(مغنّواتي الرئيس) يتبرّأ من تاريخه!!
أحمد العبداللّه
(مغنّواتي الرئيس)يتبرّأ من تاريخه!!
كانت للثقافة والإعلام والفنون دور كبير في حربنا الدفاعية الخالدة مع الفرس المجوس على امتداد سنوات المنازلة الثمان, وهي بمثابة(الفيلق الثامن)في تلك الحرب الضروس. وقد كان لأدب الحرب كالقصة والقصيدة والرواية, جانب مهمّ في شحن المعنويات وتوثيق البطولات التي سطّرها الجيش والشعب في ملحمة الدفاع عن الوطن. وأولها كانت رواية(الرقص على أكتاف الموت)للكاتب عادل عبد الجبار والتي صدرت عام 1981, واعتُبرت ضمن أهم مئة رواية عراقية في القرن العشرين.
أما الأغاني والأناشيد الوطنية, فقد كان لها أبلغ الأثر في التعبئة النفسية والمعنوية, بكلماتها البليغة المعبّرة, وألحانها الحماسية المؤثرة. فمن من ذلك الجيل لا تدمع عيناه ويقشعرّ جلده, وهو يستمع لأناشيد؛(احنا مشينا للحرب) و(يا گاع ترابج كافوري)و(آنه أمك گالت للگاع)و(الله أكبر للنصر خطواتنا) و(منصورة يا بغداد)و(دگي يالراجمة)و(ها خوتي النشامى). وغيرها كثير, التي صدحت بها حناجر الملايين خلال فترة الحرب وبعدها, وستبقى خالدة في وجدان كل عراقي وطني حرّ وشريف.
https://www.youtube.com/watch?v=XxNatckQugA&t=23s
كما كان للسينما العراقية دور مؤثر في تسجيل بطولات العراقيّين وتخليدها من خلال الأفلام الحربية الرائعة التي أبدع فيها الفنانون العراقيون أيّما إبداع, وهم يجسّدون بأدوارهم التضحيات الغالية لشعب العراق وجيشه في صدِّ الطوفان الأصفر القادم من الشرق, مثل أفلام؛(المهمة مستمرة)و(الحدود الملتهبة) و(المنفذون) و(صخب البحر)و(شمسنا لن تغيب), وغيرها. وكان فيلم المهمة مستمرة هو باكورتها وأُنتج عام 1981, ويروي قصة طيار عراقي كبَت طائرته داخل إيران, وبعد قفزه بالمظلة سالما, يتمكن من العودة لأرض الوطن بعد مغامرة محفوفة بالمخاطر, وبمساعدة أحد أكراد إيران المكتوين بظلم حكم خميني الدجال, وبدلا من الذهاب لأهله بإجازة, يجد بانتظاره واجبًا آخر, فـ(المهمة)لا تزال(مستمرة). وهذا الفيلم مفقود الآن للأسف.
وعند عرض فيلم(الحدود الملتهبة) في مهرجان القاهرة السينمائي, تصوّر الكثيرون من الحاضرين إن مشاهد المعارك الحربية التي تضمنها الفيلم, هي مشاهد حقيقية وليست مجسّدة, بسبب براعة تنفيذها وإخراجها. وأذكر إنني عندما شاهدت الفيلم المذكور في عرض جماهيري أواخر عام 1987, في سينما المنصور الكائنة في ساحة الاحتفالات الكبرى ببغداد, ضجّت قاعة العرض بالتصفيق الشديد, عندما ابتدأ الفيلم بمقولة للرئيس صدّام حسين, مقتبسة من أحد خطاباته, تقول؛(أي هجوم إيراني على العراق سيولد ميتا). ويقينًا إن الجمهور المذكور الذي كان حاضرًا في القاعة, لم يطلب منه أحد أن يفعل ذلك, ولكنها المشاعر الجياشة في حب الوطن والاستعداد للذود عنه بالغالي والنفيس.
ولذلك كان الانتقام الفارسي من الفنانين العراقيّين الذي شاركوا في ملحمة الدفاع عن الوطن رهيبًا, وكان الفنان داود القيسي الذي صدحت حنجرته الذهبية بأجمل الأغاني الوطنية, هو أول ضحايا رصاصات الغدر المجوسية بعد احتلال بغداد بأسابيع قليلة. مما دفع كثير منهم لمغادرة العراق اضطرارًا بعد نشر أسمائهم كمطلوبين لـ(فرق الموت), التي نشطت في تلك السنوات السوداء. ومنهم من بقي أمينًا ومتمسّكًا بخياراته وإرثه, كالفنان العالمي كاظم الساهر, صاحب أجمل أغنية عن تحرير الفاو, وهي؛(عروستنا واخذناها), والذي احترم تاريخه الوطني والفني, ورفض عروض الحثالات الحاكمة بزيارة العراق والمشاركة في مهرجاناتهم البائسة ذات الصبغة الطائفية الصارخة والمَقيتة.
https://www.youtube.com/watch?v=hzunFknnHXU
ومنهم من نكص على عقبيه وتنكّر لتلك الصفحة المشرقة في مسيرته, وتنصّل من أعماله الفنية الوطنية متذرِّعًا بأنه(مُجبر)!!. مثل تلك(البزّاخة)المتلوّنة التي(ردحت)بحماس وهي تنشد؛(ومنين العِبره يا صدّام)!!. فقد صارت بعد الاحتلال(موالية)!!, ومن مدّعي(المظلومية)!!, وتبكي على المجرم الهالك(قاسم سليمانو), وتسمّي صدّام بـ(الهدّام)!!.
https://www.youtube.com/watch?v=uklQDVzdlcM
كما أسفتُ لسقطة فنان كبير وفي صدارة ممثّلي الصف الأول, وذو تاريخ فني طويل يزيد على نصف قرن, ولعب دور البطولة في معظم الأفلام الحربية في الثمانينات, وهو الفنان سامي قفطان, فقد ظهر في مقطع قصير وهو يمجّد بالمجرمين المعلوسين, ويصفهما بأنهما(قادة النصر)!!, وإن(دمكم ما يُبرد)!!. المجرمان اللّذان خاضا بدماء العراقيّين إلى الأذقان, ودمّرت ميليشياتهم المدن وهجّرت الملايين من أهلها. فما كان لهذا الفنان أن يلوّث تاريخه بتلك القمامة.
وخاتمة المطاف ستكون مع مغنّي مشهور من جيل السبعينات ومن المقرّبين جدًّا للعهد السابق, وغنّى كثيرًا لحربنا الدفاعية العادلة مع الفرس المجوس وفي تمجيد الرئيس صدّام حسين. ولكن بعد الاحتلال قدّم(اعتذارًا لجمهوره)!!, وشطب على نصف تاريخه الفني, عندما(تبرّأ)من أغانيه الوطنية السابقة, بقوله؛(إنه قد أُجبر عليها)!!. ولكنه غنّى بعد ذلك لأسوأ رئيس وزراء في تاريخ العراق, وهو نوري(الهالكي)!!, مبرّرًا ذلك بقوله, وبلا أدنى خجل؛(كل من ياخذ أمي.. يصير عمّي)!!!.
وأراد أن يقلّد آخرين, ليغرف مزيدًا من الأموال, فأعلن نيّته في إصدار كتاب بعنوان(أنا وصدّام)!!, يحكي فيه ذكرياته مع الرئيس, وإنه كان مطربه المفضّل, وكيف أكرمه بثلاث سيارات صالون وأموال طائلة!!. يعني إن(الفنان المُجبر)لم يتواضع قليلا ويجعل عنوان كتابه؛(صدّام وأنا), أو(مغنّواتي الرئيس), مثلا!!. ولكنه صرف النظر عن نشره بعد نصائح تلقّاها من أصدقاء له من خارج العراق تحديدًا, بأن ذلك لا يصبُّ في مصلحته, بل سيلحق ضررًا شديدًا بسمعته وشعبيته.
وما أريد قوله في النهاية؛إن كواليس الإذاعة والتلفزيون سابقًا,تنفي نفيًا قاطعًا(نظرية الإجبار)!!. وتؤكد إن الفنانين(جميعًا وبلا استثناء), كانوا (يلزمون سره), ويتدافعون بالمناكب لتسجيل أغاني التمجيد بالرئيس صدّام حسين, طمعًا أو تزلّفًا أو اقتناعًا. ومن يزعم خلاف ذلك, فعليه بمراجعة مستشفى الشماعية للأمراض العقلية, والواقعة خلف(سوگ العورة)!!.