إيران وتصدير الأزمات الداخلية للخارج... الأكراد نموذجا
هدى رؤوف
إيران وتصدير الأزمات الداخلية للخارج... الأكراد نموذجا
إيران دولة متعددة الأعراق منذ زمن الإمبراطورية، يشكل الفرس فيها أقل من نصف السكان وينحدر حوالى ربع الإيرانيين من أصول تركية والبقية من أصول عربية، يبلغ الأكراد نحو 10 فى المئة من السكان. وليس خافياً كون الأقليات العرقية في إيران تعاني التهميش، ليس الاقتصادي فقط بل الثقافي والاجتماعي. وعلى رغم اعتياد النظام الإيراني تصدير أزماته الداخلية إلى الخارج وربطها بالقوى الغربية أو إسرائيل، لكنه الآن وصل حد تصدير أزماته الداخلية إلى الخارج من خلال مهاجمة المناطق الكردية وقصفها، سواء التي في إيران أو في إقليم كردستان العراق، على نحو أدى إلى مزيد من تعميق أزمة الأقليات الإيرانية.
وعلى رغم أن النظام الإيراني مستمر منذ عقود في مهاجمة مناطق كردية في العراق، إلا أن الضربات الأخيرة على كردستان العراق تزامنت مع الاحتجاجات التي تشهدها إيران في الداخل والمستمرة منذ نحو ثلاثة أشهر. وأسفرت هجمات كردستان العراق عن ضحايا ووفيات في صفوف المدنيين وأكد المسؤولون العراقيون أن القصف الإيراني تم في أماكن مأهولة بالسكان ولا يمارس فيها نشاط عسكري للأحزاب الكردية.
عملت إيران على تصدير الأزمة الداخلية التي لم تنجح في إخمادها حتى الآن لتشتيت الانتباه عما يحدث في الداخل، لا سيما أن الانتقادات الدولية تتصاعد تجاه تعامل النظام مع المتظاهرين وما زالت هذه الاحتجاجات تشهد زخماً وتضامناً عالميين.
أي إن إيران واصلت مهاجمة المناطق الكردية في العراق مع اشتداد الاحتجاجات في المناطق الكردية الإيرانية. وتشتعل الاحتجاجات في المناطق الكردية التي هي منشأ الشابة مهسا أميني التي قتلت على يد قوات شرطة الأخلاق في طهران.
وشن الحرس الثوري مزيداً من الهجمات على إقليم كردستان العراق وقال بيان صادر عنه إن وحدة من القوات البرية التابعة للحرس الثوري الإيراني أطلقت صواريخ وطائرات مسيّرة على شمال العراق وذكر البيان أن الهجوم استهدف "مقار ومراكز تآمر وتأسيس وتدريب وتنظيم جماعات انفصالية مناهضة لإيران". وتحاول طهران دائماً الربط بوجود علاقة وثيقة بين حكومة إقليم كردستان وإسرائيل التي تتهمها إيران بأن لها قواعد في المنطقة. في الوقت ذاته، تصاعدت الاحتجاجات والقمع في مدينة مهاباد الكردية في شمال غربي البلاد. كما نشر الحرس الثوري مروحيات وصفوفاً من المركبات العسكرية والمدافع الرشاشة في مدينة جافانرود الكردية كجزء من حملته على الاحتجاجات المستمرة منذ منتصف سبتمبر (أيلول).
التعامل الأمني وصل مداه بحسب مواقع التواصل الاجتماعي، بقيام قوات الحرس الثوري بإطلاق النار على المعزين الذين تجمعوا لحضور جنازة اثنين من المحتجين.
تصدير الأزمة الداخلية إلى الخارج وصل إلى حد أن المتحدث باسم القضاء قال إن من بين المعتقلين 40 أجنبياً، مؤكداً أنهم سيحاكمون وفقاً لقوانين النظام الإيراني. وتحاول طهران ربط الاضطرابات المستمرة بمؤامرة من قبل أعدائها، بحسب قناعة صناع القرار الإيرانيين.
وعلى رغم الإدانات الدولية لهجمات إيران على المناطق الكردية في العراق، إلا انها لن تتوقف عند هذا الحد، فقد أكد وزير الخارجية الإيراني أمير حسين عبداللهيان أن بلاده ستواصل اتخاذ إجراءات للدفاع عن الأمن القومي، في إشارة إلى الهجمات على كردستان العراق. وزعم عبداللهيان أن لدى بلاده وثائق تثبت "وجود مؤامرة لإشراك إيران في حرب داخلية باستخدام الإرهابيين بهدف تفكيك إيران". تصريحات عبداللهيان تعكس غياب أي إدراك حقيقي للأزمة الداخلية التي تعيشها إيران والتي أضحت لها جوانب متعددة الأبعاد حقوقية واقتصادية واجتماعية وسياسية.
ومن ثم فإن هذا التغافل يدفع إيران إلى صرف الانتباه عن الاحتجاجات في الداخل، لذلك لجأت إلى القصف العشوائي على المناطق المأهولة بالسكان المدنيين في إقليم كردستان العراق، منتهكة السيادة العراقية.
ويعد استخدام العراق كساحة لتصفية الحسابات وعدم احترام وحدة أراضيه، إحدى الآليات التي اعتادتها طهران في سلوكها الإقليمي.
تحاول إيران ليس فقط تصدير الأزمة إلى الخارج لكنها تلقي باللوم على الأكراد، معتبرة أن جماعات المعارضة الكردية هي من أججت الاحتجاجات الأخيرة التي اجتاحت أكثر من 100 مدينة إيرانية، ليس هذا فقط، بل أعلنت إيران أخيراً أنها بصدد تخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء 60 في المئة، في محاولة لصرف الانتباه عما يحدث بالداخل وتوجيه الانتقادات الدولية نحو الملف النووي مرة أخرى وإعادة التركيز عليه. وفي ظل هذا كله، يغيب عن النظام الإيراني أن تعميق أزمة الأقليات في الداخل، لا سيما خلال الاحتجاجات، هو ما سيدفع نحو تفكيك الداخل الإيراني وليس المؤامرة على إيران التي تسكن عقل صناع القرار الإيرانيين.