ايها القوم .. إلى أين انتم ذاهبون؟
الاستاذ الدكتور عبدالرزاق محمد الدليمي
ايها القوم ..إلى أين انتم ذاهبون؟
اربكت من جديد نتائج الانتخابات العراقية الاخيرة وزادت من سوء الوضع السياسي بشكل كبير ،واظهرت تباين واضح في وجهات النظر بين قوى ومكونات الفائزين بالانتخابات وبين المعسكر الرافض لنتائجها ، هذا المعسكر الذي ضم الميليشيات الولائية والقوى التقليدية الماسكة لزمام السلطة، كان ذلك نتيحة متوقعة رغم انها متأخرة للاخطاء الكبرى التي وقعت فيها الإدارة الأمريكية، وقادت ذيولها من العملاء إلى الحالة الراهنة بعيدا عن الصورة النمطية للعراقيين
إن ما يحدث داخل العراق في الوقت الحالي يُـمثل اشكالية بنيوية حقيقية للنظام السياسي المتهرء الذي تشكل بعد احتلال البلاد ، حيث اسقطت مؤسسات الدولة العراقية بما فيها الإدارية والصناعية والزراعية والصحية والتعليمية والخدمية وغيرها وأفرغ محتواها بشكل مقصود من الفعاليات اللازمة لبناء واستمرار الدولة ،إنّ الفساد المستشري والبطالة والفشل الكبير في مفاصل الدولة المختلفة ، والفقر وانحسار المشهد الثقافي والعلمي ، وعدم إيجاد حلول للبنى التحتية وتسييس الدين ، وغيرها تسببت في فشل الديموقراطية في العراق ، ويتجه النظام السياسي يوما بعد يوم نحو الاستبداد نتيجة هيمنة السلاح المنفلت على حساب كرامة المواطن وهيبة الدولة ، حتى اصبحت الديموقراطية العراقية محل تندر واستهزاء .
ليلى والذئب
كلنا نتذكر كيف انطلت علينا ونحن صغار فرية الذئب الذي افترس جدة ليلي ولبس لباسها واخذ مكانها بالفراش ، وكم منا كانت تراوده الاحلام المخيفة من ان تتكرر مأساة جدة ليلى عليه....ويبدو ان بعض اصحاب العمائم يكررون ذات المسرحية على عوام الناس البسطاء ،ويأخذونهم على حين غرة بتمرير كم من الخرافات والخزعبلات ووو الى درجة انهم يصدقونها برحابة صدر ويعيشون معها احلام اسوء من احلامنا مع ليلى والذئب.
العِمامة أو العمَّة من لباس رأس منتشر في كثير من المناطق والشعوب في العالم، والعمامة ليست حصرا على طائفة من المسلمين دون سواها، وعليه فأنّ رجل الدين سيدخل في باب إحتكار الدين الذي هو مخالف لروح الدين الإسلامي إن إدّعى تمثيله للإسلام بعمّته التي يعتمرها فقط دون غيرها. أمّا رجل الدين الذي يخوض غمار العمل السياسي، فأنّه سيدخل في باب الطائفية إن إدّعى أن عمامته هي من تمثل الوطن متعدد القوميات والأديان والمذاهب دون غيرها. ومن هنا فأنّ العمامة الشيعية بأي بلد ليس من حقّها إدعاء تمثيلها لجميع المسلمين سواء في بلدها أو غيره، كما ولا تستطيع العمامة السنّية أن تعلن إدّعائها هذا وبنفس القدر. ومن خلال الصدام المستمر بين العمامتين بعد نشوء المذاهب المختلفة فقهيا، والعودة منهما دوما لأول خلاف سياسي نشب حال وفاة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم والذي جرت وقائعه في سقيفة بني ساعدة، فأنّ العمامتين ساهمتا وما تزالا مساهمة فعّالة في الكوارث التي حلت بالمسلمين منذ اكثر من 1400 عام .
التفكير والتذكير بصوت عال
القائد السابق في حزب الدعوة غالب الشابندر الشخص الذي لم ولن يخفي طائفيته ..وجه رسالة صريحة واضحة إلى المرجع السيد علي السيستاني نشرتها صحيفة (المدى) البغدادية ، أعلن فيها معارضته لكل ما يجري وينبه إلى أمور خطرة جداً.
في أربعينيات القرن الماضي، وفي خطاب ألقاه في الحضرة الكاظمية بمناسبة العاشر من محرم ونقلته إذاعة بغداد، نبه الدكتور علي الوردي إلى خطر الطقوسية في المراسم الحسينية وسواها من المراسم الدينية، وها أن الأستاذ غالب الشابندر يعود إلى هذه النقطة بعد 75 سنة لينبه لها أعلى مرجعية شيعية في العالم، فهل ستجد صرخته صدى كما لم تجد صرخة الوردي؟
رفض الشابندر في رسالته السياسات المتبعة في العراق، ورفض إرسال مقاتلين إلى سوريا ودعا إلى نبذ الطائفية والعودة إلى روح المواطنة العراقية، ودعا كذلك إلى أن يعرف الشيعة حجمهم، فـ(من قال يجب أن نعادي العالم كله، ومن قال إننا مسؤولون عن تحرير كل بقاع الدنيا، ومن قال إننا وحدنا مسلمون، ومن قال إن الجنة من نصيبنا وحسب؟)، منبهاً بشدة من ولاية الفقيه.أن هذه الرسالة تحدد بوضوح لكل عراقي معرفة من الذين صنعوا الطائفية ولمصلحة من؟ وليفهم أن وطنه مستهدف بمؤامرة مركبة وضعتها الكثير من الجهات لتدمير سيد الأوطان العراق العظيم.
وفيما يأتي نص رسالة غالب حسن الشابندر
نتيجة السياسة المفعمة بالغرور، والتفكير المثالي الطوباوي، والارتكان إلى ثقافة مهدوية مرتبكة، وتسلُّط الصبيان على مقاليد الأمر الشيعي، والانتهازية السياسية على حساب المصلحة الدينية والاجتماعية وحتى المذهبية، والافتتان عن جهل أو قصد بمبدأ ولاية الفقيه، وتغليب الولاء المرجعي على الولاء الوطني، والانفعال برواسب التاريخ المشبّع بالدم والشعور بالإثم والخطيئة، ولإغراقنا حتى اللعنة بسياسة جلد الذات، ولازدواجية نابتة في ضمائرنا نخدع بها أنفسنا وغيرنا، ولانشغالنا بتاريخ مات ومضى ولن يعود، ولقتلنا للزمن بلا رحمة ولا فكر ولا تبصر، ولانهمامنا بالصغيرة وتركِنا الكبيرة، ولانغماسنا بالقشور دون الجوهر واللب، ولأننا نقبل بالحلول الجاهزة، ونستمرئ التبرير والتوكل، ولأننا ضحية المظاهر والتوافه والهوامش، ولتعلقنا بالإطار دون الصورة، ولاستهلاكنا بالكلام وليس الفعل، ولأن المنبر تحول إلى دعاية هابطة، ولأننا نفتش دائماً عن قبور جماعية، ولأننا نؤمن بالموت المجاني، ونرقص على جروحنا فرحين من الألم، ولأن النجف تم خطفها، ولأن الحسين صار عنوان الارتزاق والاستعلاء والتسوّل، ولأن الكاظم صار إيقونة وليس رمزاً، ولأن علياً الكبير ضاع بين لهو الجن ولعنة السحرة، ولأن الشهادة استغلت واستثمرت لاستئصالنا وقتلنا بالمئات، ولأننا نفرح، ونسكر وننتشي، ونغني ونرقص استجابة لنداءٍ، يستظهر رحمةً، ويستبطن عذاباً، ولأن الكون في فكرنا كله حزن، كله مأساة، ولأن التاريخ قدر، ولأن العمر في الأربعين يكون قد ودّع الحياة، ولأن الغنى شر، والفقر خير، ولأننا نرفع شعار الوحدة الإسلامية، ونتهامس سراً بنفاقها ودجلها وتفاهتها، ولأننا نتواصى بتسقيط رموزنا، ولأننا نحتمي بالمنطقة الخضراء، وعلى الموائد خير الزاد، ورائحة المسك والعنبر، وترانيم فكر (خط البط وبط الخط)، فيما شبابنا تزفّهم قوافل الموت الزؤام بلا حساب يا سيدي، ولأن دموع عبد الزهرة، وعبود، وشناوة، وكاظمية، وشمهودة لا تهز ضمير الأيدي التي تتوضأ، ولأنهم يدفعون بربيع أولادنا إلى القتال، وأولادهم يترنمون دعاء كميل الكسول في لندن وكندا والسويد والدانمارك، ولأن فلسطين يجب أن تعود لأهلها، بدمائنا وأرواحنا وعرضنا مرغمين، ولا تكريم حتى بلغة النفاق، ولا خبز عيش مشترك حتى لو ضاقت بنا كل الدنيا، ولا عزة تذكير وشكر، بل كمن يتلقى الرماية ممن علَّمه الرماية، ولأن تحرير الأندلس من الاحتلال الأوروبي البغيض يجب أن يكون مهمتنا حتى لو أن علياً يُلعن في ما بعد على المنابر، ولأن العمامة أشرف وأهم وأقدس من دماغ عالم الذرة، ومنجي الجسوم والأروح من الموت والجوع والقهر والوجع والدموع، ولأن الأميين والجهلة والمنتفعين هم الحراس على تراث الحسين وحب الحسين، فيما أهل الوعي والتجربة والمحبون كفرة أوغاد...
هل تريد من مزيد يا سيدي؟
أعتقد انه كاف...
ولكن ما هي النتيجة يا ترى؟
ظاهرة اليتم الشيعي...
وظاهرة التعوّق الشيعي...
وظاهرة الترمّل الشيعي...
وظاهرة الفقر الشيعي...
وظاهرة التسوّل الشيعي...
وظاهرة التشرّد الشيعي...
هل من مزيد يا سيدنا العزيز؟
شيعة العالم اليوم يعانون من حصار عالمي، حصار جغرافي واقتصادي واجتماعي وسياسي، وقد أعلن أوباما في خطابه الأخير أن الشيعة ليسو أهل حكم وإدارة وفن وعلم، فهل هي القوس الأخير في حلقة الحصار العالمي للشيعة في العالم، كل العالم، في إيران والعراق وسوريا ولبنان والسعودية والإمارات واليمن والقارة الهندية؟
النجف يا ابن المصطفى تستصرخكم، يريدون لها ان تتحول الى بوار، وروحانية بغداد بكاظمها الغيظ وحنيفها الفقه يريدون لها أن تتهدم إلى الأبد .
سيدي الكريم...
قطرة شهيد في مجزرة سبايكر وديالى خير وألف خير من كل حجارات مشهد العقيلة زينب، فما لنا صرنا نقدس الحجر ونهجر العقل، ما لنا نؤمن بأن بناء الإنسان أهم وأخير وأقدس من بناء الله، سيدي أطفال سبايكر يصرخون في وجه المتحصنين في المنطقة الخضراء، أرامل ديالى، نساء ديالى المغتصبات حاسرات الرأس، ناشرات الشعور، هائمات على الوجوه، دموعهنّ الحائرة تلعن المنطقة الخضراء والسمراء والسوداء والحمراء...
شيعة العالم اليوم سيدي ضحايا، ضحايا (وهم) يقولون عنه أم قرى الإسلام الجديدة، ضحايا الحجر الميت، ضحايا الجهل والفقر والمثالية والسعي لإثباتِ انتماءٍ همْ شهداء على نظافته وروعته، فيا غريب الدهور والفكر والتاريخ..
سيدي الكريم...
إلى إين نحن ذاهبون؟من قال يجب أن نكون شهداء رغماً عنا، ومن قال يجب أن نكون حطب حرب مفروضة علينا، ومن قال يجب أن نخلص لتراب واحد، وفقيه واحد، وعاصمة واحدة؟من قال يجب أن نعادي العالم كله، ومن قال إننا مسؤولون عن تحرير كل بقاع الدنيا، ومن قال إننا وحدنا مسلمون، ومن قال إن الجنة من نصيبنا وحسب؟
والضمير من وراء القصد!!!