[size=30]الصوم طهارة للروح والبدن وعبادة تقود الى التقوى - بقلم : الشيخ د. جمال قبلان[/size]
الحمد لله الذي جعل المواعظ تزكية لقلوب المتقين، وايقظ بالتذكير همم العارفين، واشهد ان لا اله الا الله وحده، لا شريك له جعل النصيحة للمسلمين من افضل القربات، وارفع الدرجات وبعد:
"شهر رمضان الذي انزل فيه القران هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان".
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- "اتاكم شهر رمضان شهر بركة، يغشاكم الله فيه، فينزل الرحمة، ويحط الخطايا، ويستجيب فيه الدعاء، وينظر الى تنافسكم في الخير، ويباهي بكم ملائكته، فاروا الله من انفسكم خيرا، فان الشقي من حرم فيه رحمة الله- عز وجل-".
فهذا حديث جامع يتكلم عن عبادة تقود المؤمن ان اداها بحقها الى تقوى الله عز وجل، لهذا كان علينا ان نجعل من هذه العبادة زادنا وطريقنا الى الله وان نستلهم منها صحوة الضمير ويقظة الحس واعتدال واستواء الاخلاق واستقامة السلوك وان نعبا النفس بطاقات خلاقة وحيوية دافعة.
ان تقوى الله تعالى تلك التي تزرعها في نفوسنا عبادة الصوم انما تدعونا الى الوقاية الذاتية والمحاسبة الدقيقة لكل ما يصدر عن المسلم.
لهذا فان الصائم عليه ان يرتفع بهذه العبادة وان يحلق في اجواء من السمو الروحاني، فيصون لسانه وجوارحه عن كل ما هو مشين، لان الصوم طهارة جسدية ونفسية وخلقية، طهارة لا تقبل التلوث، فلا عبث ولا نزاع، ولا جهل ولا ضلال، ولا غش ولا خديعة، ولا ظلم ولا كذب ومشاحنة، بل خلق كريم وعمل سليم وسلوك مستقيم.
يقول صلى الله عليه وسلم من لم يدع قول الزور والعمل به ليس لله حاجة في ان يدع طعامه وشرابه.
وكلما اوغل المؤمن في الصوم وتمرس في هذا العبادة النورانية، ادرك من انوار الصيام ما يخلق في نفسه شفافية تسمو به وترتفع به عن الدنايا والنقائص وفحش القول وزوره.
فلا يصوم المؤمن من اجل ان يشارك افراد مجتمعه مشاركة وجدانية، ولا خوفا من كلام الناس ولا اتقاءا للوم المجتمع، ولكن امتثالا لأمر الله، وحبا في الوصول الى التقوى التي هي سبب لكل خير، وطريق موصل لكل ظفر، وسبيل لكل نصر، وتنفيذ لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يقول صلى الله عليه وسلم "الصيام جنة فاذا كان يوم صوم احدكم فلا يرفث ولا يصخب ولا يجهل فان سابه احد او قاتله، فليقل اني صائم اني صائم".
فالصوم له تأثير واضح بين على نقس المؤمن الصائم، فهو يطهر المؤمن من كل دنس وينظف النقس من كل درن، وينقي الوجدان، ويغرس في المؤمن صبرا وحلما واناة، ويتعلم منه اخلاقا طيبة وسلوكا قويما، وتتربى عند المؤمن موهبة وملكة المراقبة لله تعالى، بل ويتعالى في نفسه عن رقابة البشر فهذه اشراقات الصوم التي تخلق في نفس الصائم رقيبا على نفسه يعيده الى الصواب اذا زل، وحارسا على ضميره يؤنبه اذا ابتعد عن الحقيقة فتوجد نبعا ثرا للإرادة يقاوم فيه الصائم كل شهوة ويطرد كل انحراف ويبعد عن نفسه كل وسواس.
فالصيام مراقبه لله عز وجل يملا النفس خوفا ووجلا من الله، ويجعل المؤمن يعيش في سبحات رحمانية يرتفع فوق سفاسف الامور ويعلو عن فاحش القول وزوره، فلا يقول الا خيرا ولا ينطق الا ذكرا ويجعل من نظره عبرة ومن صمته فكرا، يقوده الى الايمان الصادق بالله عز وجل، والدين الاسلامي بمجمله يستهدف صنع الحياه على دعائم متينة راسخة من الحق والعدل والصدق والاستقامة والخير والفضيلة وهذا هو المنهج الرباني "المنهج الامثل والافضل" الذي يبني النفوس المؤمنة ويعدها اعداد طيبا ويصقلها صقلا بحيث تنعكس عليها كل مقومات الحياة الطيبة والاخلاق القويمة.
فللصوم غايات سامية واهداف قيمة، راسها التقوى، التي توجد في نفس الصائم محاسبة ذاتية ومراجعة دقيقة لكل ما يصدر عنه فتجعل في نفسه وازعا داخليا يناديه ويهزه من اعماقه كلما ابتعد عن الدرب السوي الذي رسمه لنا رب البرية، يلوم نفسه كلما ارتكب خطا او صدرت منه هفوه او صنع زلة وتلك هي النفس اللوامة التي اقسم الله تعالى بها في كتابه الكريم فقال تعالى.... "والنفس اللوامة" ومن هنا يكتسب المسلم من هذه العبادة، عبادة الصوم التفاني ونكران الذات ودعم الشعوب الاخوي وتوفيق روابط المحبة والاخوة والمودة، فحب النفس ما دخل في نفوس افراد مجتمع الا دك قواعده، وزعزع اركانه، وهدم بنيانه، واتى عليه من اساسه، فيصبح باسهم بينهم شديد، وتستفحل العداوة بين افراد، فالحرب بينهم سجال، والبغضاء تبدو من افواههم، والترابط بينهم يتلاشى وينعدم، ويصبحون كعقد انفرط نظامه كل حبة منه في ناحية، فرقت بينهم الاهواء السياسية والمذاهب الانسانية والاحزاب القومية والادعاءات الدينية، تفرقوا شيعا واحزابا كل حزب بما لديه فرحون والخروج من هذا يكون بالالتجاء الى الله والاقبال على ما طلب منامن عبادة... حيث يتعلم المؤمنون في مدرسة الصيام كيف يضبطون انفسهم ويكبحون جماحهم ويسيطرون على شهواتهم وينظمون حياتهم ويتعلمون صدق العبودية لله تعالى التي من واجبها ان يعيش المرء ضمن قدرته المحدودة فيعلم ان الله هو الغني ونحن الفقراء اليه. وهذا يدفع المؤمن ان يعمل بصدق واخلاص، تمتلئ نفسه ايمانا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم "واعلم ان ما اصابك لم يكن ليخطئك وما اخطاك لم يكن ليصيبك، واعلم ان النصر مع الصبر وان الفرج مع الكرب وان مع العسر يسرا"، ويعلم علما يقينا ان الله مع المؤمنين، فلا يتذبذب ولا ينافق ولا يكذب، ولا يعيش في اوهام باطله، يعلو صوته بالحق لا يخشى لومة لائم ولا ينطوي صوته تحت رعونة بعض الشباب الذين غرتهم المظاهر الجوفاء واغرتهم العظمة الزائفة التي لا تقود الا الى الضياع.
يقول تعالى "وهو معكم اينما كنتم والله بما تعلمون بصير" سورة الحديد آية (4).
ان الصوم عبادة تحتاج الى صبر، وتعلم الصائم الصبر، ومع ان الصوم يحتاج الى جهد وصبر الا ان من امتزجت بالأيمان نفسه وامتلا بالخشوع قلبه، فالصوم عنده متعه والجو الرمضاني جو انس ومتعه وخشوع.
واما من فارق الايمان قلبه فالإتيان بهذه الفريضة عنده اثقل من جبل احد يتبرم بالتكاليف، وينتحل المعاذير انتحالا، ويختلق المبررات للانفلات من الفرائض اختلاقا. وصدق الله تعالى اذ يقول "واستعينوا بالصبر والصلاة وانها لكبيرة الاعلى الخاشعين" البقرة آية (45).
ايها الصائم يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "كم من صائم ليس له من صيامه الا الجوع والعطش" فخذ ايها المسلم من الصوم طاقة تعبئ النفس على مدار عام كامل من الخير والبر والاحسان والصبر واجعل في نفسك للصوم اثرا لا يزول بزوال شهر الصوم وراقب الله دائما واعبد الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك.
يقول تعالى "قد افلح من زكاها وقد خاب من دساها" آية 9-10 سورة الشمس. ويقول تعالى "واما من خلف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فان الجنة هي المأوى" آية 40-41 سورة النازعات، واما من غرهم المال فزعزع نفوسهم وهز ضمائرهم واهدر كرامتهم وداس مبداهم فلينظروا الى اسوتنا- صلى الله عليه وسلم- لما فتحت البحرين وضعت اموالها اكواما بين يدي رسول صلى الله عليه وسلم فوزعها الى درهما لم يجد من يأخذه فحمله صلى الله عليه وسلم الى بيته فوضعه تحت وسادته ونام ثم قام، ثم نام، ثم قام، فقالت عائشة رضي الله عنها بابي انت وامي يا رسول الله ما يقلقك؟ فمد يده تحت الوسادة واخرج الدرهم وقال هذا! لم اجد احدا من الناس يأخذه، وخشيت ان يقبضني الله قبل ان انفقه في سبيله.
فلنتصالح مع الله في رمضان يصلح لنا نفوسنا ويغفر لنا ذنوبنا ويرفع عنا اصرنا والاغلال التي علينا ولنغير من عاداتنا ولنقلع عن اهوائنا فالله تعالى لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فاحفظ ايها المسلم عليك لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك، وكن من الصابرين، وآمن بربك وحافظ على الاستقامة وكن من المشاركين يقول تعالى "ورحمتى واسعة كل شيء فسأكتبها للذين يتقون" الاعراف 156 صدق الله العظيم.