أخبار وتقارير يوم ١٤ آذار
أخبار وتقارير يوم ١٤ آذار
١-الجزيرة………تقرير…بعد 20 عاما على اجتثاثهم.. تباين في العراق بشأن منح حقوق تقاعدية لفدائيي صدام.
بغداد- تباينت آراء العراقيين إزاء قرار المحكمة الاتحادية القاضي بمنح منتسبي جهاز فدائيي صدام السابق حقوقا تقاعدية بعد مرور نحو 20 عاما على اجتثاثهم في أعقاب سقوط النظام السابق إثر الغزو الأميركي للعراق عام 2003.
ويعد قرار المحكمة الاتحادية ملزما لجميع الهيئات والمؤسسات الحكومية وواجب التنفيذ رغم الرفض الذي يلاقيه القرار من عدد من المؤسسات والمسؤولين في البلاد.وفي معرض توضيحها تفاصيل القرار بينت المحكمة الاتحادية أن المشمولين بالقرار هم من تم نقلهم قسرا -سواء كانوا من المدنيين أو العسكريين- إلى ذلك الجهاز، وأنهم يستحقون رواتبهم التقاعدية عن خدمتهم خارج جهاز فدائيي صدام، ولا تحتسب خدمتهم ضمن الجهاز المذكور خدمة تقاعدية.وجهاز فدائيي صدام هو قوة عسكرية بمهام خاصة تابعة لحزب البعث والرئيس العراقي الأسبق صدام حسين، وقد أُسس الجهاز عام 1994 ولم يكن جزءا من الجيش العراقي، بل يرتبط برئاسة الجمهورية مباشرة، ويتلقى قادته الأوامر من صدام حسين بواسطة ابنه عدي المشرف على هذه القوات، ولم تكن بحوزتهم أسلحة ثقيلة، وقد تطوع فيه كثير من العراقيين والعرب.
قرار منصف
بدوره، وصف النائب عن محافظة ديالى محمد قتيبة البياتي -في تصريح للجزيرة نت- قرار المحكمة بالمنصف، خاصة أن من شملهم القرار لم تسجل ضدهم شكاوى أو أحكام قضائية، فمن حقهم كمواطنين أن يحصلوا على حقوقهم التقاعدية، وعلى الجهات الحكومية والإدارية المضي بتنفيذ القرار.في المقابل، دعا النائب في الإطار التنسيقي عن حركة "عصائب أهل الحق" حسن سالم جميع الضحايا الذين تضرروا جراء سياسات حزب البعث إلى رفع الدعاوى القانونية "ضد البعثيين وأنصار النظام السابق ومنتسبي الأجهزة القمعية -بمن فيهم فدائيو صدام- إلى جهاز الادعاء العام ودائرة المدعي العام في الهيئة الوطنية للمساءلة والعدالة لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم، وتمكين الضحايا من المطالبة باستيفاء التعويض عن الأضرار التي لحقت بهم جراء تلك الجرائم".وقال سالم -في مؤتمر صحفي عقده بمبنى البرلمان في أعقاب القرار- "لسنا ضد قيام مصالحة وطنية حقيقية، لكن يجب أن تكون مع من يؤمن بالسلام والقيم الديمقراطية للعراق الجديد". كما طالب بتفعيل المادة (11) من قانون هيئة المساءلة والعدالة رقم (10) لسنة 2008، والتي تنص على أن "يحاكم حزب البعث المنحل كحزب ونظام لارتكابه الجرائم ضد الشعب العراقي".
سجلات الجرائم
من جانبها، أكدت هيئة المساءلة والعدالة (هيئة اجتثاث البعث سابقا) أن القرار شمل من ليس في سجلاتهم جرائم، وأن الخدمة التقاعدية تحتسب لهم عن المدد التي قضوها خارج جهاز فدائيي صدام، وذلك بعد مراجعتهم الهيئة وتقديم الأدلة.وقال صلاح الجبوري نائب رئيس الهيئة -في تصرح للجزيرة نت- إن الهيئة لا تستطيع في الوقت الحاضر تحديد أعداد المشمولين بقرار المحكمة الاتحادية، ولكن يمكن لهيئة التقاعد أن تحدد ذلك تباعا.وعن طبيعة الحقوق، قال السياسي المستقل المقيم في لندن صادق الموسوي -الذي أيد قرار المحكمة- إن أغلب الذين انتموا إلى جهاز فدائيي صدام كانوا مجبرين على الانضمام إلى ذلك الجهاز ولديهم خدمة طويلة في مؤسسات الدولة كموظفين حكوميين.وأوضح الموسوي -في تصريح للجزيرة نت- أن رفع الحظر عنهم سيساعدهم في إعانة عوائلهم من خلال منحهم حقوقا تقاعدية أسوة بأقرانهم، ولا يمكن حرمانهم أكثر بسبب سوء تصرفات القليل منهم.
مزيد من التعاطف
بدوره، يرى المحلل السياسي عباس الجبوري أن القرار صدر عن المحكمة الاتحادية، وهي محكمة مستقلة بعيدة عن التقاطعات والتجاذبات السياسية، وقراراتها ملزمة، خاصة أن من شملهم القرار أصحاب عائلات تضرروا كثيرا بسبب قطع رواتبهم لنحو عقدين من الزمن.
وأشار إلى أن المحكمة قد استثنت من ثبتت عليهم جرائم ومن قدمت ضدهم شكاوى، ولا يمكن أخذ الجميع بجريرة واحدة، وبالتالي فإن من شملتهم الحقوق هم عراقيون وكانوا يعملون في مؤسسات حكومية بغض النظر عن موقفنا من النظام السابق، حسب قوله.
وأضاف الجبوري -في تصريح للجزيرة نت- أن من ارتكبوا جرائم منهم سيحالون بلا شك إلى المحاكم لينالوا عقابهم العادل، ولكن لا يمكن معاقبة العوائل، مشددا على أن قرار المحكمة جاء بعد أن توفرت لديها جميع الأدلة والقرائن والبراهين.وفي السياق ذاته، يرى المحلل السياسي يحيى الكبيسي أن القرار قانوني وليس سياسيا، خاصة أن من شملهم القرار كانوا يعملون قبل عام 2003 في دوائر أخرى غير مشمولة بـ"اجتثاث البعث"، وهم غير مسؤولين عن الأوامر الصادرة إليهم للعمل في جهاز فدائيي صدام، لذلك لا ينطبق عليهم قانون المساءلة والعدالة من الأصل.ولفت الكبيسي -في تصريح للجزيرة نت- إلى أن القرار لا يمنح جميع فدائيي صدام تلك الحقوق، وإنما شمل ضباطا ومراتب ومدنيين ممن تم نقلهم أو تنسيبهم للعمل مع الجهاز.
رفض بشدة
ومن بين أشد الرافضين للقرار -على الرغم من أنه ملزم لجميع السلطات في البلاد- زهرة البجاري عضوة الإطار التنسيقي النائبة عن محافظة البصرة، والتي شددت في بيان صادر عن مكتبها على أن "قرار إحالة مليشيا فدائيي صدام الدموية إلى التقاعد هو رقص على دماء الشهداء وآهات المظلومين ونفاق كبير ضد المجاهدين".وطالبت البجاري -حسب البيان- مؤسسة الشهداء (مؤسسة حكومية تعنى بشؤون الشهداء) والبرلمان والأحزاب بالتدخل العاجل ورفض القرار، معتبرة الأمر وصمة عار في حال تم.وتأكيدا لما ذكرته المحكمة الاتحادية عن توضيح القرار، بيّن الخبير القانوني علي التميمي أن قرار المحكمة شمل الذين لديهم خدمة خارج جهاز فدائيي صدام، ولم يشمل مدة العمل في الجهاز، وذلك طبقا لما أكدته المحكمة في قرارها 220 سنة 2022، بمعنى عدم شمول الذين نصت عليهم المادة السادسة من قانون المساءلة والعدالة رقم 10 لسنة 2008، وإنما احتسبت الفترة التي عمل فيها الشخص خارج الجهاز خلال وظيفته الحكومية.ويرى التميمي أن قرار المحكمة سليم وراعى الجوانب الإنسانية للمشمولين، وأن القرار ملزم لجميع السلطات وواجب التنفيذ طبقا للمادة 94 من الدستور.يذكر أن المحكمة الاتحادية العليا هي أعلى سلطة قضائية في العراق تختص بالفصل في النزاعات الدستورية، وقد أنشئت بموجب القانون رقم 30 لسنة 2005 وفق المادة 93 من الدستور، ومقرها بغداد وتتكون من رئيس و8 أعضاء، وقراراتها باتة وملزمة للسلطات كافة، وهي مستقلة بشكل كامل عن القضاء العادي، وليس لها أي ارتباط بالمحاكم الأخرى.
٢-تقرير إسرائيلي يرصد انتقادات للقاء غوتيريش مع الخزعلي والكلداني… شفق نيوز/
ذكرت صحيفة "جيروزاليم بوست" الاسرائيلية، أن الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريش يتعرض إلى انتقادات من عراقيين ومنظمات حقوقية امريكية، بسبب اجتماعه مؤخرا مع زعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي وزعيم كتائب بابل المسيحية ريان الكلداني، الذين وصفهما التقرير بأنهما من قادة "جماعات مسلحة مدعومة من إيران" وتفرض عليهما واشنطن عقوبات بتهمة "الإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان".وقال التقرير الإسرائيلي، الذي نشر باللغة الانجليزية، وترجمته وكالة شفق نيوز، ان معهد أبحاث الإعلام في الشرق الاوسط (ميمري) نشر على موقعه على الانترنت صورة لغوتيريش برفقة الخزعلي والكلداني، مضيفا ان المبعوث الامريكي الخاص السابق الى سوريا جويل ريبيرن غرد على "تويتر" قائلا ان "الامين العام للامم المتحدة يبتسم في لقائه في بغداد مع الارهابي المبتسم قيس الخزعلي، الذي قتل المئات من القوات الامريكية، وقتل الالاف من العراقيين، وقصف بشكل روتيني العناصر الأمريكيين في العراق وسوريا."وذكر التقرير أن وزارة الخزانة الامريكية كانت فرضت عقوبات على قيس الخزعلي باعتباره "ارهابيا عالميا" ولانه كان جزءا من لجنة وكلاء فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، والتي استخدمت العنف ضد المتظاهرين، بالإضافة إلى أن فيلق القدس مصنف ككيان إرهابي اما بالنسبة الى الكلداني، فقد اشار التقرير الى ان وزارة الخزانة تتهمه بارتكاب "انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان"، كما تتهمه بأنه العائق الاساسي امام عودة النازحين الى سهل نينوى، واستولى على منازل واراضى زراعية.وبحسب التقرير، فإن الخزعلي لم ينشر أي صور مع غوتيريش على حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن الكلداني فعل بذلك في 2 مارس/آذار، وكتب قائلا انه "بعد ست سنوات جاء الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريش إلى هنا واعلن دعمه للمؤسسات الديمقراطية في العراق. مرحبا، نحن نعتبر وصولك علامة تبعث على الامل. العراق مهد الحضارة ولا يمكن للبشرية أن تعيش بدون العراق". ولفت التقرير إلى أن "معهد ميمري" نقل ترجمات لمواقف عراقية منتقدة هذه اللقاءات حيث قال عضو المجلس الأعلى للميثاق الوطني العراقي مكي النزال أنه "بدلا من دعوة الامم المتحدة لحل الميليشيات، يقوم امينها العام بالتقاط صور ودية مع قادة الميليشيات، وكأنهم رفاقه".ونقل التقرير عن تجمع الميثاق الوطني العراقي "المعارض للميليشيات"، تنديده باجتماعات غوتيريش، قائلا إنه التقى بـ "قادة الميليشيات الذين ارتكبوا جرائم بحق العراقيين" بحسب تعبير التقرير.ونشر "معهد ميمري" البيان الصادر عن الميثاق الوطني العراقي مرفقا بصورة غوتيريش محاطا بالخزعلي والكلداني، مع طمس وجه الخزعلي. كما نقل التقرير عن مذيع الاخبار العراقي محمد الكبيسي قوله في تغريدة على تويتر إن "زيارة غوتيريش للعراق تحولت الى مهزلة سيئة" بسبب صورته مع زعماء فصائل متهمين بالإرهاب، وفق التقرير.ونقل التقرير عن استاذة علم الاجتماع الايرانية الامريكية في الجامعة الأمريكية في واشنطن جيسيكا امامي قولها إنه "من غير الممكن لأمراء الحرب والجهات الفاعلة غير الحكومية التي لها ميليشيات مسلحة، أن تدعي عباءة الديمقراطية والحضارة".وختم التقرير بما قاله "مركز سيمون ويزينتال" اليهودي، الذي يتخذ من الولايات المتحدة مقرا له، متوجها إلى الأمين العام للأمم المتحدة بالسؤال التالي :"هل انتهز غوتيريش الفرصة التنديد بالقانون (العراقي) الجديد الذي تم تمريره والذي يجعل الترويج للسلام مع الدولة اليهودية، جريمة يعاقب عليها بالسجن المؤبد او حتى الموت؟".
٣-الكاظمي لـ«الشرق الأوسط»: هناك من يحاول شيطنتي وتحميل حكومتي عيوب الـ20 سنة الماضية
أكد أن الفساد التهَم أكثر من 600 مليار دولار من أموال العراق... وتحدث عن 3 محاولات لاغتياله………حوار خاص ……………لندن: غسان شربل
في نظام ما بعد صدام حسين يقيم رئيس الوزراء العراقي على خط الزلازل. صلاحياته واسعة والألغام هائلة. فهناك لا بد من أميركا التي نتج هذا النظام بفعل غزوها الذي اقتلع نظام البعث، ولا بد من إيران التي سارعت إلى ملء الفراغ الذي خلّفه الانسحاب الأميركي. وبهذا المعنى يقيم رئيس الوزراء العراقي بين واشنطن وطهران، ويتأثر بتعقيدات العلاقة الشائكة بينهما. وفي الداخل يقيم بين العرب والأكراد وهو مطالب بمعالجة الهواجس القديمة والجديدة بين بغداد وأربيل. ويقيم أيضاً بين الشيعة والسنة وهو مطالب بتوفير الضمانات والضمادات، مهمة تبدو للوهلة الأولى شبه مستحيلة. واجبه استعادة هيبة الدولة من بين أصابع دولة الفصائل، وواجبه أيضاً أن يجنّب الدولة معركة غير متكافئة وفي توقيت غير ملائم. الحزم وحده لا يكفي، ويمكن قول الشيء نفسه عن الصبر. وتقول التجربة إن الفصائل تسلّم أحياناً بوصول رجل لا يشبهها تماماً ومن خارج كارتل السلطة إلى رئاسة تعرّض خلالها لمحاولات اغتيال عدة بينها واحدة بمسيّرة. حاول ترميم حضور الدولة ومؤسساتها، وحاول جعل العراق أرض حوار إقليمي بدلاً من أن يكون ساحة تجاذب، معتبراً أن البوصلة هي العلاقة من دولة إلى دولة، ومصلحة العراق أولاً. سألت «الشرق الأوسط» رئيس الوزراء السابق عن تجربته ومحطات بارزة فيها، وهنا نص الحوار وهو أول حديث صحافي يدلي به منذ انتهاء مهامه على رأس الحكومة العراقية:
> أصدرت «هيئة النزاهة» أوامر قبض وتحرّ بحق عدد من مساعديك السابقين المقربين، ما ردّك؟
- منذ الأسابيع الأولى لتسلمي الحكومة بدأت عملية شيطنة هذه التجربة المدنية، وقد وقفت جماعات خارجة عن الدولة أمام أي عمل لخدمة الشعب لإفشال هذه التجربة، ولكن بقينا على عهدنا مع شعبنا ووفينا بالتزاماتنا في الملفات الرئيسية في منهاجنا، وتم تسليم الحكومة وفق مبدأ التداول السلمي للسلطة في حال أفضل بكثير من اليوم الذي استلمناها فيه.
استمرت عملية الشيطنة لهذه الحكومة حتى بعد انتهاء فترتها وسلب حقوق ضمنها القانون لرئيس الوزراء، حيث كان هناك ما يمكن اعتباره إجراءات انتقامية وكيدية نتمنى إبقاء مؤسسات الدولة بعيداً عنها. لقد أعلنا بصراحة أننا نقبل بتحقيق دولي شفاف في كل القضايا الملفقة والكيدية. تأتي هذه الإجراءات في سياق سياسي رداً على النهج الذي اعتمدناه، والذي كان يرمي إلى تمكين الدولة من استعادة حقوقها ودور مؤسساتها الشرعية، ورداً أيضاً على نهج الاعتدال الذي اعتمدناه في الخارج في ضوء قراءتنا لمصالح العراق. سعينا إلى تغليب منطق الدولة على منطق اللادولة، وتقليص مساحة السلاح المنفلت والفساد المستشري والذي يموّل حمايات لممارساته. وفي الخارج شددنا على لغة المصالح والتعاون والعلاقات من دولة إلى دولة بعيداً عن أسلوب الاستفزاز أو خيار التبعية. هذا النهج يثير حفيظة من اعتادوا حصد المغانم من غياب الدولة وكذلك من لديهم مشاريع لا علاقة لها بمصلحة العراق الفعلية.
> هل تجزم بأنك لم تدخل في أي قضية فساد ولم توفّر غطاءً لفاسدين؟
- أكيد أجزم أنني لم أتورط في أي قضية فساد، ولم أوفر غطاءً لأحد، بل بالعكس عندما تورط أحد المعارف بقضايا فساد وحُكم عليه لم أتدخل إطلاقاً رغم كل الضغوطات التي تعرضت لها. وللمفارقة، تحوّل هذا الشخص المتورط بالفساد هو ومن يتوسط له إلى أعداء، وهم حالياً من يديرون جزءاً كبيراً من حملة الشيطنة وتلفيق الأكاذيب وفبركة الملفات ضدي. ولهذا قلت لك في حديثنا قبل المقابلة إن هناك قضيتين هما: الإصلاح والمصلحون. أنا كنت مصلحاً؛ ولهذا تعرضت لعمليات تشويش واتهامات... أنا أول مسؤول عراقي لم أعيّن شخصاً من عائلتي في الدولة. لم يكن هناك شخص من عائلتي في مكتب رئيس الوزراء أو في دائرتي، وذلك لكي أبعد ثقافة النفوذ والمحسوبية والزبائنية والعائلية ومبدأ استغلال السلطة على حساب الدولة، والتي تؤسس للفساد، وتبعد الاستحقاق على أسس الكفاءة والعدالة الاجتماعية، وإنما كنت أعتمد على العناصر الوطنية. نعم، كان واحد من إخوتي موظفاً في رئاسة الوزراء. نعم، ولكن كان قد تمّ تعيينه قبل أربع سنوات من وصولي إلى رئاسة الوزراء، وقد أُحيل إلى التقاعد وفق السياقات القانونية بعد تسلمي المنصب وبطلب مني شخصياً؛ لأتفادى مبدأ المحسوبية والعائلية. أنا أول رئيس وزراء يرفض أن يتضمن فريق عمله أو مكتبه أو المجموعة التي تتولى حمايتي شخصاً من عائلتي أو من أقربائي أو من أبناء عمومي أو أخوالي، على عكس الثقافة السائدة في عراق ما بعد صدام. وقد تعاملت بشفافية كاملة ومهنية خلال إدارتي للحكومة، ولم يتم استغلال المنصب من قبلي بأي شكل من الأشكال. وعندما غادرت المنصب قررت أن أصمت، ولا أتحدث للإعلام احتراماً للحكومة الحالية كي لا يحصل تشويش عليها أو سرقة الأضواء منها ودعماً لها، لكن التشويه المستمر والمتصاعد ضدي شخصياً وضد حكومتي وصل حدوداً لا يمكن السكوت عليها فقررت أن أكسر الصمت.
> ألم تحقق مكاسب مالية بفعل وجودك في موقعك؟
- أنا دخلت وخرجت وما زلت أسكن في البيت نفسه الذي أسكن به منذ عشرين عاماً. حتى عندما كنت رئيساً للوزراء، كان السياسيون يأتون إليَّ في الدار نفسها التي كنت أسكنها قبل أن أتولى منصبي. أنا كشفت فساداً كبيراً في العراق. كشفت قضية الشبكات التي كانت تأخذ عمولات عالية من المواطنين. وكذلك سرقات الدفع الإلكتروني، وكشفت قضايا الضرائب. هناك من يحاول أن يتلاعب بالحقائق من أجل الانتقام أو التشويه. أول كتاب أصدرته بعد وصولي إلى رئاسة الوزراء بشهرين، بتاريخ 19 أغسطس (آب) 2020، طلبت أن يحصل تحقيق في موضوع الضرائب. طلبت من وزارة المالية وهيئة النزاهة التحقيق في معلومات فيما يخص دفوعات الضرائب للشركات النفطية، التي تسمى «قضية القرن». ونحن من أعلن عنها لاحقاً. حكومتي كشفت قضايا فساد كبيرة، وقدمتها للقضاء وبينها سرقة الأمانات الضريبية التي كشفناها وأعلنا عنها، لكن الآن في ظل حملة التشويه والتجني الحالية يصبح من يكشف عن هذا الفساد ويتعقبه متهماً به والسارق بريئاً! كشفنا قضية فساد المبالغ المسروقة من هيئة التقاعد وفيها مبالغ أكبر من مبلغ «سرقة القرن». قضية فساد الدفع الإلكتروني تورطت فيها أطراف كثيرة وقوية. ولسوء الحظ استطاعت هذه الأطراف، بسبب قوتها ونفوذها، أن تعوق تحقيق العدالة كاملةً.تسلمت المنصب ولم تكن لديّ موازنة. عام 2020 وعام 2022 لم تكن هناك موازنة. خلال سنتين لم تساعدني الكتل الأساسية في التصويت على موازنة، ولم تمتلك حكومتي سوى خمسة أشهر من الموازنة، ومع هذا نجحنا في الخروج من الأزمة الاقتصادية ومحاربة الفساد وتحقيق الاستقرار الأمني والاجتماعي في البلد.
> لماذا؟
- لأنهم لم يكونوا يريدون للحكومة أن تنجح، كانوا خائفين. يريدون أن يعبروا بهذه الحكومة مرحلة انعكاسات تظاهرات أكتوبر (تشرين الأول)، وأن يقدموا الحكومة ورئيس الوزراء كبش فداء لأخطائهم. حاولوا منعنا من الوصول إلى الموازنة، تحت عنوان أن الحكومة قد تستفيد من الموازنة في الانتخابات، وتستغلها للفوز والبقاء. أنا جئت وكانت ظاهرة الفساد مترسخة في النظام السياسي. البعض يتكلم عن حكومتي الآن، ويحاول أن يشيطنها، ويحمّلها هدر وفوضى عشرين سنة. عن أي فساد تتكلمون وأنا لم أحصل على ميزانية لمدة سنتين؟ أي أموال تُهدر؟
> لم تكن هناك موازنة إلا لفترة 6 أشهر؟
- من مجموع 28 شهراً عمر حكومتي، حظيت فقط بموازنة بحدود 5 أشهر. أُقرت في منتصف يوليو (تموز) عام 2021، وانتهت في 31-12-2021، فهي 5 أشهر فقط. إذن عن أي فساد يتكلمون؟ الفساد مترسّخ في الدولة العراقية قبل مجيئي. والحكومات السابقة كلها متورطة، والأموال التي أهدرت تقدر بأكثر من 600 مليار دولار، تم إهدارها خلال هذه الفترة. في خلال عامين من رئاستي كشفنا قضايا فساد واغتيالات أكثر من كل الحكومات السابقة مجتمعةً وتابعناها مع القضاء. لكن الآن يحاولون أن يحمّلوا حكومتي مسؤولية تخريب وفساد أكثر من 18 عاماً، ومسؤولية كل الحكومات التي سبقت حكومتي، ويسكتوا عن خراب تلك الحكومات؛ لأنها حكوماتهم التي جاءت من أحزابهم وكتلهم البرلمانية. هذا تضليل كبير للرأي العام، وتشارك فيه أطراف حكومية وحزبية وميليشياوية. لكن مهما حاولوا تضليل الرأي العام، لم ولن ينجحوا لأن الناس يعرفون تماماً الحقيقة، والشعب العراقي لديه القدرة على التمييز بين الحقيقة، وتلفيق الأكاذيب، وفبركة الملفات. للأسف هناك من يريدون أن ينظفوا تاريخهم السيئ في الحكم؛ ولذلك يلومون حكومة الكاظمي الذي لا حزب له ولا ميليشيا ولا كتلة برلمانية.
> 600 مليار دولار، بين 2003 و2020؟
- نعم، بين 2003 ومنتصف عام 2020 الْتَهَمَ الفساد 600 مليار دولار من أموال العراق.
> أين ذهبت؟
- ذهبت إلى أطراف حزبية. الاستثمار في بناء الدولة العميقة، والاستثمار في مشاريع فاسدة، كانت تذهب إلى زعماء بعض الجماعات خارج إطار الدولة، وإلى بعض الأحزاب، على حساب المواطن. وذهبت أيضاً إلى حروب عبثية خارج العراق. لديّ حسابات الحكومات السابقة وما صرفته وما هي المبالغ التي اختفت. بعض الحقائق بهذا الصدد مرعبة وصادمة.
> كيف تختفي هذه المبالغ؟
- في مشاريع وهمية، في تمويل لأعمال عسكرية أسهم بها العراق مع الأسف الشديد. أموال كانت تذهب إلى أطراف، وهذه الأطراف استثمرتها في تأسيس وضع عسكري لجماعات مسلحة في العراق وخارج العراق. في عهد حكومتي لم توجد أي إمكانية لذهاب أي دولار لتمويل جماعات خارجة عن الدولة. وكان موقفي شديداً في هذا الموضوع، وهم يعرفونه ويصمتون عنه، ولهذا يكنّون العداء لي.
> يعني أنك أوقفت أي خروج للأموال لتمويل عمليات مسلحة أو ميليشيات؟
- نعم، لم يستطع أي طرف في عهد حكومتي أن يأخذ أي حصة أو إمكانية للاستحواذ على أموال الدولة للفساد، أو لتمويل جماعات خارج الدولة، وهذا أحد الأسباب التي دفعت نفس الأطراف لمحاربتي بعد أن قطعت عنهم التمويل.
> دولة الرئيس، متى طرح اسمك لرئاسة الوزراء، وفي أي ظروف، ومن قبل من؟
- طُرح اسمي للمرة الأولى في عام 2018 بعد استقالة حكومة السيد حيدر العبادي. فوتحت من قبل أطراف شيعية كون الشيعة يمثلون الإطار السياسي الأكبر في العراق، وأصبح العرف في العمل السياسي، للأسف الشديد، أن يكون رئيس الوزراء شيعياً، ورئيس الجمهورية كردياً، ورئيس البرلمان سنياً. طرح اسمي لكنني اعتذرت.
> كنت يومها رئيساً لجهاز المخابرات الوطني، لماذا اعتذرت؟
- اعتذرت لسببين؛ ليست لديّ مقومات نجاح كرئيس للوزراء، ليس لديّ حزب، وليست لديّ كتلة برلمانية في نظام برلماني. وبالإضافة إلى ذلك، الأطراف التي طرحت الموضوع وضعت بعض الاشتراطات التي رأيتها صعبة القبول؛ لأنها تمس كرامة العراق. بكل تأكيد اعتذرت عن قبولها في ذلك الوقت، وكان هناك حديث بيني وبين رئيس الوزراء الذي تولى لاحقاً وهو السيد عادل عبد المهدي.
> حول ماذا دار النقاش؟
- كان اسمه مطروحاً واسمي كذلك. قلت له أنا اعتذرت، ونصيحتي لك أن تكون حذراً؛ لأنك ستعمل في ظروف صعبة، والكتل السياسية لن تسمح لك بالعمل بجدية. كان ذلك في عام 2018.حصلت أحداث أكتوبر 2019 وهي التظاهرات المطالبة بإصلاح سياسي في البلد وبحماية كرامة الناس. تطورت الأحداث، وحصلت احتجاجات، وخسرنا في العراق كثيراً من الشهداء من الشباب المتظاهرين؛ لأن الحكومة لجأت إلى بعض الممارسات غير المنطقية في التعاطي مع المتظاهرين. خسرنا أكثر من 600 شهيد من المتظاهرين، تم قتلهم بدم بارد، وأكثر من 3500 إصابة تؤدي إلى الإعاقة، وأكثر من 24 ألف إصابة بسيطة. هذا الظرف أدى إلى استقالة حكومة الدكتور عادل عبد المهدي، وأول اسم تم طرحه بعد استقالتها كان اسمي واعتذرت عن القبول.اعتذرت لأن الوضع كان معقداً، وغالبية المدن العراقية كانت ساخطة وساقطة بيد المتظاهرين، وكان الظرف السياسي لا يسمح. اعتذرت فتم طرح أسماء عدة لم ينجح أي منها بالحصول على قبول في تشكيل حكومة. وفي المرحلة الأخيرة تم طرحي كمرشح خامس لرئاسة الوزراء فقلت إنني لن أتولى المسؤولية إن لم يتوافر توافق كامل. قبلت المسؤولية لسبب واحد بسيط هو أنني كنت أرى المشهد العراقي متجهاً نحو الحرب الأهلية. قبلت المسؤولية في غياب كل شروط النجاح، وافقت لحقن دماء العراقيين. العراقيون لديهم تاريخ طويل من الوجع والألم والعنف والديكتاتورية.قلت أحاول إيجاد مرحلة أو مساحة أو نقطة جديدة للطلاق بين الماضي الموجوع المرتبط بالعنف والقسوة، والحاضر والمستقبل الذي قد يوفر لنا فرصة لبناء دولة عصرية وبناء إنسان عراقي جديد، فكانت مهمتي في الحكومة هي إجراء انتخابات نزيهة عادلة حتى تعيد ثقة الشارع بالنظام السياسي، ونجحنا بذلك. الأطراف السياسية التي رفضتني في السابق، واتهمتني اتهامات باطلة بتهم كثيرة هي من وافق وطلب مني القبول برئاسة الوزراء، ربما كي تهرب من المسؤولية، وربما كانت تبحث عن كبش فداء يتحمل المسؤولية. كان المشهد صعباً. بلد متجه نحو صدامات في الشارع، مع انهيار اقتصادي، وانهيار أسعار النفط، مع انتشار وباء «كورونا»، مع استهتار الجماعات المسلحة خارج إطار الدولة، بالإضافة إلى أزمة الثقة بين بغداد وأربيل، وأزمه الثقة من بعض الأطراف السنية بالنظام السياسي.هذه الظروف كلها جعلتني أقبل المسؤولية. الهدف الأول منع الانزلاق إلى حرب أهلية، والثاني محاولة منع الانهيار الاقتصادي العراقي، والتأسيس لانتخابات نزيهة عادلة.
> يقال إن المرجعية ممثلة بآية الله علي السيستاني أبدت تعاطفاً مع حكومتك؟
- المرجعية تعبّر بطريقتها الخاصة. هذا هو نهجها في التعاطي، لا تذكر اسماً معيناً لرئاسة الوزراء أبداً، ولكنها أكدت على النقاط الرئيسية التي تضمنها منهاجنا الحكومي، وقد التزمنا بتطبيق هذا المنهاج؛ فقد صرّحت ممثلة الأمم المتحدة بعد أول لقاء لها بالمرجع الأعلى بعد تسلمي الحكومة، بأن المرجع يدعو إلى عدم التأخير في الانتخابات، وفرض هيبة الدولة، ومنع التدخلات الخارجية، وفتح ملفات الفساد الكبرى، والكشف عن المتورطين في عمليات الاغتيال والقتل في الاحتجاجات. الحكومة تفي بهذه الشروط، والكل يعرف أن هذه القضايا شكّلت حيزاً كبيراً وأساسياً في حكومتي، وقد حققنا نجاحات بارزة فيها رغم التحديات والمعرقلات الكثيرة. من يواكب من قرب مواقف المرجعية يدرك أبعاد رؤيتها، حيث مرجع ديني كبير جداً يدعو إلى المدنية، وإلى تعدد الثقافة السياسية والثقافة الاجتماعية في العراق، وقد وضعنا هذا الأنموذج قدوة لنا، وبالفعل حققنا نموذجاً مدنياً مختلفاً للحكم لأول مرة بعد عام 2003، وهذا إنجاز بالفعل.الأحزاب السياسية تبدو متأخرة ومتخلفة كثيراً عن هذا الطرح الذي يطرحه السيد السيستاني. السيد السيستاني كان يفكّر بروح وطنية عراقية عالية. هو مرجع ديني شيعي عالمي، هذا صحيح، لكن كان لديه الهمّ الوطني العراقي، الهمّ الكردي، الهمّ السني، مهتم بذلك كثيراً، ومهتم كثيراً بعروبة العراق... مهتم بالإنسان والفرد العراقي، كما هو مهتم بالهوية الوطنية الشاملة وبقضايا المجتمع وتحدياته، وهو يفكّر بمنطق الدولة الحديثة المدنية والقادرة للقيام بخدمة شعبها.
> هذا كلام مهم جداً؟
- نعم. السيد السيستاني كان مؤيداً وداعماً لتوجه العراق إلى محيطه العربي، ولتعزيز الهوية الوطنية وللدولة المدنية. وهو يدعو إلى اندماج المجتمعات الشيعية ضمن دولهم، ويدعو إلى احترام القوانين الحاكمة في أي دولة.
> كيف تسلمت رئاسة الوزراء؟
- تسلّمت في 6 من الشهر الخامس في 2020. بدأت بحكومة تضم مجموعة وزراء. وزير الخارجية لم يكن البرلمان قد صوّت عليه؛ إذ كان هناك خلاف كردي – كردي، وكذلك وزارة العدل. كنا في وضع اقتصادي صعب جداً، وأحتاج شهرياً ما يقارب 6 مليارات دولار لدفع رواتب موظفي الدولة ورواتب المتقاعدين، وكان هناك متظاهرون في الشارع عندهم مطالب، وكانت هناك أزمة «كورونا»، وأزمة انهيار أسعار النفط، وكنا غير قادرين على دفع رواتب المتقاعدين. لهذا السبب أول زيارة قمت بها كانت إلى «دائرة التقاعد» لطمأنة المتقاعدين وكبار السن بأن رواتبهم سوف تصلهم، وبالفعل نجحنا في توفير رواتب المتقاعدين، والتزمنا بدفع رواتب موظفي الدولة العراقية، ولم نتأخر يوماً واحداً، وأول أمر فكرت فيه هو قضيتان: قضية إيجاد حل للوضع الاقتصادي المزري، وفكرنا بطريقة للإصلاح الاقتصادي، ووضعنا خطة إصلاح ساعدنا فيها البنك الدولي، وقدمنا رؤية أطلقنا عليها اسم «الورقة البيضاء»، ومن ضمن هذه الرؤية عالجنا الكثير من المشكلات، ونجحنا خلال فترة قصيرة في توفير أموال كبيرة للدولة العراقية من دون دفع ضرائب أو أي شيء، وورقة إصلاح تدخل في كل تفاصيل إدارة الدولة العراقية، وهي أول ورقة إصلاح اقتصادي منذ 70 سنة في تاريخ العراق. كانت مغامرة والبعض انتقدني عليها، كون الخطط الإصلاحية بعيدة عن الشعبوية والشعارات الكاذبة. كنت أبحث عن حفظ كرامة الناس وليس المتاجرة بعواطفهم. كنا في وضع اقتصادي صعب.كان احتياط البنك المركزي في تراجع سريع، ووصل إلى 49 مليار دولار وبعدها بسنتين صعد الاحتياط إلى 90 مليار دولار. لقد سلّمت الحكومة وكان احتياط البنك المركزي بحدود 90 مليار دولار. وكان احتياط الذهب 95 طناً وفي تراجع، ولكن تركت الحكومة بعد سنتين واحتياطنا من الذهب 136 طناً، بالإضافة إلى فائض كبير في المالية يساعدنا في بناء مشاريع استثمارية كثيرة. كما ذكرت سابقاً، أنا جئت ولم تكن لديّ أموال لدفع الرواتب. الإقليم لم تكن لديه (أموال) كي أدفع له رواتب، ولا (أموال في) بغداد أستطيع أن أغطي بها رواتب كل الموظفين. الحمد لله والشكر، خلال سنتين لم نتأخر يوماً في دفع رواتب موظفي الدولة العراقية.
> ماذا فعلتم لترميم حضور الدولة العراقية في الإقليم والعالم بعدما انحسر هذا الحضور؟
- الحقيقة أن العراق بدأ الانحسار منذ عام 2006، بدأ يبتعد عن محيطه العربي، ومحيطه الإقليمي، تحت عناوين فئوية. وأول أمر قمت به عندما جئت، هو إعادة التشديد على بناء هوية وطنية عراقية؛ فقد أوقفت الألقاب في وزارة الدفاع على أساس عشائري أو قومي أو مذهبي.كنا نحتاج إلى بناء هوية وطنية عراقية. عملت على تأسيس أن يكون الجيش العراقي لكل العراقيين، وليس موزعاً على أساس طائفي أو مذهبي في المواقع العليا أو الدنيا. العراق كان بعيداً ومنحسراً في علاقاته الخارجية. أنا عملت على إعادة العراق إلى محيطه العربي. العراق بلد عربي بامتياز. نعم هناك قوميات... الكرد وآخرون، ومن حقهم الحفاظ على هوياتهم، ولكن العراق في النتيجة جزء من العالم العربي والعالم الإسلامي. عملت على إعادة بناء علاقاتنا مع العالم العربي، مع دول الخليج بالخصوص، ومع الأردن ومصر ولبنان وحتى الدول العربية البعيدة. كنا في أمسّ الحاجة إلى البناء، وإعادة هذا الانتماء إلى العراقيين، وبالفعل كان هناك تعاطف وارتياح في الشارع العراقي لهذه العودة إلى المحيط العربي. وهذا إنجاز مهم جداً. وبالفعل الدول العربية التي انفتحنا عليها كانت أكثر الدول مبادرة إلى المساهمة في العراق، والمساهمة في الاستثمار في العراق، لكن هناك من سمّى هذه الاستثمارات بأنها استعمار خليجي للعراق. هناك من لا يرغب بدخول هذه الاستثمارات إلى العراق تحت عنوان أن يبقى العراق بعيداً عن هذا المحيط.
> أين يقيم رئيس وزراء العراق، بين طهران وواشنطن؟
- العراق يقيم في العراق وفي مصالحه ومراعاة مصالح الآخرين وعلى قاعدة العلاقات من دولة إلى دولة وتوازن المصالح. مصلحة العراق أولاً قبل مصالح الآخرين بكل تأكيد. ندافع عن مصالحنا، ونحترم مصالح الآخرين والعلاقات من دولة إلى دولة ومن دون تبعية. هذه هي القاعدة السليمة في التعامل مع الدول القريبة والبعيدة.
> كيف كانت زيارتك الأولى إلى إيران بعد تعيينك؟ ومن التقيت؟
- كان الرئيس حسن روحاني في سدة المسؤولية. قلت في مؤتمر صحافي بكل وضوح وبحضور روحاني، نحتاج إلى علاقات دولة إلى دولة، ولا نحتاج إلى علاقات تدخل في الشؤون العراقية. نشكر الدول التي ساعدتنا في حربنا ضد «داعش»، ويجب ألا ننسى أن هذه المساعدات كان بعضها طوعياً والبعض الآخر بثمن. هذا الكلام قلته بكل وضوح في طهران، وأكدت أن علاقاتنا مع المحيط العربي هي من أجل مصلحة العراق ومصلحة المنطقة جميعاً.
> كيف كان اللقاء مع المرشد الإيراني علي خامنئي؟
- كان مبنياً على الصراحة؛ أن العراق دولة جارة، ودولة مسلمة، وفي الوقت نفسه دولة عربية، والعراق في أمسّ الحاجة إلى التوازن في علاقاته، نحن لسنا ضد إيران، ولكن نريد أن تتفهموا خصوصيتنا ووضعنا الخاص، وحتى علاقاتنا مع الأميركيين نحن في أمسّ الحاجة إلى أميركا التي ساعدتنا على التخلص من صدام حسين، وساعدتنا في الحرب ضد «داعش». وكان موقفه واضحاّ جداً: نحن نحترم السيادة العراقية والخصوصية العراقية، وكيف يرى مصلحة شعبه.
> المرشد قال: نحن نحترم الخصوصية؟
- نعم، قال: نحن نحترم العراق والسياسة التي يتبعها من أجل مصالحه. نحن، وفق ما عبّر عنه، «لا نثق بالسياسة الأميركية»، ولكن العراق لديه خصوصية، ومن حقه أن يبني علاقاته وفق مصالحه.
> التقيت روحاني وخامنئي وإسماعيل قاآني؟
- التقيت قاآني في ذلك الاجتماع في طهران، والتقيت رئيس البرلمان الإيراني أيضاً. وكنا واضحين، وحصل حديث عن العلاقة الاستراتيجية بين العراق وأميركا؛ إذ حاول الإيرانيون أن يفهموا ليطمئنوا، وطمأنتهم بأن هذه مصلحة عراقية، قواتنا بأمسّ الحاجة إلى العلاقة الاستراتيجية مع أميركا، والوجود الأميركي مطلوب لمساعدة وتطوير كفاءة وقدرات جيشنا والأجهزة الأمنية، وهذا لا يشكل تهديداً لكم، فوجود هذه القوات ضرورة عراقية، وأتمنى منكم تفهّم هذا الحضور الأميركي في العراق من أجل المصلحة العراقية.
> هل يستخدم الإيرانيون قناة رئاسة وزراء العراق لنقل رسائل إلى أميركا؟ هل لعبت دوراً في هذا الاتجاه؟
- نعم، كانت هناك رسائل كثيرة بين الإيرانيين والأميركيين في أكثر من مرحلة خصوصاً في المرحلة التي كانت فيها صواريخ تنطلق من بعض الفصائل العراقية، أو من الجماعات المسلحة في العراق، وكان دورنا هو التهدئة. كانت هناك جماعات تهدد بضرب السفارة الأميركية في بغداد زمن الرئيس دونالد ترمب، ونجحنا في إرساء التهدئة بين الأميركيين والإيرانيين.
> هل طلب الإيرانيون قطع علاقات العراق مع أميركا بعد قيامها بقتل قاسم سليماني؟
- كان هناك انتهاك للسيادة العراقية في حادثة مقتل الجنرال قاسم سليماني. حصلت على أرض عراقية. على طريق مطار بغداد. وكان موقف الحكومة واضحاً جداً، بالتنديد بهذه العملية. هذا القرار كان قراراً أميركياً بحتاً، ولم يوجد أي تأثير أو تدخل لدول المنطقة به، ولا لأطراف عراقية.لم يطلب الإيرانيون مني (قطع العلاقات مع أميركا)، وفي حينها كنت رئيساً لجهاز المخابرات، لكن كان يطالب بذلك حلفاؤهم الموجودون في العملية السياسية. طالبوا بطرد الأميركيين من العراق، وقطع العلاقات، لكن الحكومة العراقية في حينها لم ترضخ لهذه الضغوطات، ونجحنا نحن لاحقاً بتخفيض التصعيد، وإرساء الاستقرار.
> وفي رئاسة الوزراء كنت تنقل رسائل بين الإيرانيين والأميركيين؟
- نعم، كنا ننقل رسائل بين أميركا وإيران باستمرار. وتدخلنا في مرحلة إطلاق السجناء، وكانت هناك مفاوضات.
> أي سجناء؟
- سجناء أميركيون في إيران. والتقيت بمجموعة منهم وبعضهم من أصول إيرانية، ولكن حدثت الانتخابات الأميركية وتأجل الموضوع فيها، وبعضهم تم إطلاق سراحه قبل أشهر.
> هل التقيتهم في إيران؟
- نعم، بعض السجناء التقيت بهم في إيران.
> هل كان اللقاء معلناً؟
- لا، كان سرياً.
> من هم؟
- أميركيون من أصول إيرانية، معتقلون في إيران. قمنا بوساطة لحل هذا الموضوع، ووصلت المفاوضات إلى مراحلها النهائية، لكن حصلت الانتخابات الأميركية فتم تأجيل التفاوض فيها، ثم ظهرت قنوات أخرى من دول أخرى، وتم إطلاق سراح بعضهم.
> عملت لجعل بغداد مكاناً للحوار بين الدول الإقليمية، كيف ولدت فكرة الحوار السعودي - الإيراني؟
- قبل الحوار كنت مهتماً بأن يكون العراق جزءاً من العالم المتحضر. أمضى العراق سبعة عقود تحت وطأة الدكتاتورية والحروب. أنا فتحت عيوني على حرب الـ75 مع الإخوان الأكراد، ثم كانت الحرب العراقية ـ الإيرانية، وبعدها غزو الكويت، وأخيراً أحداث ما بعد 2003 الصعبة من صراع ودم وفساد وطائفية وعنصرية وفوضى. هذه كلها مجتمعة أدت إلى دمار كبير في العراق والمجتمع العراقي وانهيار الطبقة الوسطى. كنت أحاول عن طريق سياسة الانفتاح ونظرية «تصفير المشاكل» أن أقوم بحلحلة التراكمات السلبية، وكنت أدعو دائماً بأن «الحوار ألف سنة أفضل من لحظة فيها إطلاق رصاص»، لهذا السبب فكّرت أن ننفتح على الآخر حتى لو كنا نختلف معه. الحوار هو الذي يؤدي إلى بناء عناصر الثقة وحسن الظن بالآخر وليس الخوف من الآخر. واليوم الحكومة الحالية تتبع سياسة الانفتاح هذه نفسها وتضيف عليها، وهذا شيء جيد. الإنجاز في الدولة العراقية ينبغي أن يكون تراكمياً. كل حكومة تضيف على جهد الحكومة السابقة، لا أن تحاول شيطنتها والظهور بمظهر البطل الذي هو على حق مطلق، وأنه هو الذي يقوم بتصحيح أخطاء ما قبله فقط... هذا أسلوب خاطئ: إلغاء منجزات الذين سبقوك وإنكارها بل تشويه سجلهم! يؤسس لعرف سياسي خاطئ.مشكلتنا في العالم العربي أننا جرّبنا في السابق حكومات أشبعتنا شعارات ووعوداً تقدمية وأحلاماً قومية، لكنها لم تطعمنا خبزاً وكرامة، بل خطفت أوطاننا وأوصلتنا إلى ما وصلنا إليه. الحوار كان استراتيجيتي وجوهرها أن ننفتح على الجميع. أسّسنا لأول مؤتمر أسفر عن الحوار السعودي - الإيراني، وهو مؤتمر بغداد الذي دعونا إليه كل الدول المحيطة بالعراق والدول الصديقة، بينها فرنسا، وحضره زعماء من المنطقة. حضره الرئيس السيسي. للمرة الأولى منذ أكثر من 31 سنة رئيس مصر يزور العراق. وحضره الملك عبد الله الثاني، والشيخ محمد بن راشد، رئيس وزراء دولة الإمارات، وأمير قطر تميم بن حمد، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وحضر وزراء خارجية السعودية وتركيا وإيران، وذلك للمرة الأولى. وللمرة الأولى التقى الرئيس السيسي، أمير قطر، وكان ذلك في بغداد في 2021. من هنا انطلقت فكرة الحوار السعودي - الإيراني، وحصلت جلسات حوار بغداد لدعم هذا الحوار. هذه كلها إنجازات تُحسب للعراق.كان الحوار السعودي - الإيراني على مستوى رؤساء الأجهزة. تناولت الحوارات قضايا متعددة وكانت ناجحة جداً، وحققنا تقدماً كبيراً ووصلنا إلى المرحلة النهائية، لكن التدخلات في المنطقة قد تكون تؤخر بعض الأشياء.عقدت أيضاً لقاءات بين دول عربية ودول غير عربية أسست لعلاقات وانفتاح بين دول كانت في حالة قطيعة. ولن أدخل في التفاصيل.
> هل حقق الحوار الإيراني - السعودي تقدماً؟
- الحوار السعودي - الإيراني كان صريحاً ومثمراً، ولهذا أتوقع عودة قريبة للعلاقات بين البلدين ولما فيه مصلحتهما ومصلحة شعوب المنطقة. حصل تقدم في الحوار في العراق. وأول تقدم هو أنهم التقوا للمرة الأولى وجهاً لوجه وتكلموا بكل صراحة. الإيرانيون سمعوا وجهة النظر السعودية. وسمع السعوديون وجهة النظر الإيرانية. وكان الحوار مبنياً على الصراحة والوضوح. وحصل اعتراف بحدوث أخطاء بينها ما حصل للسفارة السعودية في طهران. وكان هناك اتفاق على بناء عناصر الثقة بينهما في المرحلة الأولى، ثم الانتقال إلى الحوار الدبلوماسي وعودة العلاقات.
> هل تطرقوا إلى الوضع في اليمن؟
- تطرقوا لكل شيء.
> هل تطرقوا إلى موضوع الحوثيين بالتحديد؟
- سبق وقلت تطرقوا لكل شيء.
> هل تطرقت جلسات الحوار الى الوضع في لبنان؟
- كان الحوار شاملاً.
> هل كانوا يجلسون وحدهم؟
- لا، أنا كنت أحضر وأدير الجلسات. جلسات الحوار كانت تستمر أحياناً خمس أو ست ساعات.
> أين كانت تعقد؟
- في مكان سري في بغداد.
> هل كان أمن المشاركين هاجساً؟
- طبعاً، كان أمنهم هاجساً جدياً لديّ، لئلا يتعرض أحد منهم لأي خطر.
> كيف ترى مستقبل الحوار الآن؟
- أعتقد أنه من المهم جداً أن يستمر. نجاح الحوار السعودي - الإيراني ساعد على التهدئة في المنطقة. السعودية دولة مهمة جداً في المنطقة، وإيران دولة مهمة في المنطقة، وهما جارتان مسلمتان، والمصالح المشتركة كثيرة بينهما.
> ما هو الملف الكبير الذي واجهك في رئاسة الحكومة؟
- الاقتصاد كان ملفاً كبيراً ونجحنا به نجاحاً جيداً وخلال فترة قصيرة ودون موازنة على عكس ما يروج البعض، والسلاح المنفلت كان تحدياً كبيراً لي. حاولت بكل جد التهيئة لإعادة هذا السلاح إلى الدولة، ولكن مع الأسف الشديد لم ننجح سوى في تقليص وجود السلاح في شوارع المدن.
> بماذا يشعر رئيس الوزراء العراقي عندما يُغتال أحد المواطنين؟
- يشعر بألم ووجع كبيرين، كما هو الحال مثلاً عندما اغتيلت الشابة الدكتورة ريهام شاكر يعقوب في البصرة، وهي ناشطة في المجال النسوي وناشطة في مجال إصلاح النظام السياسي. تشعر الدولة بالإهانة لأنها لم تستطع حماية مواطن.