وظلم ذوي القربى اشد مضاضة .. كيف وصف احد الأذكياء شهر رمضان لهذا العام؟ وماهي المشاعر التي لن يتمكن كل الجبروت الغربي والصهيوني القضاء عليها؟
د. سعد ناجي جواد*
وظلم ذوي القربى اشد مضاضة.. كيف وصف احد الأذكياء شهر رمضان لهذا العام؟ وماهي المشاعر التي لن يتمكن كل الجبروت الغربي والصهيوني القضاء عليها؟
اشتهرت الامتين العربية والإسلامية بالطقوس الدينية والإيمانيّة التي تعيشها في شهر رمضان الفضيل، واشتهرت اكثر باندفاع وبحرص ابنائها على اطعام وإغاثة الفقراء والمحتاجين. ويؤسفني القول بانه لم يحدث ان مرت الأمتين، وخاصة العربية، بحالة كالتي تمر بها هذه الايام، حالة يعيش فيها اكثر من مليوني نسمة من اخوتهم تحت القصف والقتل اليومي على يد قوات الاحتلال الصهيونية، ومع ذلك تقف موقف المتفرج على كل ما يحدث، لا بل هناك من يقف موقف المتشفي. وبعد ان تجاوزت اعداد الشهداء والجرحى المائة ألف، ظهر لنا من يتهم المقاومة بانها هي المسئولة الوحيدة عن ما يجري وليس الاحتلال البغيض. وليس هذا الامر ما يؤلم فقط، ولكن الاكثر ايلاما ان تعيش الغالبية العظمى من اجهزة الاعلام والمجتمعات العربية أجواء لا يمكن وصفها إلا باللامبالية لما يجري. وهذا الامر يحدث في العلن، اما ما يجري في الخفاء فهو أدهى وأمر ويصل إلى حد تزويد دولة الاحتلال بكل ما تحتاجه لكي لا يجوع المحتلين جراء الحرب والمقاومة الباسلة المستمرة. هذه الحالة المأساوية وصفها احد اذكياء الامة بقوله: ليس رمضان هذه السنة هو اسوأ رمضان يمر على الأمتين العربية الإسلامية، وانما هاتان اسوأ أمتان تشهدان شهر رمضان المبارك. (مجلة الشراع).
يحار الانسان في تفسير هذه اللامبالاة. هناك من يقول ان سببها يعود إلى نجاح الغرب الاستعماري في حرف الناس عن دينهم والمبادئ السامية التي أتى بها، وعن التقاليد الأخلاقية والإنسانية التي جبلوا عليها من اغاثة الفقير والمحتاج والمظلوم. والبعض الاخر يرجعها إلى حالة الثراء الفاحش وحياة الرفاهية التي عمت بعد تدفق الثروات النفطية والحرص على التمسك بهذه الحياة، حتى وصل الأمر إلى ان يعتقد المتنعمين بان ما يهدد حياتهم المترفة هو القضية الفلسطينية التي ظلت حية رغم كل ما حل بأبنائها، ورغم كل محاولات طمسها وحالات التنازل عن حق الفلسطينيين في العودة إلى ارضهم واقامة دولتهم. متناسين ان الاساس في نكبة فلسطين هو الحكومات العربية. سألني صديق قبل ايام عن سبب المواقف السلبية لبعض الدول من غزة وكان جوابي له ان هذه الدول تخشى نموذج غزة لانه نموذج مقاوم ويحرص على انهاء حالة الخنوع للمخططات الاستعمارية التي جبلوا عليها ظنا منهم انها ستحمي كراسيهم، ولأن استمرار المقاومة يعني افشال ما حاولت كل من الولايات المتحدة وإسرائيل والدول الغربية ان تزرعه في نفوس المجتمعات العربية من حالات الخنوع والاستسلام والرضى بالقشور والقبول بالأمر الواقع الذي فرض عليهم. وهذا الموقف ليس فقط تجاه المقاومة الفلسطينية وانما يشمل كل حركة مقاومة في اية بقعة من الوطن العربي. ثم يأتي الخوف من امتداد حالة الإعجاب والتأييد للمقاومة التي طغت إلى بلدانهم وخاصة نتيجة لما يجري في غزة ولبنان واليمن، ومن هنا يأتي الحرص على افشال المقاومة بل والعمل على إنهائها بكل الوسائل وبأسرع وقت ممكن، مضافا لذلك الترويج لكل الاخبار المحبطة والتي تقول ان المقاومة قد انتهت وان ما قامت به في غزة لم يجلب سوى القتل والدمار. ويتم تغطية كل ذلك بالحديث عن الطابع الديني لتلك الحركات، (والتي استطاعت رغم طابعها الديني ان تطور نفسها علميا وتكنولوجيا بصورة ملفتة للنظر، وباعتراف العدو). وتناسى اصحاب هذه الآراء المتخاذلة التجارب التاريخية التي انتصرت بعد ان ثبتت فيها الشعوب على مواقفها واجبرت اعتى قوى الاستعمار على الاستسلام والانسحاب، بعد ان استنفذت كل ما في جعبتها من أساليب القتل والتعذيب والتدمير والتشريد (الجزائر وفيتنام وجنوب أفريقيا احدث هذه النماذج).
في بعض الحالات يصاب المرء بالذهول عندما يجد ان أنظمة عربية تتحدث عن الكيان الغاصب بكل الود وتقيم معه اوثق العلاقات، وتساهم في ذلك شرائح المجتمع المختلفة رغم كل الجرائم التي يرتكبها المحتل. ويمكن فهم هكذا مواقف إذا جاءت من الحكام او من قبل شرائح تمثل مصالح رؤوس الاموال، ولكن يصعب فهمها عندما تأتي من شرائح المثقفين والمتعلمين. ومع ذلك يمكن تفسير مواقف الشريحة الأخيرة بالتذكير ان نشر الثقافة الغربية في تلك المجتمعات وابتداء من تنشئة الاجيال منذ نعومة أظفارهم على ثقافة لا تمت بصلة إلى الثقافة العربية والإسلامية، حتى ان نسبة كبيرة من هذه الاجيال اصبحت لا تتحدث باللغة العربية، او تجد صعوبة كبيرة في التعبير عن نفسها بهذه اللغة، وبهذا اصبحت منفصلة انفصالا تاما عن جذورها. المضحك في الأمر ان كتابات غربية وحتى اسرائيلية تظهر تفهما لحقوق الفلسطينيين اكبر بكثير من كتابات البعض من العرب في تلك المجتمعات.
ومع كل ما قيل أعلاه فان المبدأ المعروف الذي يقول انه في النهاية لا يصح إلا الصحيح يثبت انه مازال قائما. وان المناضلين من اجل الحرية لا يهزمون أبدا، وكما ورد في موروثنا (ما ضاع حق وراءه مطالب)، وهذا ما يقلق الحركة الصهيونية بعد مرور اكثر من 75 عاما من النجاح وبعد ان تصورت انها أنهت اي تفكير بالقضية الفلسطينية، وتعتقد الان انها بالمذابح التي ترتكبها في غزة ستنهي القضية إلى الأبد، وهي لا تعلم ان جرائمها هناك خلقت جيلا جديدا من المقاومين الذين سيواصلون نضالهم وبعنف اكبر نتيجة ما عاشه من مشاهد القتل اليومي لعوائلهم ولأمهاتهم الحوامل ولأبنائهم واخوانهم.
الملاحظة الأكثر جلبا للانتباه هي اجيال الشباب والفتيان العرب الذين ولدوا في الغرب وعاشوا فيه طوال حياتهم، حتى ان قسما كبيرا منهم لم يصل إلى بلدهم الام. نسبة كبيرة من هؤلاء هبوا هبة واحدة في نصرة غزة وفلسطين، ولم توقفهم او ترهبهم كل الممارسات العقابية التي استخدمت ضدهم من قبل الدول الغربية بسبب رفعهم علم فلسطين او لافتات تحمل عبارة فلسطين حرة Free Palestine او ارتدائهم للكوفية، مما يوكد ان الجينات الأصيلة لا تزال تنتقل من جيل إلى جيل. وما شهده العالم طوال الأشهر الستة الماضية المظاهرات العارمة التي هزت كل عواصم الدول الغربية والتي قادها هؤلاء الشباب خير دليل على ذلك. هذه المشاعر هي التي لا يمكن للإعلام الصهيوني ومن يتضامن معه، او قوانين الدول الغربية المجحفة ان تقضي عليها مهما فعلت.
*كاتب واكاديمي عراقي