تضامن المجرمين وأزمة الخائفين!
منذ ساعتين
مثنى عبد الله
حجم الخط
0
[url=https://www.addtoany.com/share#url=https%3A%2F%2Fwww.alquds.co.uk%2F%d8%aa%d8%b6%d8%a7%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%ac%d8%b1%d9%85%d9%8a%d9%86-%d9%88%d8%a3%d8%b2%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ae%d8%a7%d8%a6%d9%81%d9%8a%d9%86%2F&title=%D8%AA%D8%B6%D8%A7%D9%85%D9%86 %D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AC%D8%B1%D9%85%D9%8A%D9%86 %D9%88%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A9 %D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%A7%D8%A6%D9%81%D9%8A%D9%86!][/url]
يتقاطر المجرمون على إسرائيل للتضامن والتعاضد في الجريمة الدائرة اليوم في غزة. فوحدة ساحات الجريمة مطلوبة في هذا الظرف في عُرف هؤلاء، كي يُظهروا جبروتهم أمام الآخرين. لقد أتوا إلى إسرائيل وكل منهم يحمل إرث دولته على كتفيه، سنين من الاستعمار والاستعباد وتدمير وخراب ونهب خيرات الشعوب. ولأنهم يعتبرون أنفسهم استثناء، وغيرهم وحوشا بشرية لا تستحق الحياة، فقد باتوا يظنون أن كل ما فعلوه في العقود الماضية في آسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية يجب تكراره اليوم في غزة، حيث آخر عار الاستعمار في القرن الحادي والعشرين.
يأتي الرئيس الأمريكي جو بايدن، والمستشار الألماني شولتس، ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك والرئيس الفرنسي ماكرون، وسيأتي غيرهم في الأيام المقبلة، وكلهم تطفح وجوههم بالرُقي الحضاري المعطوب وبالفضيلة الرثة، وقاسمهم المشترك الأعظم هو الإصرار على حق إسرائيل في أن تدافع عن نفسها بالمجازر. يقول بايدن إن إسرائيل يجب أن تعود مكانا آمنا لليهود، وإنه لو لم تكن هناك إسرائيل لعملنا على إقامتها. ويقول شولتس لدينا مسؤولية تاريخية لحماية إسرائيل. ويقول ماكرون هدفنا الأول هو إطلاق سراح الرهائن. أما ريشي سوناك فقال مخاطبا رئيس الوزراء الإسرائيلي، نحن معكم في أحلك أوقات إسرائيل. وهي الجملة نفسها التي قالها رئيس الوزراء البريطاني الأسبق تشرشل في الحرب العالمية الثانية، عندما كانت بريطانيا تمر بأوقات عصيبة جدا في مواجهة النازية. ولو دققنا جيدا في كل هذه الأقوال، لوجدنا أن معناها ودلالاتها تشير إلى أن إسرائيل في حرب مقدسة ضد النازية الجديدة ممثلة بالشعب الفلسطيني في غزة. وهذا الموقف في غاية الأهمية والخطورة، لأنه يعطي نوعا من المصداقية لهذه الرؤية التي يتحدث بها نتنياهو عندما يقول، إن حماس هي النازية الجديدة ونريدكم أن تكونوا معنا في مواجهة هذه النازية.
- اقتباس :
الفعل الفلسطيني الذي حدث في السابع من أكتوبر الماضي لم يكن لأغراض عقائدية أو سياسية، بل كان رد فعل طبيعي على كل الجرائم التي حصلت
إن الهدف المُعلن من تضامن المجرمين الذي رأيناه، يقول بضرورة اجتثاث حركة حماس، لكن هذه الفكرة التي تبناها هؤلاء الذين تقاطروا على إسرائيل، إنما تقوم على أشلاء مليونين ونصف المليون إنسان فلسطيني. فهل يحتاج بايدن إلى التنبيه لذلك؟ هل يحتاج شولتس وسوناك وماكرون ومن سيلحق بهم إلى التنبيه لذلك أيضا؟ هل يحتاج كل هؤلاء إلى التنبيه إلى أن ما يجري في غزة إنما هو جريمة موصوفة الأبعاد والحدود؟ وإذا كانوا يعملون وفق ما يمكن أن يُطلق عليه إناء الضغط، أي أنهم يريدون أن تنضج هذه الفكرة بسرعة. ومعنى النضج هُنا أن تُسلّم حماس وترفع الراية البيضاء، فهم واهمون حقا، لأنهم ينسون أن زيادة الضغط يؤدي إلى انفجار الإناء. بمعنى أن زيادة الضغط على أهلنا في غزة، سيؤدي إلى انفجارات متوالية في الضفة وفي مناطق عرب 1948، وربما جبهات أخرى تصوروا أنها باتت آمنة باتفاقات الصلح. علينا هنا أن لا نظهر وكأنهم لم يكونوا يتصورون أن هذا سوف يحدث، لأنه يحدث يوميا منذ السابع من أكتوبر، لكن لا أحد من هؤلاء الزعماء العظام، أصحاب المبادئ العظيمة في الحريات وحقوق الانسان قد تفوه بكلمة واحدة لوقف الجريمة. أين هي الضغوطات الغربية على إسرائيل؟ من ألمانيا أو فرنسا أو بريطانيا أو الولايات المتحدة؟ لا توجد.
إن استخدام القوة والتعويل عليها وحدها تُضيّع الحقيقة، ويكثر عدم اليقين والتخيّل، ويسقط البعض في عملية تضخيم أصابع الاتهام وتشويه الحقائق، لذلك نجد السردية الإسرائيلية وحلف المجرمين المتضامنين معها يعززون ويفعلون كل ما يستطيعون، كي يُظهروا للعالم أن الشعب الفلسطيني هو المعتدي، وأن إسرائيل هي المُعتدى عليها. وأن الإعلان الواجب نشره هو أن إسرائيل مستهدفة، فهبوا يا قادة الغرب لإسعاف إسرائيل واليهود. هذه هي الخيالات السياسية غير الواقعية السائدة اليوم في أروقة العالم المتحضر.. وإذا كان انعدام الرؤية قد ران على الوعي الأمريكي الرسمي والشعبي، والوعي الأوروبي الرسمي والشعبي، حول مدى خطورة ما كانت تُقدم عليه إسرائيل من جرائم وانتهاكات، بحق أهلنا في فلسطين على مدى أكثر من سبعة عقود، فإن ما ترتكبه إسرائيل الآن بحق الشعب الفلسطيني في غزة، هو أكثر خطورة من كل ما فعلته في المراحل السابقة. فالفعل الفلسطيني الذي حدث في السابع من أكتوبر الماضي لم يكن لأغراض عقائدية أو سياسية، بل كان رد فعل طبيعي على كل الجرائم التي حصلت.
أما معسكر الخائفين فإنه حتى الساعة يبدو مشلولا، وغير قادر على اتخاذ موقف حاسم من المذبحة الجارية اليوم على أرض غزة. ومع ذلك فموقف هذا المعسكر ليس جديدا، فالنظام الرسمي العربي ما زال حتى الساعة يجد أن مصالحه الأكبر هي مع الولايات المتحدة، رغم أن الشيء الوحيد الذي قدمه بعد مجزرة المستشفى المعمداني هو الامتناع عن لقاء الرئيس الأمريكي، مؤتمر القاهرة للسلام عجز حتى عن إصدار بيان ختامي. لكن هل هذا الفعل يوازي الدماء التي تجري؟ هل التصريحات الخجولة والاستنكار المُمل هما القبة الحديدية، التي تحمي أهلنا في فلسطين، خاصة في غزة من القصف الإسرائيلي؟ لماذا يُقدّم الاخرون كل الدعم المادي والمعنوي لإسرائيل، ويحجم النظام الرسمي العربي عن تقديم أي شيء إلى أهلهم الذين هم من لحمهم ودمهم؟ أين العروبة والدين والنسيج الاجتماعي الواحد والتاريخ والمصير المشترك، الذي تربت عليه أجيال وأجيال؟ لماذا هذا الانتظار الدائم للحلول أن تأتينا من الخارج؟ وإذا كان هذا الخارج قد احتكر الحقيقة لنفسه، فكيف يمكن أن نجد لغة مشتركة معه وننتظر الحلول منه، وهو قد حكم علينا مسبقا ومنذ عقود بأننا خصم وعدو؟ إن عدم الفعل العربي معناه أننا بدأنا عملية تثقيف واسعة لأجيالنا بأن فلسطين ليست شأنا عربيا. بل حتى ليست شأنا إنسانيا، بدليل أن التظاهرات التي عمّت العالم كانت أكبر من التظاهرات التي حدثت في البلاد العربية، وأن النشاطات الإعلامية والثقافية والإنسانية والاجتماعية التي حدثت في العالم من أجل غزة، كانت أكبر وأكثر فاعلية مما عملته الأمة، بل حتى الدعوات الشعبية لمقاطعة الشركات التي قدمت الدعم لإسرائيل في هذه الأزمة، رفضها بعض رجال الدين لدينا وربطوها بقرار من ولي الأمر. في حين أن ولي الأمر لم يستطع حتى أن يطلب من السفير الإسرائيلي مغادرة البلاد العربية، وهذا دليل واضح على أن ما يحدث في غزة من مذبحة لأهلنا وأطفالنا ونسائنا وشيوخنا، لا يراها ولي الأمر مُهددة للأمن القومي العربي. فمن المتعارف عليه في العلاقات الدولية، أن الدول تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع الدول التي تعتدي عليها، وتطلب من السفراء مغادرة أراضيها.
إننا بأمس الحاجة اليوم إلى أن يكون رهاننا على العالم الذي يجب أن يسكننا، عالم قيم العروبة والدين وصلة الدم والتاريخ والمصير المشترك، وليس الرهان على العالم الذي نسكنه، والموبوء بالظلم والقتل والدمار وتشويه الحقائق. فالحقيقة تسكن ما يسكننا، ولا تسكن ما نسكنه.
*كاتب عراقي وأستاذ في العلاقات الدولية