقرار الموازنات أو صرف الأموال إلا ما يتعلق بالمرتبات الشهرية للموظفين والموازنات التشغيلية للمشاريع الخدمية كالماء والكهرباء.
ولتسيير الأعمال أقر البرلمان في مطلع يونيو/ حزيران الماضي قانون "الأمن الغذائي الطارئ" ليكون بديلاً عن الموازنة المالية للعام 2022 التي تعطل إقرارها بسبب الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد.
وتقول وزارة الزراعة إنها عملت على توفير مبالغ لدعم مستلزمات الإنتاج الزراعي وتطويره من خلال هذا القانون، بينما يشدد فاعلون في القطاع الزراعي وخبراء اقتصاد على أن المزارعين يعانون من عدم صرف أي مبالغ فضلا عن الأضرار البيئية الكبيرة.
ويؤكد رئيس اتحاد الجمعيات الفلاحية حسن التميمي، لـ"العربي الجديد"، أن القطاعات الزراعية تعيش أخطر مراحلها، لما تشهده من نقص كبير في كل الوسائل.
مخصصات القطاعات الزراعية
وينتقد التميمي، إجراءات وزارة الزراعة تجاه تطبيق صرف مخصصات القطاعات الزراعية من قانون "الأمن الغذائي الطارئ"، حيث من المقرر أن تُصرف 300 مليار دينار على الأسمدة و400 مليار دينار لتغطية نفقات واستصلاح باقي القطاعات الزراعية، إلا أنها لم تُصرف لغاية الآن.
ويقول إن تأخير صرف التخصيصات المالية فاقم أزمة الزراعة، وبات الأمر ينذر بخطر كبير سيؤدي إلى نتائج كارثية، لأن القطاعات الزراعية بحاجة إلى موازنات خاصة ووضع خطط واقعية وتطوير لمشاريع الري الحديثة.
بدوره، يرى رئيس اتحاد الجمعيات التعاونية في بغداد جعفر الموسوي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن أموال قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي الذي جرى التصويت عليه في مجلس النواب لم يساهم أبداً في دعم القطاعات الزراعية، ولم تصل أي مبالغ مالية لدعم الفلاحين من هذا القانون.
وينتقد الموسوي "غياب دور الحكومة في التفاوض مع الدول المتشاطئة مع العراق لغرض فتح المياه التي قطعتها إيران بشكل كامل، فضلا عن عدم تجهيز تركيا بالحصة المتفق عليها مع العراق".
ويشير إلى عدم توفر مستلزمات الإنتاج من الأسمدة الكيماوية والبذور واللقاحات، ما ينذر بانهيار الزراعة العراقية، مضيفا أن الزراعة في البلدان الأخرى تعتبر عاملا أساسيا يساعد في تعزيز قوة الاقتصاد الوطني، لكن في العراق هذا الأمر غير ممكن لأن الفلاح لا يمتلك المال للزراعة وتحقيق الاكتفاء الذاتي الوطني.
لكن وكيل وزارة الزراعة مهدي الجبوري قال في تصريحات صحافية أخيراً، إن المبالغ المالية التي توفرت من قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي استخدمت لدعم الأسمدة والبذور والمبيدات واللقاحات والأدوية البيطرية، بالإضافة إلى تمويل عدة مشاريع لمكافحة التصحر.
وأشار الجبوري إلى أن القانون دعم المزارعين من خلال توفير مبالغ لشراء أسمدة (اليوريا والداب) والتي ستوزع خلال حملة الاستزراع الشتوي بدءاً من شهر أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
قانون الأمن الغذائي الطارئ
وتضمن قانون "الأمن الغذائي الطارئ"، تخصيص 25 ترليون دينار (حوالي 17 مليار دولار) لتأمين احتياجات البلاد الرئيسية من الطاقة (الكهرباء والغاز) والقمح والمواد الأساسية الأخرى، فضلا عن تأمين مفردات الحصة التموينية الشهرية للمواطنين، ودعم شبكة الرعاية الاجتماعية الخاصة ببرنامج التخفيف من الفقر.
لكن زهرة هادي، أستاذة الاقتصاد الزراعي في جامعة بغداد، تقول إن قطاع الزراعة تعرض للإهمال في جوانب كثيرة، منها شح الموارد المائية، وفتح باب استيراد المنتجات الزراعية دون قيود.
وأضافت زهرة في حديث لـ"العربي الجديد"، أن هذا الإهمال يهدد بالقضاء على النشاط الزراعي وهجرة الأيدي العاملة إلى المدن وازدياد البطالة وما يتبعهُ من مشاكل اجتماعية.