تحت المجهر- (حذاري من ثورة الجياع!)
موفق الخطاب
تحت المجهر- (حذاري من ثورة الجياع!)
تتقبل الشعوب النظام الضريبي والرسوم ورفع اسعار المنتوجات النفطية وتعرفة تزويد الماء والكهرباء والجمارك وغرامات المرور وغيرها عندما يكون ذلك مقترنا مع المدخول الشهري والقدرة الشرائية للطبقة الفقيرة على وجه التحديد و متوافقا مع ما يتحصلون عليه من دعم و خدمات ملموسة في الجانب الصحي والتعليمي والترفيهي والقضاء على البطالة وخدمات البنى التحتية وخاصة عندما يتم تطبيق هذا النظام على الجميع دون تمييز مع التيقن أن تلك المبالغ الباهضة تدخل في ميزانية الدولة ولا تتسرب الى الحسابات الخاصة و تتحول الى المصارف العالمية او التهافت على استملاك افضل العقارات داخل البلد دون حسيب ولا رقيب !
مع غياب اي برنامج شفاف في مراقبة اوجه الصرف في برنامج الدعم الحكومي و تطوير البنى التحتية و تقديم شتى انواع الخدمات ، أما أن يجبر المواطن على دفعها بموجب قوانين مكيفة ليستولي عليها حيتان الفساد وليتم تهريبها خارج الحدود بالإتفاق مع المافيات، او لغرض معالجة الوضع الاقتصادي المترنح بسبب سوء التخطيط لعقود و لسداد الديون وفوائد صندوق النقد الدولي المتعاظمة وارتداداته المتوقعة في زيادة معدلات التضخم او البذخ في صرفيات الحكومة وطاقمها والرواتب الفلكية وعشرات الاف الفضائيين وعجز الحكومة وربما تغاضيها عمدا عن ملاحقة حيتان الفساد فضلا عن التخبط في حركة وتداول العملة الصعبة و مزاد العملة والقضاء على السوق الموازي و الذي عجزت الحكومة عن ايقافه او تحجيمه و فقدان السيطرة على حركة السوق والبطالة المستشرية وتدهور الدخل القومي وتراجع القدرة الشرائية للفرد ، فكل ذلك مؤشر خطير يجب عدم القفز عليه، وإلا فالإصرار على هذا النهج بمشورة وزراء و مستشارين جهلاء بتعظيم موارد الدولة دون دراسة عميقة سيسرع بالتصدع والتخلخل في العلاقة بين الشعوب و أنظمة الحكم وقد يتطور ذلك الى صراع خفي ثم الى تمرد يفضي الى ما لا يحمد عقباه حتى لو تم التعامل معه بالحديد والنار لإخماد ثورة الجياع ٫ والمثل اليوناني الشهير يقول (لا كرامة لجائع) و هو خير وصف لما ستؤول اليه الامور اذا تجاهلت الحكومات معاناة شعوبها ! فماذا ستنتظرون من رب الاسرة عندما تسلبه الحكومة حفنة الدنانير والتي يشقى طوال النهار لكسبها او ذلك الموظف البسيط لينتظرها في نهاية الشهر لتسطو عليها الحكومة بقرارات وقوانين مكيفة وهو يسمع انين طفله الرضيع وزوجته واطفاله يتضورون جوعا؟؟
فهل سيصمد الجائع بسبب سياستكم امام ذلك ؟وهل فكرتم ان ذلك الاجراء سيدفع لمن تبقى منهم على نزاهته من الكادر الوظيفي ان ينزلق في تعاطي الرشاوي والفساد والذي نخر الدولة من راسها الى اخمص قدمها؟؟ فبدل ان ترهقوا مواطنيكم فكروا وابحثوا عن كيفية تشغيل مصانعكم ومصافيكم المعطلة واستزراع اراضيكم المهملة وتشجيع الاستثمار.
ليتكم تقرأون التاريخ،
فأفضل من نبه و شخص لهذه الحالة وغيرها من الامراض التي تصيب الأنظمة و المجتمعات وتمزقها هو رائد علم الاجتماع العربي ابن خلدون ، حيث أنه كتب في مقدمته الشهيرة (مقدمة ابن خلدون) في القرن الرابع عشر الميلادي متطرقا الى العديد من تلك الآفات وهي تشبه الى حد كبير ما تعانيه العديد من الشعوب المغلوبة على أمرها في هذا العصر من انظمة فاسدة ومتسلطة همها الوحيد هو زيادة خزائنها قائلا :
- عنـدمــا تـكثــر الجبــايـة تشرف الدولة على النهـايــة!
- وعندما تنهار الدول يكثر المنجمون والمتسولون .. والمنافقون والمدّعون.. والكتبة والقوّالون.. والمغنون النشاز والشعراء النظّامون.. والمتصعلكون وضاربوا المندل وقارعوا الطبول والمتفيهقون ( أدعياء المعرفة ) ..
وقارئوا الكفّ والطالع والنازل والمنجمون..
والمتسيّسون والمدّاحون والهجّاءون وعابروا السبيل والانتهازيون..
عندها تتكشف الأقنعة ويختلط ما لا يختلط..
ويضيع التقدير ويسوء التدبير.. وتختلط المعاني والكلام..
ويختلط الصدق بالكذب والجهاد بالقتل..
وعندما تنهار الدول ويسود الرعب يلوذ الناس بالطوائف والقبائل..
وتظهر العجائب وتعم الإشاعة..
ويتحول الصديق إلى عدو والعدو إلى صديق..
ويعلو صوت الباطل.. ويخفق صوت الحق..
وتظهر على السطح وجوه مريبة.. وتختفي وجوه مؤنسة حبيبة..
ويصبح الانتماء إلى القبيلة أشد التصاقا..
وإلى الأوطان ضربا من ضروب الهذيان..
ويضيع صوت الحكماء و تخفت حماسة الخطباء..
ويتقاذف أهل البيت الواحد التهم بالعمالة والخيانة..
وتسري الشائعات وتحاك الدسائس والمؤامرات..
تلك مقتطفات من رؤية إبن خلدون في إختلال العلاقة بين الأنظمة والشعوب بسبب جشع الحكام وفساد البطانة، وقد حصل في حينها ماتنبأ به فانهارت تلك الانظمة في عصره وشاهدنا مثلها في العصر الحديث، وقلما نجى من مصيره الأسود حاكم و والي و سلطان من التنكيل و السحل أو القتل أو الهروب متنكرا تحت جنح الظلام .
الا ترون سادتي الأفاضل أن كل ذلك يحدث اليوم في العديد من الشعوب المنهكة حولنا غير مبالين بتصدع الارض تحت قصورهم ؟
يبدو أن فساد بعض الانظمة والحكام وبطانتهم هي حالة مرضية مستديمة و متأصلة في الأمة وقد عجز الحكماء والعلماء و المصلحون من استئصالها و يتوارثها طبقة الحكام دون الاتعاظ بمن قبلهم الا من رحم ربي !
( إياكم وثورة الجياع..!!)