من يدير العراق منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في ٢٠٠٣؟؟
النخبة السياسية الشيعية أكبر الرابحين بعد سقوط صدام حسين.
تعد النخب السياسية الشيعية بمختلف ولاءاتها أبرز من حقق مكاسب بعد الإطاحة بنظام الرئيس الأسبق صدام حسين إثر الغزو الأميركي للعراق في 2003. واستطاعت النخب الشيعية ضمان استمرارية تحكمها في المشهد السياسي إلى حد اليوم.
العرب/بغداد - كان الهدف من الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق هو تمهيد الطريق لديمقراطية مزدهرة، لكن الحكومات العاجزة التي انتُخبت منذ عام 2003 تركت الكثير من العراقيين فريسة للإحباط.
ويقول عراقيون إن قادتهم لم يوفوا حتى الآن بوعودهم بإصلاح الاقتصاد ومحاربة الفساد وتحسين الخدمات العامة المتدهورة ومكافحة الفقر والبطالة.
وبموجب نظام حكم قائم منذ إقرار دستور ما بعد صدام حسين عام 2005، يكون رئيس الوزراء من الأغلبية الشيعية ويترأس مجلس النواب سني فيما يتولى كردي منصب رئيس البلاد، وهو منصب شرفي.
وغالبا ما تتعرض هذه الصيغة لضغوط شديدة نتيجة للأجندات الطائفية، كما تخفق في منع إراقة الدماء.
ويعدّ الشيعة أبرز من حقق مكاسب من بعد سقوط نظام صدّام حسين منذ عشرين عاما حتى اليوم، إذ تمكّنوا من الإمساك بالمشهد السياسي في البلاد وسط توازن سياسي هشّ ومتقلّب، لكن لا ينهار أبدا.
وفي بلد متعدد الطوائف والإثنيات، حيث تراقب الحليفة طهران النافذة عن كثب أروقة السلطة في بغداد، تهيمن الطبقة السياسية الشيعية على الحياة العامة، بعدما حُرمت لفترة طويلة من التمثيل السياسي في ظل النظام القديم الذي أطاحت به واشنطن في عام 2003.
وتتجلى هذه الصورة في الفضاء العام سواء بصور الإمام الحسين المنتشرة في كل الشوارع، أو خلال إحياء المناسبات الدينية الكبرى التي كانت تجري بالسر قبل عام 2003، لكن يتم إحياؤها الآن بقوّة في العلن تعبيرا عن هذه الهوية الشيعية، كما في مناسبة عاشوراء والأربعين.
وتقول الباحثة السياسية مرسين الشمري “هل الشيعة هم أكبر الرابحين من نظام ما بعد 2003؟ هم كذلك لناحية أنهم أكبر طوائف البلاد، وبالتالي التمثيل الأكبر في الحكومة”.
وبعد سقوط صدام حسين، شرعت السلطات المؤقتة التي نصبتها واشنطن في بناء نظام سياسي جديد مع حلفائها، وإقامة توازن هش للسلطة قائم على المحاصصة وتوزيع المناصب بشكل رئيسي بين الشيعة والأكراد والسنة، مع نسب صغيرة لبعض الأقليات.
ويرى فنر حداد، الباحث المتخصص في شؤون العراق في جامعة كوبنهاغن، “كان متوقعا أن يكون المحاورون العراقيون الرئيسيون للولايات المتحدة في الموقع الأفضل للاستفادة من تغيير للنظام تقوده الولايات المتحدة”، مشيرا إلى أن “المعارضة في المنفى” ضد صدام حسين جمعت الحركات الشيعية والكردية بشكل رئيسي.
بعد عقدين من الزمن، لم تتغير تركيبة السلطة في بغداد كثيرا. ومنذ العام 2003، هيمنت الأسماء نفسها على “البيت الشيعي” وهي التسمية التي أطلقها المراقبون على الطبقة السياسية التقليدية، من نوري المالكي وهادي العامري وعمار الحكيم، والقائمة تطول.
والمالكي رئيس وزراء سابق وزعيم حزب الدعوة الذي هيمن على الحكومات العراقية المتعاقبة بعد عام 2003. وتربط المالكي علاقات وثيقة مع إيران التي دعمت معارضة حزب الدعوة لصدام خلال الحرب العراقية – الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي.
وللمالكي أيضا صلات بجماعات مسلحة وأجهزة أمنية ويقود كتلة برلمانية قوية.
وتعرض المالكي لضغوط لترك منصبه من كل من الولايات المتحدة وإيران بسبب فشله في وقف استيلاء تنظيم الدولة الإسلامية على ثلث مساحة البلاد في عام 2014. ونفى اتهامات بانتهاج سياسات طائفية دفعت السنة إلى أحضان التنظيم المتشدد.
وأصبح هادي العامري، المنشق السابق الذي كان يحارب صدام من المنفى في إيران، واحدا من أقوى السياسيين في العراق.
ويقود العامري منظمة بدر التي نشأت كمجموعة مسلحة شيعية مدعومة من إيران في الثمانينات. وتشكل المنظمة جزءا كبيرا من قوات الحشد الشعبي، وهي قوات شبه عسكرية تابعة للدولة تضم العشرات من الفصائل المدعومة من إيران.
وواجه العامري اتهامات من خصومه بإدارة فرق قتل طائفية في أعقاب الغزو الأميركي، وهو ما ينفيه.
وصور الزعيم الأعلى الإيراني علي خامنئي سمت رئيسي في مكاتب منظمة بدر. وقال العامري ذات مرة إن خامنئي ليس زعيما فقط للإيرانيين بل للأمة الإسلامية. وأضاف أنه يفخر بوجهة نظره هذه.
وأما قيس الخزعلي فهو مقاتل سابق بجيش المهدي الموالي للصدر أثناء مواجهة القوات الأميركية قبل أن ينفصل ويشكل عصائب أهل الحق، التي صارت جماعة عسكرية سياسية لها عدد من المقاعد في البرلمان. وصنفت الولايات المتحدة الجماعة التي يقودها الخزعلي منظمة إرهابية.
وفي الكثير من الأحيان، كان بعضهم معارضون للنظام في المنفى، خلفيتهم من أحزاب محافظة وإسلامية، لجؤوا لفترة طويلة إلى إيران المجاورة أو أوروبا هربا من القمع الدموي الذي مارسه صدام حسين.
وتشرح مرسين الشمري، الباحثة في مبادرة الشرق الأوسط في جامعة هارفارد الأميركية، بأن هذه “النخبة السياسية تمكنت من ترسيخ نفسها”.
وفي حين أن هؤلاء السياسيين قد ضمنوا سلطتهم في الأصل قد ضمنوا سلطتهم في البداية عبر توليهم مقاعد نيابية أو وزارات أو رئاسة حكومة، لكن هذا الشرط لم يعد اليوم ضروريا.
وتضيف الشمري أن “ما حدث في العشرين عاما الماضية هو أنهم تحولوا من مسؤولين في الدولة إلى زعماء أحزاب، لا يزالون ممسكين بمقاليد السلطة حتى لو لم يكن لديهم من الناحية العملية منصب رسمي”.
ودخل لاعبون جدد إلى المشهد برعاية طهران، هم فصائل الحشد الشعبي، وهي فصائل شيعية مسلحة ضمّت إلى القوات الرسمية، ولها تمثيل في الحكومة والبرلمان.
ويشرح فنر حداد بأنه “لم يخدم أي حدث المصالح الإيرانية بقدر غزو العراق عام 2003”.
وتتبع الطبقة السياسية الطريقة نفسها في العمل: على النخبة التي تتقاسم السلطة، الاتفاق فيما بينها، وسط مفاوضات شاقة وعقبات لا نهاية لها، بل وحتى مواجهات مسلحة.
ويضيف حداد أن “أساسيات النظام لم تتغير إلى حد كبير”، مشيرا إلى أن “القواعد التي أرستها النخبة في 2003 – 2005 ما زالت تحكم الحياة السياسية” حتى الآن. ومع ذلك ، فإن “البيت الشيعي” ليس بمنأى عن الخلاف.
اشتّد الخلاف في أعقاب الانتخابات التشريعية الأخيرة لعام 2021 بين المعسكر الموالي لإيران ورجل الدين صاحب المواقف المتقلبة مقتدى الصدر، وبلغ ذروته في أغسطس 2022 بيوم من القتال الدامي في قلب بغداد.
والصدر زعيم شعبوي كان في يوم من الأيام خارجا عن القانون ومطلوبا حيا أو ميتا إبان الاحتلال الأميركي، ثم بزغ نجمه ليصبح صانعا للقادة في السياسة العراقية وأقوى شخصية في بلاده.
وقاد الصدر تمردا مسلحا ضد الاحتلال الأميركي للعراق بعد أن أطاحت القوات الأميركية والدولية بصدام حسين.
وورث دعما واسعا من الشيعة، وأغلبهم من الفقراء، من والده آية الله العظمى محمد صادق الصدر الذي اُغتيل عام 1999 بعد أن انتقد صدام علنا.
وفي لقطات مسربة للحظة اقتياد صدام إلى حبل المشنقة عام 2006 سُمع حضور يهتفون باسم مقتدى.
وخلال الحرب الأهلية العراقية التي دارت رحاها في الفترة من 2006 إلى 2008 واجه جيش المهدي التابع للصدر اتهامات بتشكيل فرق موت قامت بخطف مسلمين سنة وقتلهم. وتنصل الصدر من مسؤولية العنف ضد العراقيين.
ويعارض الصدر كل صور التدخلات الخارجية وخاصة من إيران. وتدين له بالولاء جماعة مسلحة قوامها الآلاف من الأشخاص، ويتمتع بنفوذ واسع يستند فيه إلى أنصاره ممن يعملون في أجهزة الدولة.
وهذه النخبة التي تُتهم بالانفصال المتزايد عن ناخبيها، تواجه اليوم تحديا من الشارع أكثر من أي وقت مضى، كما ظهر في موجة الاحتجاجات الشعبية الواسعة وغير المسبوقة ضد السلطة في أكتوبر من عام 2019، والتي نددت بالفساد المستشري في المؤسسات وبطالة الشباب والبنية التحتية المتداعية.
وحينها، هزت التظاهرات العاصمة بغداد وجنوب البلاد خصوصا، حيث غالبية السكان هم من الشيعة ويعانون من الفقر والنقص في التنمية، على الرغم من الثروة النفطية الهائلة.
وتتحدّث الشمري عن “تغيير في الأجيال” والابتعاد عن الرغبة في التصويت “على أساس الهوية” الذي استفادت منه الأحزاب الشيعية منذ عام 2005.
وتشرح “في الوقت الحاضر، إذا سألت المواطن الشيعي العادي عما إذا كان قلقا من احتمال ألّا تكون الدولة بيد الشيعة بعد اليوم، فربّما سيكون ذلك آخر ما يقلقه”.
وتضيف أن “معظم العراقيين الذين ولدوا بعد 2003 (…) نشؤوا في دولة يسودها عدم المساواة في الدخل، والفساد المستشري، وهم يكافحون ضدّ ذلك”.