كتاب معجم حكام العراق حكومـة بكر السباشي – الصوباشي ١٠٣٠ هـ - ١٠٣٢ هـ / ح ١٧
بسام شكري
كتاب معجم حكام العراق
حكومـة بكر السباشي – الصوباشي 1030 هـ - 1032 هـ الحلقة السابعة عشر
سباشي لفظة تركية معناها صاحب الجيش وقد تحرفت هذه اللفظة في المصادر التاريخية فصارت صوباشي التي تعني محافظ الماء أو صاحب الري وهذا لا يتفق مع لقب بكر ومنزلته، وبكر هذا رومي الأصل سكن بغداد وصار من أكابر عساكرها حتى تغلب عليها وانبسطت يده على نواحيها حتى صار رئيسا لعساكرها , فقـد كان فـي بـدء أمـره مـن قوات الانكشارية فساعدتـه الظـروف حتى صار صاحب الجيش أي اغا الانكشارية ، بيده الأمر والنهي ، ثم سولت له نفسه أن يحكم العراق ويستقل به ، فاستغل ضعف الوالي التركي على العرق يوسف باشا وطيبته وفكر بالتخلص منه وقد صادف أن بعض القبائل النائية قد تمردت فذهب بكر السباشي بنفسه لتأديبها وترك ابنه محمد على بغداد وكان يومئذ رئيس كتيبة الخيالة – بلوك باشي – يساعده على ذلك العقيد بيك باشي محمد أغا فاستمال الوالي يوسف باشا العقيد محمد أغا وبعض القادة من أعوان بكر فطردوا محمد ابن بكر الصوباشي وصادروا أموالهم وسدت أبواب بغداد استعدادا للدفاع عنها وتهيأ الوالي يوسف بما يملك من قوة وسلاح للقتال فلما انتهى بكر من تأديب القبائل المتمردة عاد إلى بغداد وكان خبر المؤامرة قد بلغه فحاصرها وانضم إليه جمع عظيم من أهلها ومن غيرهم الطامعين بالسلب والنهب وانقسم سكان بغداد إلى فريقين . وثارت الفتنة بينهم حتى قتل الوالي يوسف باشا فنهب بكر السباشي العتاد من الجبة خانه التي كانت مخزونه منذ عهد السلطان سليمان القانوني وقد ذهبت بهذه الفتنة أموال كثيرة وخربت دور عديدة وأصبح كثير من الأغنياء لا يملكون شيئا.
ثم كتب بكر السباشي إلى محافظ ديار بكر أحمد حافظ باشا يطلب منه أن يعرض على السلطان مراد الرابع هذه الأحداث ويلتمس منه أن يجعله واليا على بغداد، فلما بلغت البلاط العثماني هذه الأنباء اعتبر بكر السباشي خائنا وعين سليمان باشا واليا على بغداد، وأمر أحمد حافظ باشا المذكور أن يسير بعساكره إلى بغداد ويقمع الفتنة فيها.
ولكـن بكر السباشي عاد فعرض الأمـر على السلطنة بنفسه وطلــب العفـو عما حــدث وجعل الوالــي يوسف باشا السبب فــي فتنة بغداد والتمس أن تنعم الدولة عليه بفرمان الولاية ولكن السلطان اعتبره عاصيا , فقدم الوالي الجديد سليمان باشا ومعه أمير الموصل ووالي كركوك وأمراء الأكراد وساروا بجيش قوامه عشرون ألف مقاتل من الخيالة وتقدموا نحو بغداد حتى وصلوا القرية الجديدة التي لا تزال تحمل الاسم نفسه وهي قرية قرب بغداد لمحاصرة بغداد التي كانت تحت وطأة شديدة من القحط والمجاعة ، ويظهر أن هذا الوالي تهيب الموقف فلم يتقدم من بغداد بل بقى في محله وراح جيشه يعبث في القرى نهبا وغارة فجرد بكر السباشي جيشا من ثمانية آلاف من أشداء بغداد بقيادة وكيله عمر أغا لحراسة القرى وصيانتها من الاعتداء فتصدى لهم والي كركوك بستان باشا الذي قتل في بدء المعركة ثم عبر جيش بغداد نهر ديالى وهاجم هذه الجيوش التي انهزمت قبل الالتحام بالمعركة ، فولى الوالي منهزما وأخبر البلاط العثماني بما جرى من هزيمة الجيش فأرسل السلطان مراد الرابع إلى بغداد أمير الأمراء حافظ أحمد باشا ليكون قائد الحملة الثانية فسار هذا بجيش ضخم وحاصر بغداد .
ولما تأكد بكر السباشي من تأزم الموقف استنجد بالشاه عباس الصفوي وأرسل إليه مفاتيح أبواب بغداد فجهز الشاه جيشا من ثلاثين ألف جندي ثم عززه بأخر فلما وصل هذا الجيش مدينة خانقين علم حافظ احمد باشا بالأمر ورأي صعوبة مقاومة الجيش ولا سيما أن جيشه كان متعبا من السفر الطويل والمعارك وأمور الحصار لذلك فضل أن يؤيد بكرا ، ويقره على منصبه فأرسل إليه فرمان الولاية والخلعة السلطانية وأظهر له أن السلطان قد عفا عنه ثم عاد بجيوشه من حيث جاء ففرح بكر السباشي بمرسوم الولاية وندم على دعوة الشاه وأخبر الشاه بما حصل وعقد الصلح مع السلطان العثماني ومن شروط معاهدة الصلح الا يدع جيوش الفرس تدخل بغداد فاضطرم الشاه عباس الصفوي حنقا وأمر جيوشه بالتقدم نحو بغداد ثم عززها بجيش ثالث قاده بنفسه وحاصر بغداد من جميع أنحائها ، فكتب بكر السباشي إلى حافظ أحمد باشا يخبره بما حدث ويستنجد به فأعانه بقوة قليلة لأن أكثر جيوشه قد سرح أثناء رجوعه فكتب بكر إلى البلاط العثماني بذلك فلم يلتفت إليه لأن الأفراح كانت قائمة بتربع السلطان مراد على العرش ثم اشتد الضغط على بغداد حتى أكل الناس الميتة والنبات ورأي محمد ابن بكر السباشي وكان محافظا لقلعة بغداد أن لا قبل لأبيه ولسكان بغداد في متابعة المقاومة فخان أباه وكاتب الشاه في تسليم القلعة وطلب منه الأمان له ولعائلته فلما جاءته الموافقة فتح باب القلعة ليلا وادخل جيوش العجم التي استباحت المدينة بأشد ما عرف من الوحشية والضراوة ووضعت السيف في رقاب أهلها وأحرقت الكتب الدينية وقتلت العلماء وهدمت الأضرحة والمراقد وكان ذلك 9 شوال سنة 1032 هـ وقتل كل رجال الدولة التركية عسكريين ومدنيين ورجال شرطة حتى رجال الدين منهم وفتك بالسنة فتكا عظيما وصادر عباس الصفوي كل ما يملكون وبعد ان استتب له الامر في بغداد بعد هروب اكثر ساكنيها ارسل وزيره قاسم خان الى الموصل وكركوك فحاصرت جيوش الفرس المدينتين ثم دخلتهما وقتلت سكانها ونهبت كل ما وقعت أيديهم عليه ثم قاموا بحرق كل شيء
وأما بكر السباشي فقد وضع في قفص من حديد ولم يسمح له بالنوم سبعة أيام وأكره على ذكر ما عنده من الأموال بمختلف أساليب التعذيب حتى شوي جسمه، ثم أمر الشاه أن يوضع في سفينة في نهر دجلة وصب عليها النفط والقطران ويشعل بالنار هو وأخوه عمر أغا.
الحكام الصفويــون
الفترة الثانية
1032 هـ - 1047 هـ
1- الشاه عباس بن محمد خربنده الصفوي 1032 هـ - 1623 م
بعد ان فتح بغداد وأعمل السيف في رقاب أهل السنة وقتل علماءهم كما دمر مراقد أئمتهم وحرق الكتب الدينية لكافة الأديان والمذاهب ولم يبقى في بغداد مصحف واحد، وقد صحب عهده بسبب الحصار مجاعة شديدة وأمراض عديدة وقد خلت بغداد من أهلها فرارا من سيوف الفرس وقم نهب جيش الشاه عباس كل ما عثر عليه ولم يبقى من بغداد غير الحجر. الشاه عباس الصفوي تاريخه مليء بالخيانة والجرائم فهو الذي تامر على ابوه الشاه محمد خدا بنده وسجنه وأصبح شاه بدلا عنه واتفق مع ملك اسبانيا المسيحي لحرب الدولة العثمانية الإسلامية وقد عمل التحالف الانكلو الفارسي واعطى شركة الهند الشرقية امتيازات في ثروات الخليج سنة 1615 فقام مع الإنكليز بطرد البرتغاليين والاستيلاء على هرمز ونهب ثروات الخليج العربي.
2- صفي قلي خان 1032 هـ -1624 م
هو قائد الحملة الفارسية الأولى على العراق، استمرت على عهده الاضطرابات وقد كان قاسيا شديدا عنيفا في تعصبه لمذهبه لذلك فر أكثر سكان بغداد منها محافظة على نفوسهم وأموالهم ومن أعماله أنه – كرى – النهر الذي حفره الشاه إسماعيل الصفوي وهو الذي بين الكوفة والنجف ثم مات بعد ثماني سنوات مريرة من حكمه.
3- بكتاش خان غورجي 1041 هـ - 1631 م
هو شقيق صفي قلي خان وقد كان ظالما منهمكا في المعاصي سيء الأخلاق مستهترا بالتقاليد مات فجأة ويروى منتحرا أو مغتالا. وفي ليلة الفتح 18 شعبان 1048 هـ توفى بكتاش خان في سرياه بعد العشاء وقيل في رواية أنه انتحر, وقد ذكر في كتاب كلشن خلفا الوالي بكتاش خان انه كان مشغولا بشرب الكحول وعمل المعاصي والمحرمات ونشر الزنى وشاع في عهده الحشيش والترياك في العراق وتعطلت اعمال الناس بسبب ذلك حيث افترش الحشاشين الازقة والشوارع وتركوا بيوتهم وشاع القتل والفاحشة والمحرمات بسبب ضياع عقول الناس من الحشيش والترياك، غرقت بغداد على عهده حيث فاض نهر دجلة ثم انحسر كثيرا فأصابها طاعون شديد حتى أنهم كانوا يجرون الموتى من أرجلهم ويرمونهم في الدجلة وقد بيعت القربة من الماء بخمس عباسيات وهي عملة صفوية نسبة للشاه عباس. وهي نقد فارسي قضى وزنة 3/4 ثلاثة أرباع المثقال. وقد دام حكم بكتاش خان سبع سنين وبقي العراق تحت سيطرة الصفويين ستة عشر عاما باستثناء البصرة التي بقيت عصية عليهم.
الى اللقاء في الحلقة القادمة
بسام شكري
Bassam343@yahoo.com