جبال الأنديز.. ما السر وراء ضخامة أطول سلسلة جبلية على الأرض؟
جبال الأنديز التي تمتد على ساحل القارة الأميركية الجنوبية هي الأضخم والأطول على الإطلاق.
الجزيرة/عمرو شكر:من المعروف أن قمة إيفرست في جبال الهيمالايا على الحدود الصينية النيبالية هي الأعلى على سطح الأرض، حيث يصل ارتفاعها ل 8849 متر فوق سطح البحر، إلا أن جبال الأنديز التي تمتد على ساحل القارة الأميركية الجنوبية هي الأضخم والأطول على الإطلاق، حيث يبلغ عرضها 700 كيلومتر، ويصل طولها 8900 كيلومتر، ولكن السبب وراء نشأة وضخامة هذه السلسلة الجبلية كان محل دراسة العلماء، وكثرت الفرضيات التي حاولت تفسير الأمر.
فرضية جديدة
فرضية جديدة يضعها باحثون من جامعة كوبنهاغن (University of Copenhagen) باستخدام طريقة جديدة، حيث درسوا عن كثب الصفيحة التكتونية التي ترتكز عليها السلسلة الجبلية، وقد سلط اكتشافهم ضوءا جديدا على كيفية ظهور جبال الأنديز.
وتم نشر نتائج الدراسة في دورية "إيرث آند بلانيتيري ساينس ليترز" (Earth and Planetary Science Letters). وتظهر الحسابات الجديدة التي أجراها الباحثون أن صفيحة أميركا الجنوبية بدلت وتيرة حركتها فجأة وبشكل مذهل وتباطأت في مناسبتين مهمتين على مدى 15 مليون سنة الماضية، وهو ما قد يكون ساهم في توسيع السلسلة الهائلة.
ويشرح الباحثون في البيان الصحفي الذي نشره موقع جامعة كوبنهاغن في 13 أبريل/ نيسان الجاري أن الصفائح التكتونية تغطي سطح الأرض مثل قطع "البزل" الضخمة، وتتحرك بضعة سنتيمترات كل عام بالوتيرة نفسها التي تنمو بها أظافرنا، ومن وقت لآخر يمكن أن تتسارع هذه الصفائح فجأة أو تتباطأ، إلا أننا لا نعرف سوى القليل عن القوى وراء تلك الأحداث، وقد توصل باحثو جامعة كوبنهاغن إلى تقديرات أكثر دقة من أي وقت مضى، وشمل ذلك عدد وقدر تغيرات سرعة الصفائح تاريخيا.
ويذكر البيان الصحفي أيضا أن التباطؤين المفاجئين قد حدثا بين الفترات التي كان فيها نطاق جبال الأنديز تحت ضغط وينمو بشكل طولي بسرعة، وتشرح المؤلفة الأولى وطالبة الدكتوراة فالنتينا إسبينوزا من قسم علوم الأرض وإدارة الموارد الطبيعية هذا الأمر قائلة إنه "في الفترات التي سبقت التباطؤين، اندفعت الصفيحة الواقعة إلى الغرب مباشرة -صفيحة نازكا- في الجبال وضغطتها، مما جعلها تنمو أطول".
وتضيف أن "هذه النتيجة يمكن أن تشير إلى أن جزءا من السلسلة الموجود مسبقا كان بمثابة مكبح على كل من صفيحة نازكا وصفيحة أميركا الجنوبية. ومع تباطؤ سرعة الصفائح، نمت الجبال عرضيا".
الأسباب وراء التباطؤ
ووفقا للدراسة الجديدة، فقد تباطأت صفيحة أميركا الجنوبية بنسبة 13% خلال فترة حدثت قبل حوالي 14 مليون سنة، وبنسبة 20% خلال فترة أخرى قبل حوالي ما 5 ملايين و9 ملايين سنة، وهذه تغيرات سريعة ومفاجئة للغاية بالنسبة للزمن الجيولوجي، ووفقا للباحثين فإن هناك سببين رئيسيين محتملين للتباطؤ المفاجئ في أميركا الجنوبية، فقد يكون السبب مرتبطا بتمدد جبال الأنديز، حيث خف الضغط واتسعت الجبال.
ولكن فرضية الباحثين هي أن التفاعل بين تمدد الجبال والسرعة المنخفضة للصفيحة كان بسبب ظاهرة تسمى التَطَبُّق أو التَّرَقُّق، التي تعني أن قدرا كبيرا من المواد غير المستقرة تحت جبال الأنديز انفصلت وغرقت في الوشاح، مما تسبب في إعادة ضبط تكوين الصفيحة.
وتسببت هذه العملية في تغيير شكل جبال الأنديز والنمو بشكل جانبي، وخلال هذه الفترات امتدت سلسلة الجبال إلى تشيلي في الغرب والأرجنتين في الشرق، وكلما راكمت الصفيحة المزيد من المواد الجبلية وأصبحت أثقل، تباطأت حركتها.
وتعلق إسبينوزا على ذلك قائلة "إذا كان هذا التفسير هو التفسير الصحيح، فإنه يخبرنا كثيرا عن كيفية ظهور هذه السلسلة الجبلية الضخمة. ولكن لا يزال هناك الكثير مما لا نعرفه. لماذا أصبحت كبيرة جدا؟ بأي سرعة تشكلت؟ كيف تحافظ سلسلة الجبال على نفسها؟ وهل ستنهار في النهاية؟"
هناك تفسير آخر محتمل لسبب تباطؤ الصفيحة بحسب ما يعتقده الباحثون، وهو أن هناك تغيرا في نمط تدفق الحرارة من باطن الأرض -يعرف باسم الحمل الحراري- انتقل إلى أعلى طبقة لزجة من وشاح الأرض تطفو عليها الصفائح التكتونية، وقد ظهر هذا التغير على هيئة تغيير في حركة الصفيحة، ويمتلك الباحثون الآن المعلومات والأدوات لبدء اختبار فرضياتهم من خلال النمذجة والتجريب.
نمذجة لبيانات عالية الدقة
تعتمد طريقة حساب التغيرات في حركة الصفائح التكتونية على العمل السابق للأستاذ المساعد والمؤلف المشارك للدراسة جيامبيرو إيفالدانو وتشارلز ديميتس في عام 2016، حيث تتميز هذه الطريقة بأنها تستخدم بيانات جيولوجية عالية الدقة، وعادة ما تستخدم فقط لحساب حركة الصفائح بالنسبة لبعضها البعض.
غير أنه في هذه المرة قد تم استخدام البيانات نفسها لحساب التغيرات في حركة الصفائح بالنسبة للكوكب، مما يوفر تقديرات بدقة غير مسبوقة، وبعد اختبار الطريقة بمزيج من 6 صفائح تكتونية أخرى، يعتقد الباحثون أنها يمكن أن تصبح طريقة قياسية جديدة.
يقول جيامبيرو إيفالدانو "يمكن استخدام هذه الطريقة لجميع الصفائح، طالما تتوفر بيانات عالية الدقة. وآمل أن يتم استخدام هذه الطريقة لتحسين النماذج التاريخية للصفائح التكتونية، ومن ثم تحسين فرصة إعادة بناء الظواهر الجيولوجية التي لا تزال غير واضحة لنا".
ويضيف "إذا تمكنا من فهم التغييرات التي حدثت في حركات الصفائح بمرور الزمن بشكل أفضل، فيمكن أن تتاح لنا الفرصة للإجابة على بعض أعظم الألغاز في كوكبنا وتطوره. فما زلنا نعرف القليل جدا، على سبيل المثال حول درجة الحرارة من باطن الأرض، أو حول الوقت الذي بدأت فيه الصفائح في الحركة. ويمكن على الأرجح استخدام طريقتنا للعثور على قطع لهذا اللغز الكبير".