معاوية أم الهروب من التأريخ
نزار جاف
معاوية أم الهروب من التأريخ
بداية وقبل کل شئ، لست من المأخوذين بمعاوية أبن أبي سفيان ولا بالعهد الاموي، بل وحتى إنني قد کتبت الکثير ضدهما وبشکل خاص ضد معاوية، ولکن، طرأ ويطرأ سٶال يجعلني في مواجهة مع الحقيقة والمنطق، السٶال هو؛ هل بالامکان من خلال مواقف الرفض والکراهية محو الفترة التأريخية التي برز فيها معاوية وتجاهلها أو حتى رفضها؟!
"معظم التاريخ ظن و بقيته من إملاء الهوى"، قول للفيلسوف "ويل ديورانت" أثبت الايام بأنه کلام منطقي ويمکن سحبه تحديدا وبشکل خاص وبکل ثقة على الفترة التأريخية التي تمخضت عن بروز الصراع السني ـ الشيعي، خصوصا وإن کلاهما قد حشدا کل مابإستطاعتهما من أجل أن يدحضا بعضهما البعض، ولول قمت بإيراد الامثلة الکثيرة المتباينة على ذلك ولاسيما ماقد جاء في کتاب"أصول الکافي" للکليني أو في"صحيح البخاري"، على سبيل المثال لا الحصر، فإننا نجد الکثير من الامثلة التي تبعث على السخرية من الجانبين بصدد إثبات أحقيتهما وتکذيب ورفض وإقصاء الآخر.
ماکتب وذکر عن عهد معاوية بن أبي سفيان من الطرفين المتخاصمين السنة والشيعة بخصوص معاوية، فيه الکثير من التناقض والتضارب، لکن کل ماقد کتب عنه وکما أسلفت ليس بإمکانه أن يلغي أو يمحو الفترة التي کان فيها معاوية أبن أبي سفيان، خليفة للمسلمين وماقد قام به سلبا وإيجابا، إذ أن معاوية شئنا أم أبينا، حقيقة وأمر واقع کان قائما وصار جزءا من التأريخ العربي الاسلامي.
هل بإمکان أحدهم أن يتناول الفترة التأريخية لتولي معاوية الخلافة في بداية قيام الدولة الاموية؟ هل بالامکان طرح شخصية معاوية من منظور وزاوية لم يسبق طرحها وتناولها؟ هذا في الوقت الذي قام فيه متتبعوا أديان أخرى من طرح المواضيع والشخصيات التأريخية المتضادة وتناولها في نشاطات أدبية ودرامية وسينمائية، فإن التصدي من أجل طرح شخصية معاوية في عمل درامي يبدو وکأنه صار بعبعا أو حتى أمرا غير عاديا يثير الخوف والجزع لدى الاخرين؟
هذا الموضوع أو بالاحرى هذه المقالة، قد قمت بکتابتها على خلفية الجدل الذي أثاره عزم مجموعة MBC، على إنتاج مسلسل يتم عرضه في شهر رمضان المبارك بخصوص مٶسس الدولة الاموية، معاوية بن أبي سفيان، وردود الفعل غير العادية ضدها والتي وصلت"ضمنيا" الى حد التهديد بإنتاج فيلم سينمائي يمجد بشخص"أبو لٶلٶة الفيروز" قاتل الخليفة الثاني عمر أبن الخطاب، ولاأريد أن أکون مجاملا ومرائيا على حساب الحقيقة، ولذلك فقد أصابتني الدهشة لردود الفعل هذه ولاسيما وإنها غير طبيعية بالمرة ذلك إنه وبحکم إطلاعي على المذهب الشيعي ومعرفتي بأنه مذهب يتسم بقوة الحجة وبالمرونة والحيوية في محاورة الخصوم والاضداد، فإن هکذا ردود فعل يغلب عليها التوتر والانفعال لاتتناسب أبدا مع قوة الحجة للمذهب وإمکانيته غير العادية في المحاورة مع الخصوم والاضداد.
معاوية أبن أبي سفيان، وبغض النظر عن کل شئ، هو جزء من التأريخ العربي الاسلامي والسعي لتجاهله أو التغطية عليه لأي سبب أو عذر کان، إنما هو بمثابة هروب من التأريخ ومن الحقيقة والواقع، وکنت أنتظر موقفا شيعيا مختلفا الى حد بعيد عن هذا الموقف الذي يميل أکثر الى کونه إرهابا فکريا وليس محاججة فکرية ومنطقية وقطعا فإن هذا الموقف لايمکن أبدا أن يعکس ويجسد الموقف الحقيقي والواقعي للشيعة.
وکلمة أخيرة أجد من المناسب البوح بها، وهي إنني لست أصب اللوم على الشيعة لوحدهم وأريد الإيحاء بأن السنة خارج دائرة اللوم، بل إن کلا الفريقين لهما حصتهما من اللوم، إذ أن کلاهما لايزالان محاصرين في قوقعة وإطار تقليدي لم يعد يناسب هذا العصر ولابد من أن يتقدم کلاهما أکثر من خطوة بإتجاه الآخر والدوس على ماإختلقوه من أسباب فرقة وإختلاف لاأجدها تمت ليس للإسلام بل وحتى للمذهبين السني والشيعي بصلة.
في ختام هذه المقالة أجد من المفيد جدا أن أذکر ماقد جاء في نظرية التحدي والاستجابة للفيلسوف والمؤرخ الإنجليزي "أرنولد توينبي" حيث قال: "أن تقدم الأمم لن يحدث سوى بتصفية تلك الأمم حساباتها مع تاريخها. بمعنى أن التضحيات واجبة للتخلص من إرث الهمجية، فإذا أراد المسلمون مثلا أن يتقدموا فواجب عليهم أن يتصالحوا مع العالم أولا، ولن يتصالحوا إلا بإنكار تاريخهم المسطور في كتب الفتوحات والغزوات والحروب الأهلية التي حدثت في صدر الإسلام. وكيف ينكرون ذلك في ظل مدافعين أقوياء جدا عن هذا الماضي الأليم؟"