العهــد العثماني الثاني - ب - ١٠٤٨ هـ - ١٣٣٣ م - الحلقة الثامنة عشر
بسام شكري
العهــد العثماني الثاني
- ب -
1048 هـ - 1333 م
الحلقة الثامنة عشر
لم يسكت الاتراك على ما قام به الشاه عباس الصفوي وحكامه من الفضائح التي قلما سجل التاريخ نظيرها فجهزوا جيشا عظيما قاده السلطان مراد بنفسه وقدم به العراق فحاصر بغداد وافتتحها بعد معارك دامية وكان دخوله من الباب المعروف بباب الطلسم الذي كان من أجمل أبواب بغداد وهو من اثار الخليفة العباسي الناصر لدين الله وقد كان بناؤه سنة 618 هـ 1221م، وكان يُرى عليه رسم تنين وأسدين وتزعم العامة أن هذا الرسم هو طلسم المدينة يحفظها من الأهوال والنكبات.
ولقد كان هم ولاة بغداد المتأخرين في تلك السنوات على الغالب جمع الأموال ومصادرة أموال الأغنياء وفرض الضرائب لأنهم كانوا يشترون الولاية بالمال من السلاطين أو رجال المابين وكانوا يتعهدون بدفع المبلغ المتفق عليه قبل استلامهم الفرمان الذي ينص على تعيينهم , لذلك كان الوالي عند وصوله إلى بغداد يحتال على جمع الأموال في أسرع وقت لأنه يعلم أن مدة بقائه قصيرة ، فلابد له من شراء وظيفة أو لقب أو رتبة مما تطمح إليه نفسه فكانت الأموال تنقل من بغداد إلى الأستانة دون أن تعمّر بلدا ً أو تُصلح حالاً , لذلك أصبح العراق مصدرا ًمهما في تمويل الاستانة حتى صار بعض الولاة يحكمونها أياما معدودة لارتفاع سعر الولاية في بورصة التعيين.
ومما يجلب الانتباه أن أكثر هؤلاء الولاة يسارعون حين قدومهم إلى بغداد في بناء المساجد أو تعميرها وتشييد دور العلم والملاجئ والخانات ولم يكن ذلك لوجه الله والعلم وإنما كان تخديرا ً للعامة وزلفى لرجال الدين وأكثر ما شيدوه كان بالأموال المغتصبة إلا ما ندر ، وفي أكثر عهود هؤلاء الولاة انتشرت الأمراض الوافدة والجهل والمرض والفيضان على العراق حتى هبطت بغداد إلى الدرك الأسفل وصارت عداد نفوسها في بعض الأحيان لا يزيد على الأربعة عشر ألف نسمة ثم أخذت بالانتعاش في أوائل القرن الثالث عشر ولكن طاعونا أعقبه هيضة رافقهما طغيان دجلة والفرات ، ضرب بغداد فهلك في ذلك نحو أربعة أخماس سكانها .
الولاة العثمانيون
- ب -
1047 هـ - 1333 هـ
1- السلطان مراد الرابع 1047 هـ - 1637 م
افتتح بغداد في الـثالث والعشرين 23 من شعبان سنة 1047 هـ فنظّم شؤونها وسجّل الأملاك والمقاطعات وقد نالت هذه السجلات اعتمادا موثوقا بحيث صار يعمل بمضمونها بلا بيّنة، ثم عـاد إلى الأستانة في الـ 12 من رمضان وكان قد جاء بغداد من مدينة اسكدار الواقعة في ضواحي الأستانة فوصل بغداد بعد 197 يوما عن طريق حلب، ديار بكر، كركوك وقد أخذ 86 يوما منها للراحة وكانت بغداد حين دخلها محصنة برا ونهرا، وفيها 97 برج على نهر دجلة و114 على البر.
2- كوجك الصغير- حسن باشا (1) 1048 هـ - 1638 م
سادت الطمأنينة على عهده وعاد الفارون إلى ديارهم فعمّرت البيوت وانتظمت الأحوال ومن أثاره أنه رمم دوائر الحكومة كما عنى ببساتين القصر ومرافق الإنس فيه، وقد عرف بسلامة الطويّة، والعدل بين الرعيّة ومساعدة الفقراء والعناية بالضعفاء كما أوصى من معه من الموظفين بالعدل ومنع الظلم وقد كان البانيّ الأصل من الينكرجية الإنكشارية ثم صار رئيسا للسكبانية فأغا بغداد ثم عين واليا عليها، في بداية عهده عاد الفارين من حكم الصفويين الى بغداد.
3- درويش محمد باشا 1049 هـ - 1639 م
وهو جركسي الأصل عرف بالشجاعة والفروسية، كان ضخم الجثة، يتدلى شارباه إلى أسفل صدره أشبع رغباته بالفتك واختلاس الأموال، انتزع مدينة هيت من أعراب الخزاعل – خزاعة – كما استولى على السماوة وضمها إلى ولاية بغداد ولكن شراسته أدت إلى عزله وفي أول حكمه صار لشركة تجارة الهند الشرقية الانكليزية وكالة في البصرة وكان رئيس الوكالة يشغل منصب القنصلية وله امتيازات جمة، منها حرسه الخاص والمدافع أمام داره والخيالة المسلحون يتقدمونه في مسيره.
4- كوجك حسن باشا (2) 1052 هـ - 1642 م
اعيد تعيينه واليا على بغداد فعمر هذه المرة جامع الأزبك عند باب المعظم اليوم والذي يحتوي على قبر أمام قولى خان أمير الأزبك الذي مر ببغداد في أول ولاية كوجك حسن باشا في طريقة إلى الحج فتوفى ببغداد، كما بنى ثلاثة أبراج قرب باب الأعظمية في المحل المسمى طابية ذو الفقار كما عمّر جامع القمرية الذي كان قد هدمه الفرس.
5- دلي حسين باشا 1054 هـ - 1644 م
من مرافقي السلطان مراد الرابع وقد تم عزله من البوسنة وثم عين واليا على بغداد وقد كان مخيفا مرعبا وقد اتهم بالجنون دلي لشذوذ طبعه وقد تمكن من فرض هيبة الحكومة وإقرار الأمن في جميع البلاد التابعة له بالقوة، وكان شديد الباس ضيق الصدر وكان يجول بين سكان بغداد متنكرا ليتعرف على من يخالف القوانين او يظلم الناس وقد كان يثابر على كافة الصلوات وخصوصا صلاة الجمعة وبعد عزله صار نديما للسلطان في اسطنبول
6- حيدر أغا محمد باشا 1054 هـ - 1644 م
من أغوات الإنكشارية، كان صاحب رأي ودهاء له مظهر يثير الرعب في النفوس لذلك خشي الموظفون والسكان سطوته، عرف بحسن الإدارة ونشر العدل كما طهر السبل من اللصوص والذعار.
7- كوجك موسى باشا 1055 هـ - 1645 م
كلمة كوجك بالتركية تعني الصغير عرف بالشجاعة والبطش، لذلك أوقع الرعب في القلوب فانتشر العدل واستتب الأمن وفر الذعار واللصوص إلى القبائل لذلك أثنى على عهده مؤرخو هذه الفترة بما يستحقه، عندما شعر بان والي البصرة علي باشا افراسياب بانحرافه واطماعه في الاستحواذ على ولاية بغداد أرسل له جيشا كبيرا استولى على البصرة وعلى قلعة قصر وهرب جنود البصرة وتم له النصر.
8- إبراهيم باشا المقتول 1056 هـ - 1646 م
كان شابا جميلا، قويا ذا هيئة عالية وطموح، قضى أكثر أيامه بقمع عصيان القبائل، حدث على عهده زلازل في بغداد وأطرافها وبعد أربعة أشهر من توليه الحكم عصى على السلطان، واستقل بالحكم. فدس إليه السلطان من اغتياله.
9- موسى باشا السمين 1058 هـ - 1648 م
هو من البلاط العثماني، كان مرافقا للسلطان إبراهيم الأول، كان عصبي المزاج، حاد الطبع فوض الأمر إلى الإنكشارية وأصبح الراي بيدهم ولم يعدل في الرعية بل عاملهم بالشدة والعنف ولم يعرف اللين والمسامحة ثم عُزل في نهاية السنة واعيد الى إسطنبول وصدر الفرمان بقتلة في سجن يدي قلعة لكثرة ظلمة وهو الذي فتك باليزيدية في جبال سنجار عندما كان واليا على ديار بكر، من اعماله سقاية ماء في بغداد سميت على اسمه
10- ملك حافظ أحمد باشا 1059 هـ -1649 م
كان حليم الطبع وقورا، حسن السيرة، يرحم الفقراء والضعفاء وربما صلى على أمواتهم كما كان كثير العبادة والتهجد حتى لقب بـ ملك – ثم عزل بعد تشدده مع الإنكشارية كادوا ان يستأثرون بالحكم دونه.
11- أرسلان بن نوغاي باشا 1059 هـ - 1649 م
كان شجاعا ذا شهامة ونجده وعقل وتيقظ، كسر شوكة الإنكشارية، غرقت بغداد على عهده فجأة. وكان عاقلا عادلا حكم ستة أشهر وأصيب بمرض توفى على أثره ودفن في مقابر الخيزران في بغداد تحت قبة ابي حنيفة النعمان.
12- حسين باشا 1060 هـ - 1650 م
كان يلقب بشاطر حسين عرف بالتدين والقيام بالأعمال الخيرية وقد كانت شخصيته المؤنسة قد أكسبته احترام الناس ومحبتهم، لم يطل عهده بحكم العراق بل مات شابا ودفن ببغداد.
13- قرة مصطفى باشا – الأسود – (1) 1061 هـ - 1650 م
ولد في مدينة ميرزفون في البانيا، كان قائدا للبحرية العثمانية وشارك في الحرب العثمانية ضد بولندا بعد اعتداء بولندا على أوكرانيا التي كانت تحت الحكم العثمانية تقلد الباشوية ثلاث مرات لما كان يتصف به من جاذبية شخصية وتواضع وثقافة وذكاء، عامل الناس بالحسنى كما كان شديدا في تطبيق الأنظمة، وإظهار هيبة الدولة وقد أصبح فيما بعد صدرا أعظم ثم تامر عليه الحساد فاعدم في بلغراد.
14- سلحدار مرتضى باشا (1) 1064 هـ - 1653 م
من الشخصيات البارزة في هــذا القرن كان صديقا للفقراء وسواد الشعب، يميل إلــى الفسق والفجــور ومعاقرة الخمر كما كان يظهر العفة والزهـــد والتدين، قـــد كان عدلــه مشوبـا بالقــوة والبطـــش، حارب حسين باشــــا المتغلب على البصــرة من آل افراسياب ، فأصدر السلطان محمد الرابع الأمر بطرده من البصرة فانهزم هذا إلى إيران مع أهله وحاشيته ثم عاد إلى البصرة عندما رجع سلحدار مرتضى باشا إلى بغداد بقواته .
15- اق -ابيض - محمد باشا 1065 هـ - 1654 م
كان رياضيا مقداما بالرغم من صحته العليلة ، ومن مآثره أنه قتل بعض العصاة الذين كانوا يعيثون فسادا في البلاد ثم قتله – حسين أغا الخاصكي – الذي أرسل من الاستانة لحل بعض المشاكل التي نشبت بين الوالي والإنكشارية .
16- خاصكي محمد باشا :- 1067 هـ - 1656 م
لقب بـ - خاصكي – لأنه خدم في الأستانة في القوة التي كان عليها تعقيب المجرمين في الشوارع والذين يناوئون السلطة العليا ، فكان هذا من الخاصة ومن هنا جاءت النسبة في عامية العراق وهي إبقاء التاء قبل الياء والنسب فقيل خاصتي ثم أبدلت هذه التاء كافا، كان مغرورا ً يحب الأبُهة وإظهار الجبروت ْ، كثرت على عهده ثورات القبائل والاضطرابات الداخلية كما أصاب العراق فيضان شديد حتى انتشرت المياه في السهول وخربت الجداول والأنهار وجرفت منازل القصب والطين جميعها وقد بني جامع الخاصكي المعروف باسمه اليوم كما بعث بالذهب إلى المدينة المنورة لتحسين قبتها ، وأعاد بناء برج باب الطلسم الذي هده الفيضان .
18- سلحدار مرتضى باشا (2) 1069 هـ - 1658 م
كان شجاعا مخلصا أحيا نهر دجيل تولى الحكم للمرة الثانية على أن يدفع للآستانة من الضرائب مئة كيس من الآقجات وألفي رطل من البارود سنويا، الغى مخصصات القضاة والدفترية وعزل امراء المناطق الذي فشلوا في عملهم , زاد من قيمة العملة فرفع شان الناس وازدهرت التجارة, لكنه أكثر من استيفاء الضرائب وأحتال عليها، حتى استهتر في أواخر أيامه ثم أستقل ببغداد تقليدا لعصيان بعض ولاة الأتراك في الأطراف لكنه فشل وفر من بغداد، ثم قتل في الموصل .
19- قنبور – أحدب – مصطفى باشا 1073 هـ - 1662 م
شيخ وقور مهيب الجانب، كان أغا الإنكشارية في أيام السلطان مراد الرابع وكان قبل ذلك – جوربة جي – بغداد رفع ما تمكن عليه من الضرائب، رفع الظلم عن الناس، لذلك أحبه العراقيون كثيرا لكنه كان مدمن على الافيون يتعاطاها فتظهر له تهيؤات غريبة.
20- مصطفى باشا 1074 هـ - 1663م
كان ابيض الوجه لذلك لقب بـ - بوموق – أي القطن كان شابا شرسا، عديم البصيرة ، لذلك تحاشاه عقلاء بغداد بسبب طيشه وجشعه ، وبعد ستة أشهر مزعجة من حكمه أنقذهم الموت منه .
21- قرة مصطفى باشا ( 2 ) 1075 هـ - 1664 م
ليس في عهده هذه المرة ما يستحق التسجيل سوى الإفراح التي أسرف فيها بسبب ختان أبنه وقد جمع بسببها أموالا عظيمة باسم الهدايا.
22- إبراهيم باشا الطويل 1077 هـ - 1666 م
كان رئيس البساتين في الحرم السلطاني، اشتهر بالعدل وعرف بالصلاح حتى رضيت عنه جميع الطبقات, حدث في عهده وباء استمر لمدة شهرين حتى مات فيه عدد كبير ، حارب حسين باشا آل افراسياب المثغلب على البصرة ، ولما لم يتمكن منه عاد إلى بغداد ولحق به جماعة من بيت الكواز ، المنتسبين إلى الشيخ محمد الكواز وهم اليوم – آل باش اعيان في البصرة - ثم توجه هؤلاء إلى الاستانية شاكين آل افراسياب لدى البلاط العثماني .
23- قرة مصطفى باشا (3) 1080 هـ -1669 م
دخل البصرة فمحق الفتنة فيها، وأنهى استقلال آل فرسياب فيها بعد معارك دامية حتى فر حسين باشا آل افرسياب إلى شيراز مع عائلته وحاشيته ومنها إلى الهند وهناك تولى بعض المدن ثم قتل في حرب حدثت بينه وبين أحد الولاة. وقد خلع السلطان على قرة مصطفى باشا خلعه سمور، وأهداه سيفا مرصعا. تقديرا لخدماته، وقد حدثت على عهده، حمى وبائية سببت موتا عظيما.
الى اللقاء في الحلقة القادمة
الباحث
بسام شكري
Bassam343@yahoo.com