لماذا لم يعد الاعلام في العراق المحتل عراقيا؟
الاستاذ الدكتور عبدالرزاق محمد الدليمي
لماذا لم يعد الاعلام في العراق المحتل عراقيا؟
تعد وسائل الإعلام من وجهة نظر كثيرين انها السلطة الرابعة والخامسة ...التي يجب ان تمارس دورها تمثيلا لارادة الشعب ومصالحه في الرقابة على كل مؤسسات الدولة، و نقل الحقائق لهم دون تزييف أو تزوير أو نفاق، لكن وسائل الاعلام في العراق المحتل كما كان متوقعا لم تعد تخدم الشعب، وإنما غالبيتها العظمى هي وسائل إعلام ممولة من جهات خارجية اومتنفذة همها الترويج لنفسها أو لأفكارها وسياساتها.
تدعي اغلب وسائل الاعلام انها حره ، الا ان الحقيقة انها مرتبطة وخاضعة بشكل مطلق لتوجات وميول من يمولها وتتقيد برغباتهم وواضح أن الإعلام يخدم مصادر النفوذ ولو كان على حساب الفقراء والمساكين والكادحين والمسحوقين، وأن وسائل الإعلام أصبحت منذ الاحتلال سيفا على رقاب العراقيين لا بأيديهم.
ان غالبية وسائل الاعلام في العراق المحتل هبطت إلى الدرك الاسفل بعدما اصبحت اداة لخداع الناس لصالح جهات لها مناهج فكري مرتبطة بأرادات خارجية، ذات مواقف سياسية واجتماعية وثقافية تؤثر بصورة خطيرة على ما تبعثه من رسائل اعلامية تعبر عن رغباتها واهدافها التي تتناقض اساسا مع توجهات ورغبات الغالبية العظمى من الشعب العراقي.
شيئ محزن ان غالية وسائل الإعلام العراقي تمارس الكذب والتضليل والتزوير ، ووظفت الجزء الأكبر منها لخدمة النظام المتخلف والظالم والناهب لثروات الناس الذي خلقه الاحتلال ...ومن السخرية أن اغلب القنوات الفضائية تستضيف بعض الاشخاص النكرات للتحدث في قضايا العراق وهمومه وهي تعرف مسبقا -كما يعرف العراقيين أنه سينافق ويكذب بصورة متناسبة مع النعم التي يحصل عليها مقابل بيع نفسه وربما يمثل ذلك قمة انهيار العلاقات القائمة على الساحة العراقية ،لذا اصبح غالبية الشعب ينفر من هؤلاء النكرات الذين تلمع هذه الفضائيات صورهم القبيحة من خلال البرامج الحوارية التي تجريها على الشاشات العراقية لأنهم غالبا لا يثقون بالمتحاورين الذين هم في الغالب من كبار المنافقين والسبب أن العراقي لم يعد يثق بهم حتى وان كانوا محسوبين ظلما وبهتانا على المثقفين أو ألاكاديميين في العراق، لان اغلبهم يلهثون وراء مصالحهم ولديهم الاستعداد للتخلي عن العراق واهله مقابل مصالحهم او مقابل حفنة من الدولارات .
الإعلامي هو توصيف لمهنة عظيمة وممارسة احترافية تستدعي أن يكون حاملها ومن تُخلع عليه جديراً بها لكنها للأسف باتت مرتقى لبعض الأدعياء الذين استسهلوا ممارستها دون أن يتسلحوا ببعض أدواتها ،وهي الصفة الأكثر جدلية في راهن المجتمع الإعلامي في العراق المحتل، والمؤرقة أيضاً للمنتمين إليه، لكثرة المتترسين خلفها، والمباجلين بها تنطعاً دون إلمام بأدني مبتغياتها وغاياتها والأدوات الملحة لنيلها،هذه سلوكيات لا يستغربها من يقرأ المشهد بحياديه حيث إن الفوضى تعم ساحة الاعلام في العراق بشكل غير مسبوق ،فالإعلام الحقيقي مرتبط بالعلم والمعلومة ومن ثم بالحقيقة، ولكنه في عراقنا المحتل حدثوا ولا حرج، ويبدو ان الدجالين ارادوا ان يطبقوا بشكل غبي منهج "غوبلز" وزير الدعاية النازية زمن هتلر الذي صاغ مقولته الشهيرة اكذب ثم اكذب ثم اكذب، حتى يصدقك الناس وحتى تصبح الكذبة حقيقة لكن ان كان غوبلز قد حقق بعض النجاحات ومرر اكاذيبه فأن هؤلاء فشلوا بغبائهم المعهود من تحقيق اي هدف حتى وان كان بسيط، علما ان الاحتلال وعملائه انشؤوا كم من المؤسسات لمحاولة غسل ادمغة الناس وتغييب عقولهم وتوجيههم نحو تبني الغيبيات والهرطقات.
عندما نتحدث عن مهنة الاعلام الحقيقية بهذا الحجم التي تلامس احاسيس وعواطف وعقول الجماهير لابد أن يتقدم صفوفها اصحاب الكفآت ويقف على منابرها المبدعون من اصحاب الوعي والقدرة والدراية والفهم الحقيقي للمهنة وللمجتمع ولكيفية التعاطي مع الأحداث والكلمة والصورة والمؤثرات لضمان وصولها إلى عقل ووعي المتلقي بشكل سليم ورزين.فالمجتمعات اليوم اصبح لها باع طويل وتجربة ثرية في التعامل مع ميدان الإعلام بكل وسائله بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي والاعلام يجب ان ينتمي إلى مرجعية وطنية ومحاكمة أيضاً لما ينشر في وسائله المتعددة بما يحفظ للمهنة مكانتها واحترامها في الأوساط الاجتماعية والثقافية.
ان الطارئين على المهنة الإعلامية في العراق بعد الاحتلال يبحثون عن الإثارة ويعمدون الى ترويج الشائعات وخلط الاوراق في ظل الفوضى بوسائل الاعلام وأقنيتها المختلفة التي تمتلكها جهات حزبية جاءت مع الاحتلال وخلفه وهذا يمهد الطريق لهم إلى خلق الإثارة وخلط الأوراق فتلتبس لدى نسبة مهمة من الجمهور فلا يستطيع ان يميز بين الحقيقة والشائعة، وهذا ما احط من قيمة الاعلام في العراق وانعكس سلبا على المجتمع فبدل ان نتوحد كعراقيين لمواجهة الظروف المعقدة والكوارث والازمات التي نعاني منها منذ احتلال بلدنا وجدنا انفسنا نغرق في متاهات الخلافات التي ما انفكت وسائل الاعلام المسيسة المأجورة الداعمة والمؤيدة للنظام الفاسد العميل تعمقها وتجعلها هي القاعدة وغيرها الاستثناء.
كان على الإعلام العراقي أن يتمسك بالموضوعية والمهنية الإعلامية من أجل إيصال الحقيقة للناس وكسب ثقتهم، ومن أجل بث روح الأمانة في نفوس الذين يتطلعون إلى تحريرالعراق بعيدا عن التضليل والكذب.حتى الآن وبعد أكثر من عشرين عاما من الفشل الذريع للعملية السياسية الفاشلة والكوارث التي حلت علينا، ما زال هناك من وسائل الإعلام من يصر على استمرار التضليل والإشادة بعبقرية الذين خانوا الشعب وقادوه إلى التدهور على مختلف الساحات الداخلية والعربية والدولية.
لكن .....للاسف ما زال هناك من المثقفين والأكاديميين المدفوعي الثمن من يرى فيما تقدمه حكومات الاحتلال حنكة سياسية هذه الحنكة التي حشرت العراق في الزاويا المعتمة،قد يكون جزء من العراقيين استسلم لضعف وعيه وخضوعه لهرطقات بعض المتاجرين بالدين لتضليل وسائل الإعلام ، مثلما لا يسلم العراقي من خداع وسائل الإعلام العراقية.