هل حقيقة ان الجريمة الاسرائيلية يوم امس جاءت نتيجة (خدعة)؟ ومن هي الاطراف المخدوعة؟ ولماذا تقبل بان تُخدع بصورة مستمرة؟
د. سعد ناجي جواد*
هل حقيقة ان الجريمة الاسرائيلية يوم امس جاءت نتيجة (خدعة)؟ ومن هي الاطراف المخدوعة؟ ولماذا تقبل بان تُخدع بصورة مستمرة؟
مرةً اخرى، وكما كان متوقعا، شنت اسرائيل غارات اجرامية جوية اغتالت فيها ثلاثة من قادة الجهاد الاسلامي، وزادت على ذلك ان اعدمت مجموعة من شباب الصفة الغربية وعلى وجبات متتالية وبدم بارد، وما زال نتنياهو يهدد بتصعيد عمليات الاغتيال ويتوعد الفلسطينين بمجازر اخرى. وكما كان متوقعا ايضا هبت أطراف الوساطة العربية مطالبة المقاومة بعدم اللجوء للتصعيد، (والسؤال هو لماذا لا تلجا هذه الاطراف الى تحذير اسرائيل او تقنع قادتها بعدم ارتكاب الجرائم والمجازر والكف عن عمليات الاغتيال الإجرامية اليومية، او على الاقل تعتذر عن مهمة اخراج الكيان من مأزقه بعد كل تصعيد نتيجة لعمليات اغتيال او اجتياح للأراضي الفلسطينية؟ ولماذا تركز فقط على مطالبة الاطراف الفلسطينية المستهدفة بالتهدئة).
هذه الأسئلة هي انعكاس للمفاهيم المقلوبة في السياسة لا بد وان تهيج شجون مؤلمة، اسرائيل تمعن في قتل الفلسطينين وتدمير مدنهم وممتلكاتهم، والفلسطينيون هم من يُطالَبون بضبط النفس وعدم الرد. واذا ما صحت الأخبار بان القادة الشهداء الثلاثة كانوا على وشك السفر خارج القطاع عن طريق مصر لاجراء لقاءات خارجية، وان مصر أبلغتهم بحصول الموافقة على سفرهم فهذه ستكون المرة الثانية في غضون اقل من عام واحد يتم فيها استغفال الطرفين الفلسطيني والمصري لغرض الكشف عن أماكن تواجد قادة للمقاومة وأغتيالهم (المرة السابقة كانت في حادثة مقتل الشهيد تيسير الجعبري ورفاقه في آب /اغسطس 2022، بعد لحظات من خروج الوفد المصري المفاوض معهم من منطقة الاجتماع). ما يوكد الطبيعة الغادرة لهذة العملية هو وصف نتنياهو لها (بالخدعة)، (وطبعا بالنسبة له لا يهم اذا ما نتج عن هذه (الخدعة) قتل أطفال ونساء وأشخاص ابرياء اخرون). ولم يخبرنا لا نتنياهو ولا الاطراف الفلسطينية او المصرية من خدع من ولا كيف خدعوا! ومهما كان الرد فان اخطر دلالات حدث الامس، والذي سبقه في العام الماضي، هو انه يؤشر على وجود خرق امني كبير داخل حركة المقاومة في غزة خاصة، وضعف في الترتيبات الأمنية، وهذه مسالة تحتاج الى تحقيقات معمقة من قبل فصائل المقاومة نفسها.
كل الدلائل تشير الى ان المقاومة سترد على هذه الجريمة لعدة أسباب، الاول هو انها ألزمت نفسها بذلك منذ انتهاء عملية سيف القدس وأثناء انتهاكات المستوطنين للمسجد الأقصى اثناء شهر رمضان الماضي، والثاني ان السكوت سيدفع الحكومة الاسرائيلية الى التمادي اكثر في جرائمها. وخير دليل هو اعلان اسرائيل عن قائمة باسماء قيادات المقاومة التي ستستهدفها عاجلا او آجلا.
كل المؤشرات تدلل على ان نيران الحرب ستشتعل في فلسطين المحتلة وبالذات في غزة وما حولها. واذا ما التزمت باقي أطراف المقاومة (الفلسطينية واللبنانية ومن الجولان المحتل) بتعهدها بان كل مواجهة قادمة ستشارك فيها جميعا كجبهة موحدة، فاننا يجب ان نتوقع جولة قتال دامية لن تتوقف بسهولة.
ان ما يجري في الاراضي المحتلة يجب ان لا ينظر اليه بعيدا عن ازمة الحكومة الاسرائيلية والأزمات التي تعاني منها، وهي التي تدفعها لارتكاب هكذا حماقات على امل ان تحصل من ورائها على دعم شعبي، ويجب ان ينظر اليه ايضا على انه محاولة من نتنياهو لتصدير ازماته وليوحي الى العالم بانه لا يابه بتهديدات المقاومة، ولكنه وفي كل مرة يرتكب مثل هكذا حماقة يعود ويستجدي جهود الوساطة المصرية ووساطة أطراف اخرى من اجل إيقاف إطلاق النار.
اليوم تشعر حركة المقاومة (الفلسطينية واللبنانية) بان الوقت مناسب جدا لوضع حد لانتهاكات اسرائيل بحق الشعب الفلسطيني وبحق المقاومة لعدة أسباب: اولا الخلافات الداخلية في اسرائيل وضعف حكومة نتنياهو، وثانياً ضعف موقف الولايات المتحدة في المنطقة وحتى دوليا، وثالثا ان المقاومة امتلكت من الأسلحة ما يمكنها من تحدي ومجاراة العنجهية العسكرية الاسرائيلية.
علما بان التمادي في عدم احترام الانسان العربي او وجهة النظر العربي قد وصل اعلى مراحله في هذه الايام، بل وصل الى مرحلة غير مسبوقة وغير معقولة، وبسبب حالة التشرذم العربي وضعف الانظمة العربية الرسمية وكثرة الحروب الداخلية والنزاعات في اغلب الدول العربية. كل ذلك شجع ويشجع الاحتلال الاسرائيلي والولايات المتحدة بالذات على التصرف وكأنهما اسياد المنطقة. وخير دليل على ذلك انتقاد الولايات المتحدة قرار الجامعة العربية استئناف مشاركة وفود سوريا في اجتماعاتها، واضافت انها لا تحبذ عودة سوريا الى جامعة الدول العربية، وانها لا تتفق مع فكرة دعوة سوريا لحضور مؤتمر القمة العربي القادم في الرياض. اما وزير الخارجية الامريكي فلقد صرح بان سوريا لا تستحق عودة غير مشروطة للحضن العربي، ولم تسال الولايات المتحدة نفسها من أعطاها الحق في اتخاذ القرارات نيابة عن الاطراف ذات العلاقة؟ المشكلة في هذه التصريحات هي انها ذات جانبين، الاول هو ان الولايات المتحدة لا تزال تعتقد بانها لاتزال الامر الناهي في المنطقة، وأنها تستطيع ان تُسيّر الامور كما تريد وحسب هواها، ولم تستوعب بعد ان نتيجة مغامرتها المأسوية في العراق، وهزيمتها هناك وفي أفغانستان، وفشلها في اجبار دول المنطقة على عدم اختيار ما تريده (التقارب السعودي الإيراني وعدم تخفيض سعر برميل النفط واخيرا اعادة سوريا للجامعة العربية) كلها دلائل على بداية افول نجمها، وان استعادة هذا الدور يحتاج الى افعال لم تعد واشنطن قادرة على القيام بها كما في السابق ولأسباب عديدة. نعم هي ما تزال قادرة على اثارة الفتن، ولكن حتى مثل هذه النجاحات لن تستطيع ان تعيد لها هيمنتها المطلقة السابقة. والثاني، وهو مؤسف حقا، ان من يشجع طريقة تفكير الولايات المتحدة هذه هو بعض العرب الذين يعتقدون ان امريكا مازالت القوة العظمى التي تستطيع ان تحميهم. ولم يحدث ان استوعب هذا النفر من العرب حقيقة ان التعاون والتحالف مع الولايات المتحدة واسرائيل لا يجلب سوى الحروب والدمار، بينما من تحالف مع الصين وروسيا نهض نهضة تنموية كبيرة.
ويبقى سؤلان آخران مهمان وهما: متى تقتنع اسرائيل وقادتها ان عمليات الاغتيال لن تنهي المقاومة الفلسطينية؟ بل العكس فانها تزيد من قوتها وتكسبها شبابا مقاوما اكثر. ومتى تستوعب حقيقة ان كل فرحها في اغتيال بعض قادة المقاومة لم يكن سوى لفترة محدودة حيث اثبتت المقاومة انها قادرة على ايجاد البديل لمن يستشهد.
ان ما جرى البارحة لا بد وان يعيد الى الأذهان الوعد الذي قطعته أطراف المقاومة على نفسها بعد احداث الضفة الغربية الاخيرة والتي شهدت تنسيقا وتناغما في الرد من كل الاطراف في آن واحد، مما جعل اسرائيل تتراجع عن كل مطالبات وزرائها وقادتها المتطرفين ومن قادة الجيش والأجهزة الاستخبارية، فهل سنشهد حالة مماثلة في مواجهة هذه الجريمة الغادرة في الساعات القليلة القادمة؟ والاهم متى سنشهد تعليق التعاون الأمني بين السلطة الفلسطينية وحكومة الاحتلال؟
الرحمة والمغفرة للشهداء الذين سقطوا ليلة امس سواء في غزة او في الضفة الغربية، ولكل الشهداء الذين يسطرون بدمائهم الزكية تاريخ فلسطين الجديد، وصدق من قال ما ضاع حق وراءه مطالب.
*كاتب واكاديمي عراقي