سعد كمبش بين الموت والتصفية!
جلال چرمگا*
سعد كمبش بين الموت والتصفية
لا تزال قضية موت رئيس الموقف السابق سعد كمبش تحيطها الكثير من الألفاز، وربما اللغز الأبرز هو مواقف الحكومة التي تثير الشكوك من القضية، وهذا ما سنوضحه من خلال النقاط التالية:
من المعروف ان سعد كمبش لا يمكن أن يتصرف وفق المسرحية التي حاكتها الحكومة العراقية، فتصرفاته كما وردت من قبل وزارة الداخلية العراقية شبهته بتصرفات صبي لا يعرف شيء عن القانون والجرائم والمسؤولية، مع انه رجل مخابرات ضليع في النظام السابق، وتبوأ الكثير من المناصب الرسمية وغير رسمية، لذا تبدو العملية أشبه ما تكون بمهزلة.
ـ ان موقف الحكومة العراقية تجاه كمبش يثير الغرابة، من المعروف ان جميع المسؤولين الشيعة يتم التمويه عن جرائمهم وسرقاتهم، ونستذكر آخر قضية تتعلق بنور زهير وهيثم الجبوري، فهؤلاء سرقوا مليارات الدولارات وليس ملايين كما فعل كمبش، ومع هذا غطت الحكومة على الجرائم وأطلق سراحهم، والبعض من كبار اللصوص الشيعة تم العفو عليهم بقانون عفو عام مثل وزير التجارة السابق عبد الفلاح السوداني او عفو خاص كما حصل من ابن محافظ كربلائي لؤي الياسري فقد أطلق سراحه بأمر رئاسي وقعه الرئيس المبتسم برهم صالحـ وكان الياسري ضابط مخابرات وتاجر مخدرات، وتم تسفيره بعد العفو الى خارج العراق، وهذا ما يقال عن بقية الوزراء وكبار المسؤولين الشيعة وانتهاءا بنور زهير، ولم تقم الحكومة العراقية ووزارة الداخلية بالإستنفار التام كما فعلت مع كمبش، حتى رئيس الوزراء قام بعدة اجراءات شملت قائد فرقة المنطقة الخضراء وغيرها وهذا ما فعله وزير الداخلية، الشمري من إقالات جماعية، وهذه الإجراءات لم يعمل بها مع أي مجرم ولص سابق، وهذا لا يعني ان المسألة طائفية بحته، لكن بما لا يقبل الجدل فيها نفس طائفي واضح,
ـ المسألة المهمة الأخرى لماذا لم تساوم الحكومة سعد كمبش وتطلق سراحة لإسترجاع المبالغ المسروقة كما فعلت مع نور زهير وهيثم الجبوري ووزير التجارة السابق السوداني؟ هل القوانين تطبق حسب مذهب المجرم وانتمائه السياسي؟ وهل يمكن للحكومة أن تجيب على هذا السؤال؟
ـ تم حبس كمبش في سجن داخل المنطقة الخضراء المحصنة والتي لا يمكن ان تدخلها حشرة وليس شخص بلا باج، وداخل هذا المنطقة المحصنة يوجد سجن محصن ايضا، علاوة على كاميرات المراقبة والسيطرات الكثيرة المنتشرة داخل المنطقة الخضراء، والعجب لم تتمكن جميعها من كشف عملية التهريب المزعومة.
ـ ذكرت النائبة اسماء كمبش بأن أخيها مريض جدا لذا فقد عاودته في سجنه للإطمئنان عليه، فكيف تمكن هذا المريض من الهروب والوصول الى مدينة الموصل، وان جميع الأجهزة الأمنية مستنفرة؟
ـ زعمت وزارة الداخلية ان كمبش القي القبض عليه عندما ذهب الى مستشفى الموصل لغرض العلاج وانه أصيب أثر الإعتقال بنوبة قلبية، لكن مستشفى الموصل ذكرت ان كمبش وصلها جثة هامدة وكذبت تصريح وزارة الداخلية، اليس هذا التضارب في الروايتين يستدعي الشك؟
ـ لا يمكن الوثوق بأية عملية تشريح من قبل الأجهزة الطبية في العراق في ضوء تسلط الميليشيات الولائية على القرار السياسي، والمئات قتلوا في السجون جراء التعذيب في حين ترد في الشهادات الوفاة ان المعتقل مات بسبب توبة قلبية أو مرض ما، مع أن آثار التعذيب واضحة على جسد الميت. لذلك سيكون التقرير الطبي حول سبب وفاة كمبش متوافقا مع تصريح الحكومة.
ـ من المعروف ان منصب رئيس الوقف السني يتم بموافقة الولي الفقيه، وان كمبش قدم تنازالت كبيرة للوقف الشيعي، وكان يلتقي بزعامات من الحشد الولائي لتسليمهم الأيرادات أول بأول، ومن المعروف ان رجل المخابرات لا يمكن ان تفوته فرصة توثيق تلك اللقاءات صورة وصوتا، ويبدو ان السيدة اسماء كمبش اوصلت خبر هذه الأفلام الى زعامات الحشد الشعبي، وانه سيفضح الجميع في حال عدم تسوية قضيته، واطلاق سراحه. لذلك تم تدبير مسرحية تهريبة بتلك الطريقة المفضوحة وتعبيره كل السيطرات ونقاط التفتيش بسهولة وإيصاله الى الموصل لغرض تصفيته هناك، كما اوضحت مديرية صحة الموصل بأنه وصلها ميتا وليس حيا كما ادعت وزارة الداخلية العراقية.
ـ يبدو ان النائبة اسماء كمبش أشارت الى نقطة مهمة ومثيرة أوصلتها الى زعماء الحشد الشعبي، وهي ان المبالع التي كان يسلمها كمبش الى حزب الله اللبناني والحشد الشعبي سوف يكشفها للرأي العام، وانه يملك الوثائق والأفلام التي تثبت كلامه في حال عدم تسوية قضيته.
ـ من المعروف ان كمبش غير مرتبط بالأحزاب الحاكمة، ولا توجد عنده ميليشيا لتحمية وتهربه كما فعلت الميليشيات الولائية مثل تهريب قاتل هاشم الهاشمي وغيرها، لذا لا يمكن تصور ان العملية بعيدة عن مشاركة الميليشيات الولائية.
ـ أبلغت النائبة اسماء كمبش بعدم التحدث لوسائل الأعلام وتم التحفظ عليها، وهذا أمر آخر يزيد المشكلة غموضا، فما الذي تخشاه الحكومة من تصريحات اسماء كمبش؟
مع هذا فلا يمكن الجزم في مسألة موت أو إغتيال سعد كمبش في ضوء تعارض الروايات الرسمية، والحكومة العراقية كالعادة ستغطي على الموضوع كما فعلت في كل المآسي السابقة من تفجير الكرادة الى عبارة الموصل الى تهريب الدواعش من سجن ابي غريب، ومجزرة سبايكر وسقوط ثلث اراضي العراق بيد داعش الى قتل ثوار تشرين والمئات من الملفات التي أغلقتها الحكومة دون معرفة نتائج التحقيق.
الحقيقة المرة ان الحكومة التي لا تحترم الشعب لا تجد حرجا في إخفاء المعلومات والحقائق عنه، والشعب الذي يكتفي بتشكيل اللجان لا يستحق اعلامه بنتائج التحقيق.
*رئيس التحرير