لماذا تساند إيران روسيا رغم العقوبات الغربية والشكوك التاريخية
هدى رؤوف
لماذا تساند إيران روسيا رغم العقوبات الغربية والشكوك التاريخية
فرضت الدول الأوروبية والولايات المتحدة عقوبات على إيران أخيراً لتقديمها طائرات مسيّرة إلى روسيا خلال حربها مع أوكرانيا. كما أعلنت تلك الدول تراجع أولوية إحياء الاتفاق النووي مع طهران خلال تلك الفترة ومع ذلك ما زالت إيران تقوي شراكتها مع روسيا. وعلى رغم إثارة بعض الشكوك في الداخل الإيراني من التقارب مع موسكو، تستمر طهران في هذا التقارب. فما هي الدوافع وراء الدعم الإيراني لروسيا خلال الفترة الأخيرة على رغم العقوبات الغربية وعلى رغم التشكك في النوايا الروسية تجاه إيران؟
معروف أن جزءاً من محددات السياسة الخارجية الإيرانية تمت صياغته بفعل التاريخ والظروف الداخلية، وعلى رغم أن العداء الواضح في الخطاب السياسي الإيراني ترجعه طهران إلى استغلال الموارد الذي ارتبط بالعلاقات مع بريطانيا وروسيا عبر سلسلة امتيازات وصلاحيات حصلت الدولتان عليها، كان شعار "لا شرقية ولا غربية" الذي أعلنه مؤسس النظام الإيراني الحالي الخميني ناتجاً من عدم الارتباط بأي من المعسكرين الشرقي والغربي. وعلى رغم أن تاريخ العلاقات بين إيران وروسيا القيصرية يشوبه غياب الثقة الذي يرجع إلى القرن الـ16 والقرن الـ17 والقرن الـ18 وحتى العلاقة مع الاتحاد السوفياتي، إلا أن طهران أدارت علاقتها بموسكو بشكل مختلف عن الغرب. ولا ننسى التسريب الذي خرج عن وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف الذي تحدث فيه عن عرقلة روسيا توصل طهران إلى إتمام الاتفاق النووي عام 2015، فضلاً عن عرقلة موسكو مفاوضات إحياء ذلك الاتفاق حينما فرضت عليها إدارة جو بادين عقوبات غربية. حتى إنه في عام 2016، أعلنت موسكو عن ترتيب سمحت بموجبه طهران سراً للقاذفات الروسية باستخدام قاعدة جوية إيرانية لضرب أهداف في سوريا، وأثار هذا الكشف غضب الرأي العام في إيران.
سبق أن وصفنا العلاقة بين روسيا وإيران بأنها علاقة "أعدقاء"، إلا أنه مع الحرب الروسية - الأوكرانية تلقت تلك العلاقة دفعة قوية يمكن معها القول إن هناك توجهاً نحو شراكة دفاعية واقتصادية كاملة. فقد عملت طهران على تزويد موسكو بالطائرات المسيّرة في الحرب الأوكرانية وكان هناك عدد من المستشارين الإيرانيين في شبه جزيرة القرم، كما هناك تقارير تتحدث عن نية روسيا استلام صواريخ باليستية مع تضاؤل ترسانتها من الأسلحة، وفي المقابل ستحصل إيران على صواريخ "سوخوي 35" الروسية. حتى إن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قال في بيان "أصبحت إيران الآن أكبر داعم عسكري لروسيا".
كذلك يمتد التعاون إلى المجال البحري من خلال شراء السفن الحربية الروسية والمساعدة في تصميم السفن المصنوعة خصيصاً لتلبية الحاجات الإيرانية. ولم تقتصر الشراكة بين الدولتين على الجانب العسكري فقط، بل امتدت إلى التعاون الاقتصادي، فمحاولات تعزيز التجارة الثنائية بينهما. وفي الأشهر الماضية زار وفد كبير من رجال أعمال روس الغرفة التجارية الإيرانية. وتحاول كل منهما أن تكون سوقاً للأخرى، فضلاً عن محاولة إيجاد نظام مصرفي بديل للنظام الغربي. ربما يبدو أنه تقارب للمعزولين والمعاقبين دولياً، لكن لماذا تحاول إيران المخاطرة بعلاقتها مع روسيا التي تشوبها الشكوك؟
أسباب عدة تحاول إيران توظيفها لتحقيق أقصى فائدة، فمن جهة يعد تزويد روسيا، إحدى أهم القوى العسكرية عالمياً، بالمسيّرات الإيرانية دعاية وترويجاً للصناعات العسكرية الإيرانية، كما أنه فرصة لتختبر طهران المسيّرات المصنعة محلياً في الميدان العسكري مباشرة. من جهة أخرى، تحاول إيران البحث عن مكانة وموضع معزز في النظام الدولي الناشئ بناء على توثيق روابطها مع روسيا والصين وأن تبدو مع من يقف ضد الغرب والولايات المتحدة وإسرائيل.
على مستوى الشرق الأوسط تحاول طهران الحصول على مقابل من موسكو في الميدان السوري، كما تسعى إلى أن تشكل ورقة ضغط على الغرب إذا عادت مفاوضات إحياء الاتفاق النووي، فتنتزع من الغرب تنازلات في مقابل التباعد مع موسكو.
إجمالاً يتضح من التقارب الإيراني- الروسي على مختلف الأصعدة، وبالنظر إلى انتقاد محمد جواد ظريف سابقاً لموقف روسيا من الاتفاق النووي الإيراني وانتقادات أخرى داخلية أن من يقود التقارب الحاصل حالياً هو مؤسسة الحرس الثوري التي تستفيد من التعاون العسكري مع موسكو. تتشابك حسابات الكلفة العائدة للجانبين، فالدعم الإيراني لروسيا ومحاولة التقارب، تواجههما انتقادات داخلية تتمحور حول عدم الثقة بالنوايا الإيرانية، وما هو مدى التقارب الذي تنوي روسيا تحقيقه، ومع ذلك تعول إيران على محاولة الاستفادة من كل التناقضات، سواء العقوبات التي تفرض عليها أو تراجع اهتمام الغرب بإحياء الاتفاق النووي، أو حتى المخاطرة بتحويل الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن وإعادة فرض العقوبات الأممية عليها، نظراً إلى خرقها البند الخاص بحظر توريد ونقل الأسلحة وفقاً لقرار الأمم المتحدة رقم 2231 لعام 2015.