في إنتظار المعجزة السعودية
نزار جاف
في إنتظار المعجزة السعودية
ليست المرة الاولى التي أکتب عن السعودية وعن تجربتها الفذة منذ تأسيسها على يد المغفور له الملك عبدالعزيز آل سعود، بل کتبت ولکن بتأن لأنني کنت ولازالت أتابع عن کثب مايجري في السعودية من أحداث وتطورات، وقد واجهت إنتقادات لاذعة بهذا الصدد، لکنني لم أکن أکتب مجاملة أو طمعا في شئ کما يفعل الکثيرون من أجل أهداف وغايات خاصة، وأذکر جيدا بأن أول مقال کتبته کان بخصوص الحديث عن ماکانت تکيله الانظمة الانقلابية في بلدان المنطقة للقيادة السعودية ونعتها بشتى الاوصاف السلبية ورميها بمختلف العبارات النابية وکيف إنه کان هناك الکثيرون ممن تأثروا بذلك وحتى کانوا ينتظرون سقوط النظام الملکي في السعودية، غير إن الايام أثبتت عکس ذلك تماما عندما إنکشف کذب وزيف وهراء مزاعم هذه الانظمة التي تلاشت تباعا مثل فقاعات ولتبقى السعودية وقيادتها الفذة طودا شامخا تفرض نفسها ودورها على المنطقة والعالم.
قد يعترض البعض على وصفي للسعودية وقيادتها بالطود الشامخ، ولکنني أرد على هذا الاعتراض بأن السعودية وقيادتها لم تشغل العالمين العربي والاسلامي بالشعارات الرنانة والثوريات الجوفاء بل إنها کانت تعمل بصمت وبدقة وأناة، إذ أن الموقف المبدأي الحاسم للمغفور له الملك فيصل بن عبدالعزيز، بإيقاف تصدير البترول للبلدان الغربية أثناء حرب أکتوبر1973، کان يرقى الى مستوى الهجوم الذي شنه الجيش المصري على إسرائيل من حيث تأثيراته وتداعياته لصالح الهجوم المصري.
السعودية وفي ظل حرکة التقدم والتطور الذي کان يشهده العالم ويجعل بلدان العالم الثالث ومن ضمنها السعودية مجرد تابع وخاضع للعالم المتقدم، وکان هناك في موازاة ذلك نشاطا إعلاميا غربيا مکثفا وباللغة العربية موجها للبلدان العربية والاسلامية وبشکل خاص للسعودية يرکز على الفرق الشاسع جدا بين العالم الغربي وبين العالمين العربي والاسلامي، وأزاء ذلك فإن السعودية قد بدأت بمواجهة هذا النشاط بالأسلوب والنمط الهادئ والرزين لقيادتها، والمواجهة بدأت أول فصولها بتأسيس صحيفة"الشرق الاوسط" ومن ثم مجموعة"MBC"، ولايوجد هناك من يمکنه التقليل من الدور الريادي والفعال والمٶثر الذي لعبته وتلعبه في المنطقة ولاسيما من حيث طرح الحضارة العربية ـ الاسلامية کند للحضارة الغربية في المجالات الفکرية والفنية والادبية والثقافية إذ أن صحيفة الشرق الاوسط ومجموعة"MBC" کانت بمثابة ظاهرات غير مسبوقة في المنطقة ودخلت ليس الى البيوت فقط بل وقبل ذلك الى العقول.
هذه الخطوة، کانت ضرورية جدا قبل أية خطوة أخرى لأن السعودية أدرکت جيدا بأن إعداد العقول وتهيأتها ولاسيما العقل الجمعي، ضرورة ملحة للإقدام على خطوات قادمة أخرى تمهد لتغييرات کبيرة غير مسبوقة، ولاسيما بعد أن صار العالمين العربي والاسلامي والعاللم برمته يواجه خطر الارهاب والتطرف، وکان لهذه المنابر دورا کبيرا في إنجاح الحرب السعودية الفعالة ضد الارهاب والتطرف، عندما بادرت الى تسليط الاضواء على الدور بالغ السلبية للإرهاب والتطرف وعدم علاقته بالاسلام، کما إنه من المفيد جدا هنا الاشارة أيضا الى المواجهة الحصيفة والعقلانية لإثارة النعرات الطائفية في السعودية بغرض إستغلالها لأهداف وأجندة خاص في المنطقة ولايخفى على أحد مرکزها المشبوه، إذ أن السعودية حافظت على أمنها الاجتماعي على أحسن مايکون وأفشلت واحدا من أهم وأخطر المٶامرات غير المسبوقة عليها ولي في هذا الموضوع رأي وحديث سوف أطرحه في الايام القادمة بعون الله تعالى.
بعد کل ماقد سردت ذکره، جاء الحدث والتطور الذي أثبت بأن القيادة السعودية بما قامت به سابقا، لم يکن عبثا ومن دون هدف محدد، وذلك بعد أن حل عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الامير محمد بن سلمان، حيث فتح أبواب السعودية على مصاريعها للدخول في مرحلة تأريخية جديدة، مرحلة أسس لها الامير محمد بن سلمان من خلال"رٶية 2030" التي صار جليا بأنها ليست مجرد نظرية أو زوبعة سياسية ـ إعلامية سرعان ماتخبو کما حدث مع العديد من التجربات ذات النهج"الطفولي والانفعالي" لبلدان أخرى في المنطقة وإنتهت وکأنها لم تکن، بل إن هذه الرٶية تمهد وبصورة عملية لمرحلة بناء المملکة العربية السعودية بصورة تجعلها ليس قطبا ولاعبا نوعيا على مستوى العالمين العربي والاسلامي وإنما على المستوى العالمي، وهذا إن قمنا بتفسيره في ضوء التأريخ الحديث والمعاصر للمنطقة تحديدا، فإنه يعني إن ماسيتحقق في السعودية هو في مستوى المعجزة!
رٶية 2023، مشروع نهضوي عام وشامل يتصدى لمختلف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والفکرية والسياسية، وهدفه أکبر من الذي يمکن تصوره لأي مشروع نهضوي آخر على مستوى المنطقة والعالم، فهو يهدف وبمختصر العبارة العمل على تحقيق قفزة تنموية نوعية تضع السعودية في مصاف الدول المتقدمة وتجعلها وبحق بمثابة النموذج للعالمين العربي والاسلامي وهي بذلك تتخطى الحالتين القطرية والاماراتية کما هو مرسوم لها، وبطبيعة الحال فإن لدى القيادة السعودية عموما والامير محمد بن سلمان خصوصا أکثر من هدف استراتيجي من وراء ذلك ولعل أهمها رفع درجة ومستوى ثقة الشعب السعودي بقيادته وبما تسعى إليه من ضمان حاضر ومستقبل زاهر للشعب وبإعتقادي فإن القيادة السعودية تريد أيضا أن ترسل رسالة لشعوب وبلدان المنطقة بخصوص إن مرحلة الشعارات والبهرجة النظرية قد إنتهت وإن المرحلة الحالية هي مرحلة تجسيد وتفعيل الخطط التنموية الطموحة والعمل الجاد من أجل سعادة ورخاء ورفاه الشعوب ومستقبل أجيالها.
الزيارات النوعية لزعماء البلدان المتقدمة للسعودية وبشکل خاص خلال عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز والمٶتمرات والتجمعات النوعية المقامة فيها وآخرها القمة العربية ـ الاسلامية، أثبتت مستوى الدور والثقل السياسي والاقتصادي والفکري والاعلامي الذي باتت تمثله السعودية، وبشکل خاص بعد أن مضى الامير محمد بن سلمان قدما في ترجمت رٶيته على أرض الواقع وهو مالفت الانظار إليه وأثبت بأن السعودية قادرة ليس على تکرار تجارب تطور وتغيير إيجابي کالذي حدث في ماليزيا وسنغافورة وکوريا الجنوبية بل وحتى على الاکبر منها ولاسيما وإن السعودية تمتلك إمکانيات مادية هائلة ولها عمق عربي إسلامي لايخفى على أحد.