التنوع الثقافي والإنسانية
د يسر الغريسي حجازي
التنوع الثقافي والإنسانية
"يتمحور العالم بشكل متزايد حول نظام أخلاقي وبشري وقيم جديدة لمنح الاهتمام، والاحترام، والحرية، وتحقيق الذات. ويمكن تحقيق الإبداع والمعرفة، مع احترام كرامة الإنسان والفردية بكل تنوعها. لا يمكن أن يحدث التطور، إلا بتماسك الشعوب، والتسامح، والرحمة بينهم".
لماذا التنوع الثقافي اليوم؟ لماذا قد تكون الهجرة عبر الحدود أثرًا ثقافيًا للعولمة؟ ما هو الاختلاف الثقافي ولماذا يتجه العالم نحو الترابط الثقافي؟ الكثير من الأسئلة التي تستحق التفكير العميق فيما يحدث في العالم. ذلك لا يتطلب التنوع فقط، بل ايضا التعبير عنه بطريقة واضحة وشاملة. كانت الولايات المتحدة هي النموذج الأول للتنوع في العالم، حيث أثبتت صعودها التكنولوجي والعلمي وأصبح النموذج الأمريكي إجراءً إيجابيًا من حيث التقدم وفرص العمل (قوانين الحقوق المدنية لعام 1964). كان النموذج الأمريكي لفترة طويلة اداة الطمع في أوروبا، التي تبنت هذا النهج النظري من حيث سياسة الإدارة الاقتصادية والاجتماعية. بعد الحربين العالميتين في أوروبا، أصبح الأمر مسألة عالمية لحماية حقوق الإنسان، وكذلك بناء إمبراطورية مالية غربية منافسة للإمبراطورية الأمريكية والسوفياتية. كما ان التنوع العلمي والتكنولوجي هو نظام اليوم. وتم بناء جسر اقتصادي ومالي واجتماعي وعلمي وتكنولوجي بين دول أوروبا تحت رعاية مجلس أوروبا، وذلك لوضع حد لأنظمة الدول الاستبدادية. بدأ كل شيء بعد سقوط جدار برلين في ألمانيا، ومن هناك تم إبرام الاتفاقيات بين دول أوروبا وتنفيذها. هنا، تم ترتيب التنوع الثقافي الداخلي للدول على أساس احترام الأقليات الناتج عن الهجرة من الغرب، ومسألة وحدة التماسك.
وتوحدت أوروبا من خلال تنفيذ سياسات وجداول أعمال مناهضة للتمييز، لحماية العمالة والخدمات الاجتماعية، والسلع، مع التطورات التشريعية والفقهية الأوروبية. بالإضافة إلى ذلك، ساهمت التعددية اللغوية
لتعزيز التنوع الثقافي في عام 1992. في اعتماد الإعلان العالمي
(اليونسكو عام 2005). علي سبيل المثال، ألمانيا هي دليل على سياسة إدارة التنوع التنظيمي، وعوامل الأداء للأفراد والمنظمات. تثبت أيديولوجية التنوع في الشركات الناشئة مثلا، أن التعددية الثقافية تتدخل على مستوى أسواق العمل التي لا تزال تتوسع على الرغم من الأزمة الاقتصادية العالمية.
كما يساهم هذا النظام وصول الجميع الي فرص العمل، بمن فيهم المعوقون والمهاجرون والنساء والرجال بغض النظر عن الدين والميول الأيديولوجي. ويأتي ذلك في إيتار الدفاع عن حقوق الإنسان، وحق كل فرد في الحصول على حياة كريمة ومهنة متوازنة. لا يحق لأي شخص أن يتضور جوعاً أو يتجمد من البرد او ان لا يكون له سكن. كل مواطن على الأرض الألمانية، يحق له في الحصول على الدعم المالي والإنساني والنفسي والاجتماعي، حتى يتمكن من الاندماج في المجتمع الألماني. خلال ما يسمى بفترة الاندماج، يتم دعم المهاجرين مالياً من قبل الدولة إلى أن يتعلموا اللغة الألمانية، أو يجدون التعليم أو الدراسة المناسبة التي تتوافق مع قدراتهم. خلال هذه الفترة، يتعلمون كذلك القوانين، والنظام الألماني ومتطلبات سوق العمل. بالنسبة لسياسة الدولة، يجب على كل شخص يعيش في ألمانيا، ان يكون قادرًا على العمل من أجل إعالة نفسه وضمان تقاعده في المستقبل.
وأنشأت ألمانيا نظام التنوع الاجتماعي ومتعدد الثقافات في كل أوروبا، بهدف تعزيز العمل الجماعي، وضمان حياة أفضل للجميع، والتسامح، واحترام الثقافات، والعلمانية، والتوافق المتطور والمساواة (ريتشارد رورتي، 1993). لماذا يروج العالم العربي لنظام إقصاء للشعوب الإسلامية؟ إن الأنظمة السياسية التي عفا عليها الزمن لم تضعف المؤسسات فحسب، بل أضعفت أيضًا إمكانيات الرقابة الإدارية والمالية ولم تعد هذه الأنظمة قادرة على حماية شعوبها او تامين ادني حقوقهم الاساسية. معظم السكان العرب لا يستفيدون من التأمين ضد البطالة أو من المزايا الاجتماعية، وحتى من ادني معايير المواطنة والديمقراطية. ان البطالة، والفقر، والاستبعاد الاجتماعي يجعل آلاف المهاجرين كل يوم يبحثون عن الحماية الاجتماعية والحياة الكريمة في الغرب.
كما تعاني الشعوب العربية من التمييز الاجتماعي، والفقر، وهشاشة الحياة كحقائق عنيفة وظالمة. لا يمكن أن يكون هناك تماسك اجتماعي بدون عدالة اجتماعية. بينما يغرق العالم العربي في وحل الانهيار الاقتصادي والمعياري، يتجه العالم الغربي أكثر فأكثر نحو الترميز والاعتراف البشري في جميع نقاشاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية.