محاضرة - المسألة الكوردية في ولاية الموصل (كوردستان العراق) ومصالح دول الجوار
الفريق الركن الدكتور عبد العزيز المفتي
محاضرة-المسألة الكوردية في ولاية الموصل (كوردستان العراق) ومصالح دول الجوار
مؤتمر القاهرة 1921وتشكيل الدولة العراقية الجديدة
وفي مذكرة للحكومة البريطانية من السير هنري دوبس (المعتمد السامي البريطاني في العراق) وضح فيها طبيعة المصالح للدول المجاورة (العراق تركيا وإيران) ورؤية كل واحد منها للقضية الكوردية وتحديد مصلحة هذه القضية الكوردية (كوردستان)، وتناولت هذه المذكرة السرية لهنري دوبس كل ما يتعلق بهذه المصالح. وجاءت هذه الوثيقة لتعكس حالة التمسك بمقررات مؤتمر القاهرة آذار 1921 فيما يتعلق بهذه القضية الكوردية كوردستان ولأهميتها نقدم (نص) هذه الوثيقة( ).
(سأقوم بتفحص الانتقال المقترح للجزء الأكبر من الحدود الكوردية إلى بلاد فارس وأبدأ بوجهة النظر العراقية، وبعدها من وجهة نظر الأكراد وأخيراً من وجهة نظر تركيا.
- المصالح العراقية من وجهة نظر هنري دوبس المعتمد السامي البريطاني في العراق 1925
أ. الأمن
إذا لم يقم العراق العربي الجديد بالسيطرة على الجبال الكوردية (كوردستان الجنوبية –ولاية الموصل) وصولاً إلى قمم أقرب السلاسل الجبلية الرئيسة أي السهول الغنية الواقعة شرقي الموصل فأن إربيل وكركوك ستخضعان لغارات مستمرة يجب أن يتم الحفاظ على سلسلة باهظة الثمن ومتقنة من الأجزاء الدفاعية وربما لن يتم تحقيق ذلك على نحو تام وعندها ستبدأ الزمر القيام بالغارات على السهول، وأن اللحاق بتلك الزمر داخل الحدود الفارسية الجديدة ستكون مسالة متعلقة بالقوة، وأن السيطرة الملائمة التي ستمارسها بلاد فارس على رعاياها الأكراد الجدد ستكون فوق طاقتها، وسيكون هناك انقسام حاد متكرر بين العراق وبلاد فارس وأنني أشك فيما إذا كان بالإمكان حماية خطوط السكك الحديد المهمة جميعها من كركوك إلى الموصل عن طريق اربيل في تلك الظروف أن ذات الأسباب التي دفعت الهند إلى إحكام سيطرتها على جبل (باشان) قد دفعت العراق إلى أن يحذو حذو الهند فيما يتعلق بالسلاسل الجبلية الكوردية (كوردستان الجنوبية).
ب. المصالح المالية البريطانية
إن الضريبة المفروضة على التبغ في السليمانية تجلب إلى العراق العربي الجديد سنوياً ما يقدر بـ (200) ألف باون في ذلك الوقت وأن العراق العربي الجديد غير مستعد وغير قادر على التخلي عن ذلك المصالح السياسية أن ممثلي الأكراد في المجلس النيابي العراقي يعدون العنصر الراسخ في السياسة قد قاموا بالتصويت بالإجماع بخصوص الاتحاد البريطاني، وقد تكون النتيجة انسحابهم في المجلس لا يمكن التنبؤ بها.
وأعتقد بأن العراقيين الأكراد يقاتلون حتى الموت ضد خضوعهم لسيطرة بلاد فارس (إيران) وسوف يعدون انتقالهم إلى بلاد فارس بواسطة بريطانيا خيانة رهيبة خصوصاً وأنهم قد قاموا بتأييد الارتباط وأصروا على ذلك، حقيقة أنهم (اكراد كوردستان –ولاية الموصل) كانوا منزعجين من تركيا الكمالية بسبب سياسة مصطفى كمال أتاتورك المناهضة للدين الإسلامي الحنيف ولكنهم يفضلون أن يكونوا تحت ظل التتريك، وتحت المظلة التركية المناهضة للدين الاسلامي من أن يقيموا تحت سيطرة بلاد فارس (ايران) المنشقة عن العقيدة الإسلامية المذهب الشيعي، وعلاوة على ذلك قامت بلاد فارس (إيران) بإخضاع ونزع السلاح عن الكورد القاطنين فيها (كوردستان ايران) على نحو صارم تماماً كما هو الحال في تركيا الحديثة على الرغم من أنها لم تكون قوية على نحو كافي لتنفيذ هذه السياسة على نحو شامل كما هو الحال في تركيا.
ج. المصالح التركية في كوردستان تركيا
إن الغرض الرئيس وراء السياسة التركية تجاه الأكراد الساكنين داخل حدود معروفة تماماً (كوردستان) وهو أنها قد تتمكن من إزالة الحاجز الكوردي القائم بينه وبين السكان الأتراك القاطنين في المحافظة الفارسية أذربيجان.
إن أول المؤيدين للطورانيين هم شعب أذربيجان،ونعلم أن مصطفى كمال اتاتورك وبسبب جهله المذهبي بالعاطفة الفارسية، وبسبب نوع من المعارضة البلشفية قد تجاوز حدوده إذ أنه أمر السفير التركي في طهران بالتفاوض مع بلاد فارس بخصوص التخلي عن أذربيجان لتركيا. (أن انتقال كورد العمادية وراوندوز) إلى بلاد فارس (كوردستان إيران) سيعطيهم الحق في دق اسفين في جانب من طريق تركيا باتجاه أذربيجان، وهذا سوف يؤدي إلى انحسار هدف الأتراك في سياستهم الكوردية، وسيكون أمراً لا يرضون عنه البته وأنني (هنري دوبس المعتمد السامي البريطاني في العراق الجديد وهي ضمن السياسة البريطانية في العراق) على يقين بأنهم يفضلون حينها إبقاء الكورد في كوردستان تحت الحكم العراقي.
وتمتد جذور الشك التركي نحونا (بريطانيا) إلى الفقرة الموجودة في معاهدة (سيفر) 1920 التي تنص على قيام كوردستان مستقلة، وقد قمت (هنري دوبس المعتمد السامي البريطاني في العراق الجديد) بإتباع سياسة في العراق وبصورة مستمرة مفادها أن أزيل العاطفة الوطنية الكوردية، وأن أجعل الإدارة الكوردية مشابهة لتلك الموجودة في بقية أرجاء البلاد فبين العمادية وراوندوز. لن يبقى أي وجود للعاطفة الوطنية الكوردية بصورة عملية في الوقت الحاضر وعلى طول الحدود العراقية الشرقية امتداداً من راوندوز وحتى حلبجة وما زالت العاطفة الكوردية الوطنية قائمة غير أنها لم تعد بتلك الشدة وسوف تختفي حالما يتم القضاء على الشيخ محمود الحفيد البرزنجي. وأن الامتيازات التي يتمتع بها الأكراد حالياً، بقدر تجاوبها مع الإدارة الجديدة البريطانية، ما هي إلا لكون المسؤولين الكورد الكبار تم تعيينهم في مناطقهم، ويتم تدريس اللغة الكوردية جنباً إلى جنب مع اللغة العربية في المدارس، وفي المناطق الكوردية البحتة ويحق للمسؤولين الذين في رتبه أدنى أن يتصلوا بالمقرات الخاصة بالفرقة العسكرية ومخاطبتهم باللغة الكوردية. وعلى أية حال فإن تلك المقرات عليها أن تخاطب الحكومة المركزية باللغة العربية، ومن الممكن تقديم الالتماسات باللغة الكوردية، أن هذا لا أعده حكماً ذاتياً في أي صيغة، أن الزمر الإدارية التي تلحق الكورد بالعراق الجديد هي تقدم على نحو محكم ويبدو حكماً إذا ما تم هذا التوضيح وهذه الحالة من الشؤون بحذر ويعبر للكورد. وإذا ما قمنا بالتعهد بأن السياسة البريطانية السابقة سيتم إتباعها على نحو ثابت، وهذا ما سيؤدي إلى تقليل شكوكهم هنري دوبس (6 December 1925).
وكانت هذه الرؤية للمعتمد السامي البريطاني في العراق هنري دوبس هي انعكاس لسياسة بريطانيا بعد مؤتمر القاهرة في آذار 1921 تجاه الكورد في كوردستان العراق (ولاية الموصل) وجدت السلطات البريطانية أن الاستمرار في سياستها الاضطهادية ضد الكورد في كوردستان العراق (ولاية الموصل)، وأتساع ساحة الانتفاضات الوطنية الكوردية لتشمل كوردستان، سياسة مكلفة بالنسبة لها، لهذا بدأت منذ مرحلة ما بعد مؤتمر القاهرة آذار 1921 مباشرة، بأتباع سياسة جديدة بإعادة الحقوق للشيخ محمود الحفيد الذي عاد من منفاه إلى بغداد في 12 أيلول 1922 ووعد الشيخ محمود الحفيد بمساندة السياسة البريطانية، ووعدوه بالحصول على المساندة من الحكومة العراقية في توحيد الكورد كما سمح الملك فيصل لبعض الضباط الكورد في مساعدة الشيخ محمود البرزنجي في تنظيم قوات المجندين الكورد، ولكن ما لبث الشيخ محمود الحفيد وبعد شهر واحد على وصوله للسليمانية التي كانت تخضع للإشراف المباشر من قبل المعتمد السامي البريطاني( ).
وقد طلبت بريطانيا من تركيا الحديثة الكمالية أن تعترف للكورد بالاستقلال الذاتي ضمن مناطقهم في كوردستان تركيا( ).
أما موقف الحكومة البريطانية من قضية تقرير المصير للكورد في كوردستان العراق الجديد فكانت تحددها بشكل تام مصالحها الاستعمارية وكانت تعمل على تحويل القضية الكوردية إلى ورقة سياسية ضاغطة على الحكومة العراقية الجديدة.
- بريطانيا والعراق والحكم الذاتي للكورد في كوردستان العراق (ولاية الموصل)
لم تتجاهل الحكومة العراقية الجديدة أي حقوق للكورد بما فيهم منحهم للحكم الذاتي (ولاية الموصل) ضمن حدود كوردستان العراق الجديد وكانت متطابقة في رأيها مع الموقف البريطاني الذي اعترف بمنح الشعب الكوردي الحكم الذاتي (ولاية الموصل) وفق تصوراتها فقد اوضح هنري دوبس (Henry Dobbs) المعتمد السامي البريطاني الثاني في 22 نيسان 1925 في مؤتمر وحضرهُ ياسين الهاشمي رئيس الوزراء العراقي والمستر إيمري (Aemry) وزير المستعمرات البريطاني بعد ونستن تشرشل الذي أصبح رئيس وزراء بريطانيا( ) أن تحقيق الحكم الذاتي للكورد (ولاية الموصل) فقد نصت عليه معاهدة سيفر 1920 وكانت هناك رغبة لدى السلطات البريطانية بجعل كوردستان الجنوبية (ولاية الموصل-كوردستان العراق) تتمتع بحكم ذاتي ضمن الحدود كوردستانية العراقية ويعترف هنري دوبس نفسه (بأن ما تتمتع به المناطق الكوردية (كوردستان) من امتيازات كثيرة منها تدريس اللغة الكوردية جنباً إلى جنب مع اللغة العربية وتعيين الكورد في مناطقهم الكوردية (كوردستان) وحقهم في الاتصال بالمقرات العسكرية وتقديم الالتماسات كلها تؤكد بأنهم يتمتعون بالحكم الذاتي)( ) لهذا كان تصور بريطانيا نحو الحكم الذاتي للشعب الكردي في ولاية الموصل –كوردستان العراق لا يتجاوز تعيين أبناءها في مناطقهم الكوردية، (كوردستان) وباستخدام لغتهم الكوردية والاتصال بالمقرات البريطانية العسكرية وهو لا يمل سوى الخضوع لسلطة بريطانية بالدرجة الأساس وان القضية الكوردية أعطت الحكومة العراقية الجديدة في هذه المرحلة اهتماماً كبيراً لهذه المنطقة الكوردية (كوردستان العراق) وظهرت شعارات عديدة تدعو إلى اتخاذ وتأسيس (اتحاد كوردي) يضم الألوية (المحافظات الشمالية –كوردستان العراق)( ) وطلبت الحكومة العراقية إرسال مبعوثين عن الكورد إلى بغداد للتباحث بشأن علاقاتهم السياسية والاقتصادية مع بغداد، وأعطى مجلس الوزراء العراقي في 8 تموز 1923 ضمانات للكورد في ولاية الموصل –كوردستان العراق منها، أن لا تتولى الحكومة تعيين موظف عربي في الأقضية الكوردية من كوردستان، فيما عدا الفنيين منهم ولا يلتزم سكان الأقضية الكوردية من كوردستان باستعمال اللغة العربية جبراً، وخصصت مبالغ كبيرة للإصلاحات في هذه المناطق من كوردستان( ). وهو ما يدلل على شعور الحكومة العراقية العربية الجديدة بأن هذه المناطق الكوردية من ولاية الموصل –كوردستان العراق- جزء لا يتجزأ من العراق العربي الجديد والتسامح الكبير معهم، واستطاعت الحكومة العراقية تفنيد كل مزاعم الحركات الانفصالية الكوردية في كوردستان العراق (ولاية الموصل) ولم تعطها فرصة لتغذية طروحاتهم واستمرت بتنفيذ سياستها بزيادة المدارس وتعيين الكورد في المركز الإدارية الكوردية، ووافق مجلس الوزراء العراقي على إنشاء خط المواصلات الحديدي ووافق ياسين الهاشمي رئيس الوزراء العراقي على تشريع قانون مستقل لميزانية إدارة اللواء (محافظة) السليمانية، وتقدمت الحكومتان العراقية والبريطانية في 11 تموز 1923 بيان أكدتا فيه هذه الإجراءات.
* الكورد في مؤتمر القاهرة آذار / مارس 1921
نجد من خلال هذا الاستعراض للمسالة الكوردية أن مؤتمر القاهرة آذار 1921م يمثل حجر الأساس في السياسة البريطانية إزاء العراق العربي الجديد بشكل عام والمسألة الكوردية (ولاية الموصل –كوردستان العراق-) بشكل خاصة من حيث وضع السياسات التي اعتمدتها بريطانيا حول هذه المسألة الكوردية (ولاية الموصل)، وسارت عليها طيلة عهدي الانتداب والاستقلال واتضحت من خلال سياستها مدى (النفاق السياسي) الذي اعتمدته بريطانيا، بحيث استهدفت هذه المسألة الكوردية في كوردستان العراق كورقة سياسية للضغط على الحكومة العراقية العربية الجديدة.
ولقد تباينت السياسة البريطانية إزاء هذه المسالة الكوردية (ولاية الموصل –كوردستان العراق-) بين مرحلة وأخرى، وربما ينسجم مع مصالحها البريطانية في العراق الجديد.
ولا بد من الإشارة في هذا المجال إلى الأخوة العربية الكوردية ظلت ثابتة وقوية رغم كل البيانات المعادية لها، لأنها متجذرة في الشعب والوطن تجذراً تاماً، في حين أن الصراع بين العرب والكورد كان تشويها للتاريخ فقد جمعهم هدف واحد هو التحرر من الاستعمار، كما أن طلائع النضال الكوردي أسهمت هي الأخرى، وبشكل فاعل في تأكيد وحدة العراق الوطنية، كما أن الشعور الذي عاشه الكورد ضمن هذه المرحلة من تاريخ العراق (1900 – 1958) بوجود اضطهاد ضدهم (الكورد)، كان من جراء اضطهاد الجماهير الكوردية بشكل عام من قبل الحكومات العراقية المتعاقبة وليس محصوراً في أطار قومية معينة لهذا فإن طريق تحقيق المصالح القومية للكورد (تم عبر النضال الوطني للشعب العربي) بكل انتمائه كما أن من النتائج التي خلفتها السياسة البريطانية في العراق الجديد تخوف الكورد (الشعب الكوردي) أو جزء منهم من العروبة والتعريب لهم، وكان حقوق الجزء تتناقض مع الكل.
والدليل على أن الاستعمار البريطاني وسياساته هو الذي خلق هذه المسألة، لأنه لا يوجد قبل قيام الحرب العالمية الأولى ذلك، وخاصة في العهد الحميدي (السلطان عبد الحميد الثاني) ما يطلق عليه المسالة الكوردية، وهو دليل واضح على ذلك.
* مؤتمر القاهرة في آذار 1921 وتأثيره على الحكومة العراقية العربية المؤقتة
انعقد الاجتماع الأول للجنة السياسية لمؤتمر القاهرة في 12/3/1921 وأوضح السير برسي كوكس المندوب السامي البريطاني في العراق أمام اللجنة السياسية وبطلب من رئيسها ونستن تشرشل الخطوات التي وجد من الضروري اتخاذها عند وصول برسي كوكس إلى العراق وفي مقدمتها تشكيل نوع من الحكومة المؤقتة في العراق، وقد دعى عبد الرحمن النقيب لتشكيل الوزارة( ). لم يكن هذا المجلس (مجلس الوزراء العراقي) مؤقتاً فقط ولكنه معين أيضاً. وكان من المستحيل إدارة شؤون البلاد من مجلس الوزراء بصورة دائمية( ).
وكان برسي كوكس يرى أيضاً بأنه لن يستطيع العودة إلى بلاد العراق والإعلان عن التأخير الذي يجب أن يمر قبل استبدال الحكومة العراقية المؤقتة بسلطة أكثر كفاءة، وقد اتفق الجميع على وجوب تأليف حكومة محلية دائمية يترأسها حاكم( ).
طرحت اللجنة السياسية أسماء المرشحين لحكم العراق الجديد وهم:
1. السيد عبد الرحمن النقيب (رئيس وزر اء العراق).
2. السيد طالب النقيب (وزير الداخلية العراقي).
3. الشيخ خزعل (أمير المحمرة).
4. عبد العزيز بن سعود (من أمراء الحجاز).
5. الآغا خان (من أمراء بشتكو – إيران).
6. برهان الدين (أمير عثماني تركي)( ).
وفيما يخص الأول عبد الرحمن النقيب، فقد كان برسي كوكس مقتنعاً بأن الرأي العام المحلي لن يوافق أبداً على ترشيح حاكم محلي لذلك فإن عبد الرحمن النقيب والسيد طالب النقيب لن يكون لهما مجال في الوصول إلى عرش العراق الجديد( ).
في الحقيقة أن رأي برسي كوكس لا يمثل فعلاً الرأي العام المحلي للعراقيين وإنما يمثل وجهة نظر الحكومة البريطانية، باعتبار أن الحاكم إن لم يكن عراقياً فإنه سيفاجأ بالمشاكل التي ستواجهه بسبب انقسام الشعب العراقي من ناحية تعدد الأديان السماوية، ومن ناحية تعدد المذاهب الإسلامية ومن ناحية التنوع القومي (عرب، أكراد، تركمان ..) فلذلك سيكون مستعداً لخدمة مصلحة بريطانيا لكي تساعده في مواجهة هذه المشاكل، وبذلك تتمكن بريطانيا من ضمان تمرير مصالحها من خلال هذا الحاكم (الغير عراقي). أما إذا كان الحاكم عراقياً فإنه سيتمكن من السيطرة على زمام الأمور بكل سهولة وقد يتعاطف مع شعبه العراقي فيما لو تعارضت مصلحة الشعب العراقي مع مصلحة بريطانيا، لذلك فإن بريطانيا لن تتمكن من ضمان تمرير مصالحها من خلال الحاكم العراقي. وعلى هذا الأساس سقط من القائمة اسم كل من( ):
1. عبد الرحمن النقيب الذي وصف من قبل برسي كوكس والمس بيل بأنه يترنح على حافة القبر.
2. السيد طالب النقيب الذي وصف هو الآخر من قبل برسي كوكس والمس بيل بأن وظيفته التآمر. وهو رجل ذو شخصية رديئة ولا يوثق به( ).
أما بقية الأسماء المرشحة لعرش العراق الجديد ضمن القائمة الأولى فقد أسقطت حيث أصبح توجه بريطانيا باختيار حكم عربي من عائلة شريف مكة، وإن هذا الاختيار سيكون موضوع ترحيب في العراق، على أن لا يُعلن أن هذا الاختيار تم من قبل حكومة صاحب الجلالة البريطانية( ).
إن بريطانيا قررت وجوب اختيار حاكم عربي من عائلة الشريف حسين بن علي وبالذات الأمير فيصل قبل انعقاد مؤتمر القاهرة في 12 آذار 1921. وهذا يبدو واضحاً من خلال الدراسة المقدمة من هيئة الأركان العامة التابعة لوزارة الحرب البريطانية في 17/شباط/1921. ومن هذا نستنتج بأن بريطانيا أقنعت اقتناعاً تاماً بأن فيصلا هو الأفضل لتحقيق مصالحها في العراق الجديد. مع العلم أن اسمه لم يُطرح من قبل اللجنة السياسية المنبثقة من مؤتمر القاهرة ضمن القائمة الأولى للمرشحين لعرش العراق. واعتقد بأن السبب الحقيقي وراء ذلك هو (نوع من عمل المناورة). فاللجنة السياسية ستسقط الأسماء المرشحة عند دراسة نقاط الضعف في كل شخصية مرشحة لعرش العراق. وبعد إسقاط الأسماء المرشحة كلها سيُطرح اسم الأمير فيصل فبذلك تكون اللجنة السياسية مهيأة لدراسة نقاط القوة في شخصية الأمير فيصل، وهذا مما يهيئ الجو لتحقيق هدف بريطانيا في اعتلائه عرش العراق، وتحقق بريطانيا مصالحها في العراق بشكل أفضل( ).
أما بالنسبة لما ورد من أن هذا الاختيار يجب أن لا يصرح بأنه تم من قبل بريطانيا، فذلك لأن بريطانيا مقتنعة اقتناعاً تاماً بأن الشعب العراقي لو علم أن بريطانيا وراء اختيار الأمير فيصل لعرش العراق فإن فرصته في نيل عرش العراق ستكون ضعيفة جداً، إن لم تكن مستحيلة فعلاً.
قرر مجلس الوزراء البريطاني في جلسته المنعقدة في 22 آذار 1921 ما يأتي:
1. عودة برسي كوكس بأسرع ما يكون إلى العراق لتهدئة الحالة السياسية في العراق الجديد.
2. تهيئة الشعب العراقي لقبول ترشيح الأمير فيصل لعرش العراق.
3. إخبار الأمير فيصل بصورة شخصية بوجوب عودته من لندن إلى مكة ليشاور والده الشريف حسين بن علي وأخاه الأمير عبد الله بأنه سيرشح نفسه لعرش العراق.
4. إخبار الأمير فيصل بأنه سيقبل ترشيحه من قبل شعب العراق، وبريطانيا ترحب بترشيحه على أن يستعد لقبول شروط الانتداب على العراق كما هي موضوعة أمام عصبة الأمم، وأن لا يستعمل منصبه لأن يكيد أو يهاجم الفرنسيين.
5. قبول الانتداب البريطاني من قبل الأمير فيصل لا يمنع من إجراء تعديل للعلاقات بين الدول المنتدبة (بريطانيا) وحكومة العراق الجديد يتفق عليها، على الرغم من إنه لا يظهر من الضروري في هذه المرحلة الكلام على المعاهدة البريطانية -العراقية( ).
وعلى هذا الأساس وجه العقيد لورنس بموجب أمر من الحكومة البريطانية رسالة إلى الأمير فيصل هذا نصها: "الأمور تجري بالضبط كما يؤمل. نرجو منك الشروع بالسفر إلى مكة وبأسرع وقت ممكن .."( ).
إن هذا يعني تحوير صك الانتداب إلى صيغة معاهدة للتخفيف من حدة معارضة الشعب العراقي لتسلم الأمير فيصل عرش العراق الجديد الذي من المحتمل أن يقبل بشروط الانتداب التي رفضها الشعب العراقي منذ صدور القرار في 24/نيسان/1920 بموجب مقررات مؤتمر سان ريمو 1919 في فرنسا.
في 23 نيسان المصادف يوم السبت عام 1921 صدرت الأوامر لفيصل بوجوب إرسال برقيات إلى نقيب إشراف بغداد عبد الرحمن النقيب رئيس الحكومة العراقية المؤقتة منذ سنة 1920، وأحد المرشحين المهمين المنافسين لفيصل لعرش العراق، وكذلك للسيد طالب النقيب الذي كان وزيراً للداخلية في عهد الحكومة العراقية المؤقتة ـ وأحد المرشحين لعرش العراق ـ لكي يضمن دعمها حين وصلوه إلى العراق( ). ومن الملاحظ بأن حتى تاريخ إرسال البرقيات حددته بريطانيا بيوم 23/نيسان/ 1921.
إن الحكومة البريطانية توقعت أن يكون إعلان الأمير فيصل الذي سيتم بعد وصوله إلى البلاد (العراق) سينتج عنه نوع من رد الفعل لدى عامة الشعب العراقي وهذا يجعل من غير الضروري مطالبة مجلس الوزراء العراقي بمناقشة موضوع تنصيب الأمير فيصل حاكماً على العراق حيث أنهم ببساطة سيطالبون بصورة مباشرة أو غير مباشرة بتسمية الأمير فيصل حاكماً (ملكاً) على العراق الجديد ( ).
إن بريطانيا لم ترغب بإعطاء مجلس الوزراء العراقي أهمية في مسألة تنصيب الأمير فيصل فلذلك أشاروا "بأنه من غير الضروري مطالبة مجلس الوزراء بمناقشة موضوع تنصيب الأمير فيصل حاكماً على العراق".
وأعتقد بأن بريطانيا لم ترغب بأن يكون لمجلس الوزراء العراقي دور في تنصيب الأمير فيصل على عرش العراق لكي لا يرتبط بهم وبالشعب العراقي ترشح الأمير فيصل على عرش العراق، وإنما أرادت أن يشعر الأمير فيصل بأن بريطانيا هي الوحيدة التي لها الفضل في اعتلائه لعرش العراق لكي تضمن استمرارية تبعيته لبريطانيا، وبذا سيكون مستعداً لتمرير المصالح البريطانية بسهولة.
بعد تنصيب الأمير فيصل ملكاً على العرش العراقي يقوم الملك فيصل بحل الحكومة العراقية المؤقتة الانتقالية الحالية، أي مجلس الوزراء، وسيطلب من نقيب إشراف بغداد عبد الرحمن النقيب بتشكيل مجلس وزاري عراقي جديد( ).
من هذا نستدل بأنه حالما يتسلم الأمير فيصل عرش العراق فإنه سيقوم بحل مجلس الحكومة الانتقالية أي مجلس الوزراء الذي يترأسه عبد الرحمن النقيب باعتبار أن تسلم الحكم من قبل الأمير فيصل وتكوينه حكومة محلية دائمية (ملكية - وراثية - دستورية - ديمقراطية) يعد تغييراً جوهرياً، ولذلك على الوزارة أن تقدم استقالتها للملك فيصل حالما يعتلي عرش العراق. ونلاحظ كيف أن الحكومة البريطانية تتدخل بدقائق الأمور وهذا يبدو واضحاً من خلال خضوع الملك فيصل لطلب بريطانيا بوجوب تأليف الوزارة الجديدة من قبل عبد الرحمن النقيب ويدل على أن بريطانيا خططت كل ما يتعلق بمستقبل العراق الجديد بحيث يكون مهيأ لخدمة مصالحها في العراق.
قررت اللجنة السياسية المنبثقة عن مؤتمر القاهرة دراسة كل ما يتعلق بمنطقة ولاية الموصل أي المنطقة الشمالية الكوردية (كوردستان) من العراق وتشمل (كركوك-سليمانية-اربيل-الموصل وضمنها دهوك الحالي) وجرت محاولات لأجل فصل المنطقة الكوردية (ولاية الموصل –كوردستان العراق) عن بقية أجزاء من العراق االعربي لجديد. إلا أنهم عدلوا عن ذلك فيما بعد بناء على اقتراح برسي كوكس والمس بيل اللذين أكدا على رغبة الأكراد بالانضمام إلى العراق الجديد تأكيداً على الوحدة الوطنية العراقية( ).
أما اللجنة العسكرية لمؤتمر القاهرة فقد قررت وجوب تخفيض النفقات المصروفة في العراق على الجيش البريطاني والهندي والبالغ عدده (75,000) وكانت كلفته تبلغ (25) مليون باون إسترليني( ).
لأجل تخفيض النفقات المصروفة على الجيش البريطاني والهندي في العراق، استوجب تخفيض عدد الجيش البريطاني. ولأجل تأمين الحدود العراقية أثيرت مسألة تشكيل جيش عراقي على أساس التجنيد الاختياري ليحل محل الجيش البريطاني والهندي المنسحب تدريجياً من العراق( ).
( ) Co, 371, 9847, 2267
Tel From the High Commissioner of Iraq to the Secretary of State for the Colonels 27th August 1921. PP. 109, 110.
( ) العراق سنوات الانتداب البريطاني، ص 321.
( ) هنري فوستر نشأة العراق الحديث، المصدر نفسه ص 375.
( ) Co, 630, - 88, 54618. Memorandum by sir Genry dobbsl 6 Dec. 1925.
( ) Co, 730.88, 54618. Op. cit.
( ) F.O. 371 – 14521 – 5247
Tel, From the Acting H. C. of Iraq to London, 1925.
( ) د. ك. البلاط الملكي ملفات كوردستان 1923 – 1924 كتاب دار الاعتماد البريطاني. 173 B.o في 16.
( ) Report on middle east – section 11. Mesopotamia appendix 6. political agenda 2, P. 39.Appendix. 6 mesopotami. First meeting of political committee, in 12th March / 1921, P. 39.
( ) Ibid, P. 39.
( ) Ibid, P. 39.
( ) Ibid, P. 39
( ) Ibid, P. 39
( ) د. رجاء حسين خطاب، المدخل في تاريخ العراق المعاصر، ص217.
( ) From Mr. Charchill to the prime minister. In 18th March / 1921. Secret and personal. Telegram No. 5, P. 6, Co. 730, 13/05225 – P. R. O. London.
( ) Report on middle east, Appendix 6, Mesopotamia. First meeting of political committee, in 12th March /1921, P. 40.
( ) رجاء حسين حسني الخطاب، مؤتمر القاهرة وتأثيره على تطور الوضع السياسي في العراق، بغداد – 2000، مخطوط، ص 23.
( ) From Prime minister to Mr. Churchill in 22 March 1921, No. 193, very urgent secret, p. 9, C. o. 730. 13. 05225, P. R. O. London.
( ) From Mr. Churchill to prime minister. In 23 March, 1922. No. Y 2. 98. 10. Co. 730. 13/05225, P.R.O. London.
( ) Report on middle east, Appendix, 6. Mesopotamia third meeting of political committee in 14th March / 1921. P. 45.
( ) Ibid, P. 45.
( ) Ibid, P. 45.
( ) Report on middle east – appendix, 10. Kurdistan Fourth meeting of political committee. In 15 March /1921, P. 1.
( ) From G. E Crosland to the air office. In 5 March / 1921, P. 1.
( ) Report on middle east, appendix 10. Third meeting of military committee. In 13 March / 1921, P. 65.
الفريق الركن الدكتور
عبد العزيز المفتي
كانون الثاني 2014