ضحايا الاختفاء القسري في العراق بانتظار تحقيق العدالة
صرخة لا تحرك ضمائر المسؤولين في العراق
العرب/بغداد – مرت سبع سنوات على واحدة من أبشع جرائم الإخفاء القسري في العالم، والتي حصلت في مدينة الصقلاوية ضمن قضاء الفلوجة في محافظة الأنبار غرب العراق، حيث جرى إخفاء ما يقرب من 1000 شخص في يوم واحد في الفترة ما بين 2 و5 يونيو 2016.
وما تزال عوائل الضحايا تنتظر معرفة أماكن اختفاء ذويها ومحاسبة الجناة، وتحقيق العدالة، لكن من غير المتوقع حدوث ذلك في ظل سيطرة الميليشيات المتورطة في تلك الجريمة على منظومة الحكم في العراق.
وطالب مركز جنيف الدولي للعدالة الأحد، الجهات الدولية المختصة باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة للتحقيق في جرائم الاختفاء القسري في العراق.
وقال المركز في بيان إنّه بينما كانت القوات العراقية والتحالف العسكري بقيادة الولايات المتحدة تقوم بعمليات عسكرية مكثفة ضدّ مدينة الفلوجة والمناطق المجاورة لها، ضمن ما سمّي عمليات التحرير من سيطرة تنظيم داعش، وقعت فظائع كثيرة، كان الكثير منها نتيجةً مباشرة وغير مباشرة للقصف المدفعي والغارات الجويّة التي كانت لا تميّز بين المدنيين وغيرهم.
ولفت إلى أنه في الأثناء حاول أكثر من 3000 مدني من الرجال والنساء والشيوخ والأطفال الفرار إلى مكان آمن، فقصدوا أقرب نقطة عسكرية، لكنّهم فوجئوا بأنّها تعود إلى الميليشيات.
ويروي ناجون أن عناصر الميليشيات استقبلوهم بالشتائم والعبارات الطائفية، ثم عزلت النساء والأطفال عن الرجال والشباب حتى سنّ العاشرة، واقتادوهم إلى معسكر قريب. وفوراً بدا أنّهم سيواجهون ظروفاً مروعة، حيث راح أفراد الميليشيات يتلذّذون بإطلاق النار عليهم فقُتل في الحال أعدادٌ ليست بالقليلة، في حين كانت سيارات النقل الكبيرة تنقل آخرين إلى أماكن مجهولة، وأتمت نقل أكثر من 1000 شخص.
وفي انتظار وصول وسائل نقل أخرى، اقتيد من تبقى إلى أماكن احتجاز مؤقتة في بنايات مهجورة لاحظوا في داخلها آثار دماء، وهناك تعرّضوا لضروب بشعة من التعذيب.
ويقول الناجون إنّهم حُشروا في غرف صغيرة ومساحات قليلة الهواء وحُرموا من الطعام والماء، لكنّ ظروفاً لا يعلمون كيف تراكمت، ربّما كان منها تدخل السلطات المحلّية، أدّت إلى تركهم والسماح لهم بالذهاب إلى مكان آخر في مدينة العامرية الواقعة عبر نهر الفرات قرب مدينة الفلوجة.
وقدّ وثّق مركز جنيف الدولي للعدالة كيف وصل الناجون مع النساء إلى العامرية وهم في أسوء حال، وبدت على الرجال آثار تعذيب وإرهاق واضحة، إما من خلال كسور في الأطراف أو حروق شديدة.
وكان هؤلاء بحدود 650 شخصاً، وهم يعتبرون أنفسهم من المحظوظين إذ اختفى أولئك الذين كانوا معهم، ولم يعد أحد يعرف مصيرهم. ورغم التوثيق الواضح لحالة الإخفاء هذه من قبل المنظمّات غير الحكومية والسلطات المحلّية وأجهزة الأمم المتحدّة، بل حتّى من الميليشيات التي اعتقلتهم، لكن الحكومة المركزية لم تتخذ أيّ إجراء لإطلاق سراحهم، وتُركت القضية لتصبح ضمن حملات المزاد السياسي بين السياسيين، في حين تستمرّ معاناة العوائل وغالبيتها من النساء في البحث دون جدوى عن مصير أبنائها، وبنفس الوقت يتعيّن عليهن البحث عما يسددن به رمق نساء وأطفال أبنائهن الذين لم يبق لهم من يتحمّل مسؤولية إعالتهم.
وفي نفس الفترة، تلقى مركز جنيف الدولي للعدالة معلومات موثقة عن اختطاف حولي 300 شخص في مكان قريب من الصقلاوية وهو قرية الزركَة، التي تقع بين مدينتي الصقلاوية والفلوجة على ضفة نهر الفرات، حيث أعدمت الميليشيات حوالي 150 شخصًا منهم على الفور، كان من بينهم عائلة كاملة مكونة من 35 فرداً، واقتادت الباقين إلى أماكن مجهولة، وبقي مصير هؤلاء كمصير غيرهم من المختفين قسرياً، مجهولاً إلى حد الآن.
وهناك الآلاف من الحالات التي حصلت في مناطق أخرى، ومنها في سامراء والدور وتكريت وديالى وجرف الصخر والرزّازة وجسر بزيبز والموصل وكركوك.
ولم تكتف الجهات الخاطفة بارتكاب هذه الجريمة، بل غالباً ما كانت تقوم بتجريف القرى وحرق مساكن الأشخاص الذين يجري اختطافهم ومن ثم إخفاؤهم وتهجير عوائلهم إلى خارج المحافظات التي يعيشون بها.
وبحسب المعلومات التي تؤكدّها جهاتٌ كثيرة في العراق، بينها على ارتباط وثيق بالسطات الحكومية، فإن ميليشيات بدر، وعصائب أهل الحقّ، وكتائب حزب الله، وحركة النجباء وميليشيا رساليون هي من أكثر الجهات المتهمة بجرائم الإخفاء القسري في العراق.
وتقدّر جهات دولية أن عدد المختفين في العراق قد يصل إلى مليون شخص، تتحمّل المسؤولية عنهم قوات الاحتلال والحكومات المتعاقبة. ولا يشمل ذلك أولئك المختفين على يد داعش، حيث يتولى المسؤولية عنهم فريق من الأمم المتحدّة يرتبط بمجلس الأمن الدولي ويعمل مشتركاً مع السلطات الحكومية العراقية.
وتقع المسؤولية القانونية حسب اتفاقية الأمم المتحدّة لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، وطبقاً للتوصيات التي أصدرتها اللجنة، على الحكومة العراقية في تتبع أماكن الإخفاء، والكشف عن مصير المختفين، وإطلاق سراح الأحياء منهم، والتدقيق في جثث المتوفين من أجل التعرّف عليهم بمشاركة عوائل الضحايا والمجتمع المدني والمفوضيّة العليا لحقوق الإنسان في العراق.
وفي تقريرها الأخير (أبريل 2023) طالبت لجنة الأمم المتحدّة المعنية بحالات الاختفاء القسري السلطات العراقية باتخاذ جملة من الإجراءات القانونية الواضحة والملموسة لمعرفة مصير كلّ المختفين قسرياً، ومحاسبة الجناة بعقوباتٍ تتناسب وحجم ما اقترفوه بحقّ عشرات الآلاف من الأبرياء.
وأكدّت اللجنة الأممية على ضرورة ألا تشترك الجهات المُتهمة بالإخفاء القسري – وهي ميليشيات الحشد الشعبي – بأيّ من الإجراءات الرامية إلى التقصّي والتحقيق في هذه الجرائم.