حكومة مسرور بارزاني في خضم التحديات
سيف شمس
حكومة مسرور بارزاني في خضم التحديات
تواجه حكومة مسرور البارزاني، التي تشكلت في العاشر من تموز/ يوليو 2019 وتنتهي مهامها في العاشر من تموز/ يوليو 2023، تحديات كبيرة لم يسبق لأي حكومة في إقليم كردستان أن واجهتها. وفيما يلي سنلقي نظرة على هذه التحديات والإنجازات التي تحققت خلال فترة حكمها.
تعد الديون الضخمة واحدة من أهم التحديات التي واجهتها الحكومة، حيث ورثت ديوناً تصل إلى أرقام كبيرة. مشكلة هذه الديون أعباء مالية تهدد استقرار الإقليم، وتعتبر معظمها ديون داخلية للمستثمرين والمقاولين والمواطنين. كما تواجه الحكومة أيضاً تحديات في السياسة النفطية، حيث تعاني من مشاكل مستمرة مع الحكومة العراقية في بغداد. هذه المشاكل تتعلق بالوصول إلى اتفاق نهائي حول استغلال وتصدير النفط من الإقليم، وقد تسببت في تهديدات بشكاوى من قبل الحكومة العراقية في المحاكم الدولية.
ومن بين التحديات الأخرى التي واجهت الحكومة، مشكلة ادخار رواتب الموظفين. فقد قامت الحكومة السابقة بدفع جزء فقط من رواتب الموظفين لمدة أربع سنوات متتالية، مما تسبب في عبء كبير على حكومة مسرور البارزاني. ولا ننس جائحة كوفيد-19، فقذ كانت تحدياً كبيراً للحكومة، حيث تأثر الاقتصاد الإقليمي بشكل كبير بسبب تداعيات الجائحة، مما أدى إلى تراجع النشاط الاقتصادي وتقلص الإيرادات. إلى جانب ذلك، ال توترات والخلافات بين الأحزاب الرئيسية في الإقليم مؤثراً على استقرار الحكومة وقدرتها على اتخاذ القرارات.
تعد المشاكل الحزبية وتحالف بعض الأحزاب المعارضة مع الحكومة العراقية ضد حكومة مسرور البارزاني تحدياً آخر. وتم استخدام المحكمة الاتحادية في بغداد كوسيلة للضغط على الإقليم وتقييده في بعض القرارات.
من أبرز التحديات التي واجهت الحكومة، قطع الموازنة الكاملة عن الإقليم من قبل الحكومة العراقية في بغداد، مما أدى إلى تعطيل العديد من المشاريع والخدمات الأساسية في الإقليم. بالإضافة إلى ذلك، تعاني مرافق الحكومة من مشكلة الفساد المستشري، مما يعيق تنفيذ الإصلاحات اللازمة ويؤثر على الثقة العامة في الحكومة ومؤسساتها.
أما عن سياق الإنجازات
تحت قيادة مسرور البارزاني، تم التركيز على خفض حجم الديون التي تكبدتها الحكومة الكردية. وبفضل جهود مكافحة الفساد وزيادة الواردات الداخلية، تم تقليل حجم الديون من 32 مليار دولار إلى 28 مليار دولار. محققة تقدماً كبيراً فيما يتعلق بدفع رواتب الموظفين. ففي السابق، كانت الحكومة غير قادرة على دفع رواتب الموظفين بشكل كامل على مدار السنة، وكانت تقوم بقطع وتقليل الرواتب للادخار. وهذا الأمر أحدث توتراً بين الموظفين والحكومة.
وقد تم تحويل الاعتماد الكلي لإقليم كردستان على النفط إلى تعدد الواردات المحلية، بما في ذلك دعم قطاعات الزراعة. وقد تحقق تقدم كبير حيث يتم تصدير الإنتاج الزراعي للإقليم للمرة الأولى إلى الخارج في فترة حكم مسرور البارزاني.
كما تم التوصل إلى اتفاق مع الحكومة العراقية في قضية النفط، مما حل المشكلات المستمرة بين الطرفين. والتوصل إلى هذا الاتفاق قبل أن تصدر المحاكم الدولية قراراً بشأن قانونية تصدير نفط إقليم كردستان وقبل أن تتوقف تركيا عن تصدير نفط الإقليم.
السيد مسرور البارزاني قام بعقد اجتماعات مكثفة مع مجلس الوزراء خلال فترة حكمه. متخذاً العديد من القرارات الهامة خلال هذه الاجتماعات، حيث بلغ عددها 218 اجتماعاً خلال الأربع سنوات الماضية. يُلاحَظ أن هذا العدد يتجاوز تقريباً إجمالي عدد الاجتماعات التي عقدتها رؤساء الوزراء السابقون مع مجالس وزرائهم. فهذه الاجتماعات تعكس التزام مسرور البارزاني بتحقيق التقدم وتعزيز التعاون واتخاذ القرارات اللازمة لمواجهة التحديات التي تواجه الإقليم. تأتي هذه الاجتماعات كنتيجة للرؤية القيادية والتوجيه السليم الذي يتمتع به مسرور البارزاني في قيادة الحكومة واتخاذ القرارات الحاسمة لصالح الإقليم وشعبه. وهذا التقدم ممكن أن نرى ثماره من خلال تنفيذ عدد كبير من المشاريع في إقليم كردستان خلال الأربع سنوات الماضية. وصل عدد هذه المشاريع إلى 3425 مشروعًا، بتكلفة تقدر بحوالي 13 تريليون دينار عراقي.
يجب أن نلاحظ أن هذا العدد الهائل من المشاريع والتكلفة المذكورة تتجاوز التوقعات في ضوء التحديات والمشاكل التي تم ذكرها سابقاً. وتعكس هذه الإنجازات التزام الحكومة بتحقيق التنمية والنمو الاقتصادي في الإقليم، وتوفير فرص العمل وتحسين البنية التحتية. وتشمل هذه المشاريع مجموعة واسعة من القطاعات، بما في ذلك البنية التحتية، والصحة، والتعليم، والزراعة، والطاقة، والنقل، والسياحة، والثقافة. وقد تم تنفيذ هذه المشاريع لتلبية احتياجات المجتمع وتعزيز التنمية المستدامة في إقليم كردستان.
كما وضع إقليم كردستان على مسار الاعتماد على الإنتاج المحلي وتشجيع الأفراد على العمل والاعتماد على مبادراتهم الخاصة، بدلاً من التوظيف الحكومي الذي كان يعتمد عليه المواطنون في الماضي.
وتغيير السياسات السابقة التي ركزت على توفير فرص التوظيف في القطاع الحكومي، والتي أدت إلى زيادة حجم الرواتب واعتماد الحكومة بشكل رئيسي على توفير الرواتب للمواطنين. بدلاً من ذلك، تم تعزيز دور القطاع الخاص وتشجيع ريادة الأعمال وتنمية المبادرات الخاصة.
فبفضل شخصية مسرور البارزاني القوية وقدرته على التصدي للتحديات، تمكنت حكومته من الوقوف على قدميها والاستمرار في أداء مهامها. لقد قاد مسرور البارزاني الحكومة بحكمة وقوة، ولو كان هناك أي شخصية سياسية كردية أخرى في موقعه، كان من الممكن أن تواجه الحكومة صعوبات أكبر وأن تنهار. وهذا جاء من نتيجة كونه وليد الثورة فمنذ طفولته وهو يقاتل كجندي في البيشمركة في الوديان والجبال وعاش عملية إبادة في الانفال وغيرها. فهو يسعى بحكمة لتفعيل أهداف الثورة وحاجة المواطن الكوردي محققا طموح الإقليم. وهو أيضا روح الشباب الذي يجد الإقليم في العصر الحديث، في المجال التربوي والصحي وأيضا الاجتماعي. رغم كل هذا عدم سعيه للظهور في الاعلام أو السفر وزيارات عواصم العالم، فجل تركيزه هو المواطن الكوردي.
باختصار، لولا شخصية مسرور البارزاني القوية وقدرته على التصدي للتحديات وتحقيق الاستقرار، كان الانهيار هو السيناريو المحتمل لحكومته. إن قيادته الحكيمة وقدرته على التفاوض واتخاذ القرارات الصائبة ساهمت في استمرار وديمومة عمل الحكومة وتحقيق الإنجازات في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها.