العراق ينقل الحشد الشعبي خارج المدن بهدف تحجيم دوره
العرب:بغداد- أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني الأربعاء أن حكومته تعمل على إنشاء معسكرات خاصة لقوات الحشد الشعبي خارج المدن، ووضع قانون يضمن لمنتسبيه تقاعدا كريما.
وتأتي هذه الخطوة في ظاهرها كاحتفاء من الحكومة بالحشد ودوره خلال السنوات الماضية، لكنها في الأصل تهدف إلى تحجيم الدور المتعاظم لهذه الميليشيات في العراق والحد من نفوذها سياسيا وأمنيا.
وقال السوداني إن “التحديات الأمنية التي واجهها العراق سابقا، أصبحت اليوم من الماضي بفضل يقظة قواتنا الأمنية”.
وأضاف أن “دور تشكيلات الحشد الشعبي لم يقتصر على تحرير الأرض، بل ساند الجيش لحفظ مؤسسات الدولة والنظام السياسي في العراق”.
ورغم المديح الذي كاله السوداني للحشد الشعبي، فقد سعى لإبراز الدور الذي لعبته قوات الأمن العراقية والجيش في مواجهة داعش، في وقت يسيطر فيه خطاب للميليشيات يعتبر أن الحشد هو الذي أنقذ العراق من داعش وهزمه، ويهمش دور قوات الأمن العراقية والجيش.
وفي مقابل تهميش قوات الأمن والجيش العراقيين حصل الحشد على مزايا كثيرة، أهمها إدماجه في المؤسسات العراقية ليس كأفراد وإنما ككيان منغلق على نفسه ولا يأتمر بأوامر أي جهة عسكرية أو أمنية عدا الإشراف الرمزي لرئيس الوزراء.
وتشكل الحشد الشعبي في عام 2014، استجابة لفتوى المرجع الشيعي علي السيستاني، إثر سقوط أربع محافظات شمال وغرب البلاد في يد تنظيم داعش، واقترابه من العاصمة بغداد، بعد أن انهارت أمامه وحدات كاملة للجيش العراقي.
وتمكن الحشد الشعبي، بدعم من الجيش وقوات الأمن العراقية، من وقف زحف داعش، وتحرير المحافظات الأربع ذات الغالبية السنية، ما منحه شرعية قانونية في 2016، بعد اعتراف البرلمان به “باعتبارها قوة رديفة وساندِة للقوات الأمنية العراقية، ولها الحق في الحفاظ على هويتها وخصوصيتها، ما دام لا يشكل ذلك تهديدا للأمن الوطني”.
غير أن محافظات السنة في العراق ونوابها بالبرلمان طالبوا في أكثر من مناسبة بإخراج قوات الحشد الشعبي خارج المدن، وهو أمر تعهد بتنفيذه السوداني من أجل المصادقة على تشكيل حكومته، لكنه لم يتحقق بعد.
وتتهم قوى سنية وكردية الحشد بتنفيذ أجندات طائفية في مناطقها وتعتبر أن وجوده يستفز الناس، وهو ما يجعل قرار إخراجه من المدن خطوة للتهدئة.
وقال السوداني في كلمته بمناسبة ذكرى الحشد “لا يمكن الاستغناء اليوم عن الحشد الشعبي أو التفريط فيه على المستوى الأمني؛ فقد أصبح جزءا أساسيا من حالة الاطمئنان في الشارع العراقي”.
وأوضح أن “الحشد بات، بعد صدور قانونه، يمتلك كامل الشرعية المستندة للدستور، ويخضع لإشراف القائد العام للقوات المسلحة مثل بقية الأجهزة الأمنية”، ولفت إلى أن “الحكومة تعمل على وضع قانون يضمن لأبناء الحشد تقاعدا كريما، مثل إخوتهم في باقي القوات الأمنية”، في إشارة إلى قانون التقاعد.
وذكر أن “الحكومة تعمل على إنشاء معسكرات ومقار وقواعد خاصة بالحشد الشعبي خارج المدن، تحقيقا للهدف القتالي الذي أُنشئ من أجله”.
ويريد السوداني أن ينظر الحشد إلى قرار إخراجه من المدن على أنه خطوة إجرائية وليس استهدافا، ولذلك جدد التأكيد على أهمية الحشد ودوره في حفظ أمن العراق.
وفي محاولة لتبديد الشكوك بشأن أنشطة هذه الميليشيات، قال رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض إنّ الحشد “لا يسمح باستضعاف الأقليات”، وإنه “لم ولن يسمح بالتعامل بدونيّة مع العشائر”.
وتقول أوساط سياسية عراقية إن الحشد أصبح قوة مثيرة للمخاوف ليس بسبب سطوته الأمنية وأنشطته الطائفية فقط، وإنما أيضا لكونه تحول إلى قوة بديلة لأجهزة الدولة، وهو يعمل على استنساخ تجربة الحرس الثوري في إيران من خلال سعيه لتعزيز نفوذه الاقتصادي.
وبعد انتهاء العمليات القتالية الكبرى ضد تنظيم داعش فرضت ميليشيات الحشد سيطرتها على الملف الأمني في المحافظات المحررة (نينوى والأنبار وصلاح الدين). وافتتحت مكاتب تعزز قدراتها الاقتصادية عبر السيطرة على منافذ حدودية غير شرعية (مع سوريا)، والشراكة في عقود إعادة الإعمار، وفرض الرسوم على الشركات المحلية، وابتزاز رجال الأعمال والمستثمرين، واستيفاء رسوم شهرية من أصحاب المقاهي والمطاعم والتجار، بالإضافةِ إلى فرض رسوم على شاحنات نقل البضائع التي تدخل بعض المدن الخاضعة لنفوذها.
كما عزّزت هذه الميليشيات انتشارها على الحدود لتأمين مرور الأسلحة والمقاتلين المرتبطين بفيلق القدس الإيراني إلى سوريا، وتحقيق المزيد من المكاسب الاقتصادية من خلال المنفذ الحدودي، أو عبر منافذ برية غير رسمية تشرف عليها الفصائل الموجودة في منطقتي القائم العراقية والبوكمال السورية.