حتى رسوم أطفال غزة البريئة ترعب اسرائيل واتباعها.. ومتى تعي بريطانيا حجم الجرائم التي ارتكبتها بحق فلسطين والفلسطينيين؟
د. سعد ناجي جواد*
حتى رسوم أطفال غزة البريئة ترعب اسرائيل واتباعها.. ومتى تعي بريطانيا حجم الجرائم التي ارتكبتها بحق فلسطين والفلسطينيين؟
في واحدة من اكبر مستشفيات لندن (Chelsea Westminster – جلسي ويستمنستر)، وعلى جدار مدخل قسم الطوارئ الخاص بالأطفال، عرضت المستشفى مجموعة من الصحون المزخرفة برسومات جميلة وألوان زاهية، كُتِبَ تحتها انها من عمل أطفال مدرستين من مدارس غزة، الاولى للبنات (مدرسة بيت لاهيا) والثانية للأولاد (مدرسة جباليا الإعدادية للبنين)، والمدرستين من مدارس (وكالة الامم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين – الأونروا). هذا العمل كان جزءا من ما اطلقت عليه المستشفى ( مهرجان الصحون – عابر الحدود). والعمل بالأساس من بنات افكار مدرسة مستشفى تشيلسي المجتمعية التي تتمتع بروابط طويلة ووثيقة مع غزة. وفي عام 2010 حصلت على منحة من المجلس الثقافي البريطاني لمشروع دولي للشراكة مع المدارس في غزة، تواصل الأطفال من خلاله معًا عبر الفيديو.
اثارت هذه الفكرة ومجموعة الاعمال المعروضة إعجاب اغلب من كان يزور المستشفى، حيث اعتبروها عملا فنيا فطريا يعبر عن تفاؤل طلاب غزة الصغار بالمستقبل، على الرغم من الظروف الاقتصادية والإنسانية السيئة، والحصار والقوة المفرطة التي تتعامل بها الإدارات والجيش الاسرائيلي معهم. ولكن وبدون سابق إنذار اُجبِرت ادارة المستشفى على رفع هذه الرسوم الجميلة بعد ان قامت منظمة بريطانية تطلق على نفسها (محامين من اجل اسرائيل) بتهديد الادارة ومطالبتها برفع تلك الاعمال الفنية، (التي لا تحتوي على اية مدلولات سياسية)، بدعوى انها سببت للكثير من المرضى والزائرين انزعاجا وقلقا نفسيا وجعلتهم يشعرون (بالضعف والإهانة والمضايقة)، حسب بيان منظمة المحامين. ولم تكتف ادارة المستشفى برفع الصور ولكنها قدمت اعتذارا للمنظمة قائلة بانها لم تدرك حساسية هذا الموضوع وشكرتها على تنبيهها على ذلك. وسبب اصرار المنظمة على رفع المعرض هو، وهذه هي النكتة المضحكة المبكية، (ان الأطفال الذين رسموا هذه الصور يدرسون مناهج تتضمن تعاليم وافكار وأيديولوجية حركة حماس)، تصورا مدارس الأونروا تدرس ايديولوجية حماس! بالاضافة على الاعتراض ان بعض.
الصور احتوت علم واسم فلسطين.
من ينظر الى الزخرفات المرسومة على الصحون الجميلة لا يجد فيها غير افكار تنم عن حب الحياة والدعوة للسلام وأغصان الزيتون والتراث الشعبي الفلسطيني وكلها رسمت بالوان زاهية مبهجة، وكلها تشير الى حب الأطفال لوطنهم فلسطين وتراثه. كل هذه الإشارات، وبالذات جملة واحدة كتبها احد الأطفال على احدى الصور، التي تقول (ان غصن الزيتون هو رمز السلام ويستخدم للتعبير عن الرغبة في دولة فلسطينية مستقلة)، هي التي اثارت مشاعر تلك المجموعة . وخشية ان تتعرض المستشفى لمضايقات قانونية من قبل مجموعة المحامين المناصرين لاسرائيل هي في غنى عنها، قامت ادارة المستشفى برفع الصحون. هذا التصرف الذي رحبت به منظمة (المحامين) اثار غضب العديد من الذين يترددون على المستشفى، والذين لم يجدوا غير فيسبوك وتويتر للتعبير عن امتعاضهم. احد المعجبين بفكرة المعرض والصور غرد متسائلا كيف ولماذا يشعر اي شخص (بالضعف والإهانة وعدم الراحة النفسية) لرؤية صور رسمها أطفال ابرياء. في حين قال اخر ان من يشعر بالضعف والإهانة والمضايقة من صور يرسمها أطفال صغار مليئة بالزهور والنقوش الجميلة والألوان الزاهية عليه ان يفكر كيف يشعر الأطفال الفلسطينيين الذين توجه لهم بنادق وأسلحة الجيش الاسرائيلي في كل يوم. (ناهيك عن أولئك الذين يتم التعامل معهم بصورة وحشية)، وتساءل ممتعض من رفع الصحون: ما الذي يجعل اي شخص عاقل او طبيعي يشعر بالضعف عند مشاهدة معرضا لصحون مزخرفة بطريقة جميلة؟
معلق ثالث أبدى تعجبه لرضوخ المستشفى الى ابتزاز وتهديدات منظمة محامون من اجل اسرائيل، واعتبر ان القضية من اولها الى اخرها إنما هي دليل على وجود نفوس مريضة لا تستطيع ان تتعامل بإنسانية مع مشاعر أطفال يعيشون تحت حصار وفي معاناة كثيرة، ومع ذلك ترجموا مشاعرهم بصور تبعث على الأمل ولم تحتو اي منها على اي إشارة للعنف.
السؤال والقضية الأهم من ازالة معرض فني لأطفال وجرح مشاعرهم وتفسير تصرفاتهم البريئة تفسيرات تنم عن نفوس معقدة حاقدة، هو الى متى يبقى القضاء البريطاني والحكومات البريطانية المتعاقبة واجهزة الاعلام ساكتة على التجاوزات التي تحصل بحق الفلسطينيين، والتي لا يمكن ان تنم الا عن عدم احترام مشاعر وحقوق شعب كامل تعرض لظلم كبير؟ ومتى يأتي الوقت الذي ستشعر به الحكومات البريطانية بالذنب من جراء ما فعلته في فلسطين والشعب الفلسطيني، ابتداءا من وعد بلفور المشئوم، ثم تسليم فلسطين للعصابات الصهيونية، والانسحاب منها بعد ان تعهدت امام عصبة الامم على الحفاظ على دولة فلسطين التي وضعت تحت انتدابها، (بالمناسبة فان بريطانيا لم تنسحب من اية دولة عربية وضعت تحت انتدابها او بالاحرى احتلتها، وبقيت فيها متحدية كل رغبات الشعب العربي في تلك الدول، ولكنها سارعت الى الإنسحاب من فلسطين بعدما قسمتها وسلمتها للعصابات الصهيونية، وما تبقى منها الى حكومات عربية موالية لها)، كما ان بريطانيا لم تحترم قرارات الامم المتحدة بشأن حق العودة للفلسطينيين وكل القرارات الدولية الرافضة لتوسعات العصابات الصهيونية وجرائم ذبح سكان قرى فلسطينية بالكامل، وغير ذلك من الانتهاكات المستمرة لحد هذا اليوم. أقول متى ستشعر بريطانيا والغرب معها بانه آن الأوان ليراجعوا ما فعلوه بحق فلسطين وشعبها ويكفروا عن خطاياهم؟ وربما السؤال الادق هو هل ستشعر الغرب وبريطانيا بذلك يوما ما؟ لا يوجد في الأفق ما يدلل على ان ذلك سيحصل طالما ظل اللوبي الصهيوني فعالا. طبعا هذا اللوبي لا يركز على الفلسطينيين فقط، وإنما على كل الشعب العربي في كل مكان. ويكفي ان يتذكر المرء ما فعلته بريطانيا بالعراق في 2003 بالتعاون مع الولايات المتحدة، او ان يقارن بين ما قدمته بريطانيا لضحايا الزلزال في سوريا وما تقدمه يوميا لأوكرانيا كي تستمر الحرب المدمرة هناك.
الملاحظة الاخرى او السؤال لكل من يدعم اسرائيل في كل ما تفعل بحق الفلسطينيين هي: هل لازلتم تسالون بتعجب لماذا يتجه أطفال ومراهقي وشباب فلسطين الى العنف؟
خلاصة القول ان الحقيقة تبقى تقول ان ما جرى ليس له علاقة بالادعاء ان الاعمال الفنية البريئة التي نفذها أطفال صغار أشعرت اسرائيل ومن يناصرها بعدم الراحة، وإنما اصرار الشعب الفلسطيني وخاصة الأطفال منهم على التمسك بوطنهم وهويتهم وعروبتهم هو الذي يسبب عدم الراحة والقلق لهم. قادة الحركة الصهيونية الذين أقاموا اسرائيل على ارض فلسطين بدعم بريطاني بالأساس، كانوا يعتقدون ان فكرة واسم فلسطين سينتهي وسيغيب عن الذاكرة بعد ان يغيب الجيل الذي شهد مأساة 1948، ولكنهم يفاجئون يوميا ان كل ابناء فلسطين ومن كل الاجيال، وخاصة الأطفال منهم مازالوا متمسكين بوطنهم، وربما اكثر من آبائهم واجدادهم، ويقدمون الدليل تلو الاخر على انهم لن يتنازلوا عن حقوقهم مهما طال الزمن.
*كاتب واكاديمي عراقي