خلافات القوى الشيعية العراقية تتطور إلى صراع على قيادة الحشد الشعبي
اتهامات لرئيس هيئة الحشد بسوء التصرف والتواصل مع شخصيات "داعمة" للإرهاب.
الخلافات التي فجّرها التنافس الحادّ بين القوى المشكّلة للإطار التنسيقي على المناصب القيادية بالحكومات المحلّية للمحافظات العراقية، بدأت تتوسّع مهدّدة وحدة الإطار ومن ورائها استقرار حكومة رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني الذي يظل استمراره في المنصب رهين التوافق بين تلك القوى.
العرب/بغداد - يواجه رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض عاصفة من الانتقادات الحادّة لم تصدر هذه المرّة عن القوى والشخصيات العراقية المناهضة لهيمنة الميليشيات التي يتشكّل منها الحشد على المشهد الأمني في العراق، ولكن من داخل العائلة السياسية الشيعية التي ينتمي إليها الفياض والتي تفاقمت الخلافات بين قياداتها مع اشتداد صراعاتهم على المناصب وما تتيحه من نفوذ ومكاسب مادية.
واتّخذت تلك الانتقادات من لقاء جمع الفياض قبل أيام بوجيه عشائري سنّي متّهم بدعم الإرهاب واتّسعت لتشمل طريقته في إدارة الحشد والتصرّف بإمكانياته البشرية والمادية. ودعا عضو مجلس النواب العراقي علي تركي الجمالي إلى طرد الفياض من رئاسة هيئة الحشد الشعبي بسبب تسخيره "إمكانيات الهيئة من خلال التعيينات الأخيرة لكسب أصوات الجمهور".
وقال في منشور على حسابه في فيسبوك إن “هذه مخالفة يجب أن يحال بسببها الفياض إلى هيئة النزاهة”، متهما إياه بتعيينه مؤخرا ألفا وأربعمئة شخص خارج الأطر النظامية للتعيين في الحشد. لكن التهمة الأخطر التي وجهها النائب المعروف بقربه من زعيم ميليشيا عصائب أهل الحقّ قيس الخزعلي للفياض هي تواصله من شخصيات داعمة للإرهاب، وهي أخطر تهمة توجّه لمسؤول شيعي في موقع أمني حساس مثل رئاسة هيئة الحشد، ما يعني ذهاب خصوم الفياض إلى الحدّ الأقصى في محاولتهم إزاحته بل محو اسمه من الخارطة السياسية والأمنية.
واستند النائب في ذلك إلى لقاء جمع مؤخّرا الفياض مع أمير قبائل الدليم علي حاتم السليمان في منزل الوجيه القبلي رعد السليمان بمحافظة الأنبار غربي العراق. وتلاحق حاتم السليمان تهم دعم الإرهاب واحتضانه بسبب مساندته سنة 2014 للاعتصامات القبيلية التي تمت آذاك في مدينة الرمادي وتحوّلت إلى عصيان مسلّح اعتبر نواة لظهور داعش في المناطق السنية العراقية. كما أن السليمان معروف بدفاعه عن تأسيس إقليم لسنّة العراق على غرار إقليم كردستان.
وقال الجمالي في منشوره متوجّها بالخطاب للفياض إنّ "أكبر الجرائم ارتكبت بأيدي وتحريض من تحتضنون، ومن تُرجعونهم اليوم وتلتقون بهم، وذلك بعد أن تناسيتم وبعمد الآلاف من الشهداء والجرحى من الأجهزة الأمنية والحشد الشعبي الذي أصبحت وبالصدفة أنت رئيس هيئته وأصبحت موارد هذه الهيئة إرثا لك ولمن يتملقك". وأضاف أنّ "دماء الشهداء.. تأبى أن يمثلها من يعتاش عليها ويرحب بمن انتهكها”. كما توجّه بالخطاب للقوى القائدة لحكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني قائلا “اعزلوا الفياض قبل أن يعزلكم الحشد".
واضطر المكتب الإعلامي لرئيس هيئة الحشد الشعبي إلى إصدار توضيح بشأن لقاء الفياض بالسليمان، وقال في بيان إن اللقاء لم يكن مخططا له، وإنّه حدث صدفة أثناء الزيارة المذكورة، لكنّه تحدى متهمي رئيس الهيئة بالقول “كنا ومازلنا مع القضاء العراقي العادل، فإذا كان هناك من يدعي أن أحدهم متهم بالإرهاب فليقدم دليلا على ذلك".
ويعتبر الفياض المنتمي إلى حزب الدعوة الإسلامية بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي من الشخصيات الأمنية المرموقة في العراق حيث سبق له أنّ تولّى مناصب هامّة بدءا بمنصب مستشار للأمن الوطني الذي عينّه فيه المالكي، كما يُعرف بقربه من الحرس الثوري الإيراني وهو ما يفسّر اختياره لرئاسة هيئة الحشد الشعبي. لكن ذلك لم يمنع خسارته لمنصبي مستشار الأمن الوطني ورئيس جهاز الأمن الوطني، ليقتصر على رئاسة هيئة الحشد.
ونظر متابعون للشأن العراقي إلى الاتّهامات الموجّهة للفياض، في هذه الفترة بالذات ومن داخل العائلة السياسية الشيعية التي ينتمي إليها، باعتبارها مظهرا على اشتداد الصراعات بين مكوناتها وتوسّعها لتشمل أقطاب الإطار التنسيقي الذي يعتبر النواة الصلبة لحكومة السوداني. وأذكى الخلافات بين مكوّنات الإطار تنافُسها الشديد على المناصب القيادية في مجالس المحافظات التي أعيد تشكيلها مؤخّرا إثر الانتخابات المحلية التي أجريت في شهر ديسمبر الماضي.
ودار أشرس صراع بين زعيم ميليشيا بدر هادي العامري وزعيم ميليشيا عصائب أهل الحقّ قيس الخزعلي، وقد خرج إلى العلن بعد تعذّر تشكيل الحكومة المحلية لمحافظة ديالى بسبب مطالبة كل من العامري والخزعلي بمنصب المحافظ لكتلته. لكنّ الحملة على الفياض أخرجت أيضا إلى العلن غضب الخزعلي من نوري المالكي الذي نالت كتلته نصيبا وافرا من مناصب الحكومات المحلّية وبات يطمح للعودة إلى واجهة المشهد السياسي من خلال هيمنته على الإطار التنسيقي واستخدامه لإعادة نفوذه إلى سالف قوّته.
ورأت مصادر عراقية أنّ الخزعلي على صلة مباشرة بحملة الاتّهامات للفياض كون الذي دشّن الحملة ليس سوى النائب الجمالي الذي سبق له أنّ انتمى إلى كتلة “صادقون” النيابية الممثلة لميليشيا العصائب. كما سبق أن شنّ هجمات إعلامية شرسة على المالكي وأعضاء حزبه.
ولم يتردد الجمالي في وقت سابق في توجيه انتقادات حادّة لمرحلة قيادة المالكي للحكومة العراقية لفترتين متتاليتين، محمّلا رئيس الحكومة الأسبق مسؤولية سقوط ثلث مساحة العراق بيد تنظيم داعش وحدوث مجزرة سبايكر على يد عناصر التنظيم وكذلك انتشار الفساد في مفاصل الدولة، ومطالبا بمحاسبته. وينذر نشوب معركة جديدة بين الخزعلي والمالكي بالتوازي مع معارك أخرى في مقدمتها معركة الخزعلي ضد العامري بتفكّك عقد الإطار التنسيقي، الأمر الذي سيشكّل خطرا على استقرار الحكومة الحالية التي وقفت قوى الإطار وراء تشكيلها.
وظهر هاجس الحفاظ على انسجام الإطار بوضوح خلال اجتماع عقده، الأحد، رئيس الحكومة محمد شياع السوداني مع رئيس المجلس الأعلى الإسلامي همام حمودي. وقال بيان صدر عن مكتب حمودي إن الطرفين أكّدا خلال اللقاء على “ضرورة حسم ملف المحافظات ومجالسها المحلية.. وأيضا على أهمية الحفاظ على حالة الانسجام داخل الإطار التنسيقي ووحدته بما يعزز الاستقرار ويسهم في إنجاح البرنامج الحكومي، فضلا عن أهمية ذلك في مواجهة التحديات في ظل التوترات التي تشهدها المنطقة".