السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط وخسارة الداخل الأمريكي
كامل الحساني*
السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط وخسارة الداخل الأمريكي
باتت سياسة الكيل بألف مكيال التي تعتمدها الإدارة الأمريكية وبالاً اليوم على الإدارة الأمريكية، حيث لم تعد تُجدي سياسة الإعلام الموجه من قبل مؤسسات الإدارة الأمريكية في الداخل الأمريكي في ظل عقود من التناقضات بين الشعار المرفوع والممارسة الحقيقية خاصة خارج أمريكا وعلى وجه الخصوص ما يتعلق بالنهج الأمريكي في الشرق الأوسط وآسيا وأفريقيا، وحتى ما يتعلق بالسياسة المُتبعة في أوكرانيا؛ مواقع كثيرة مُلتهبة في هذا العالم لم ولن ترى السلام والاستقرار بسبب السياسة الخارجية الأمريكية والغربية، وفلسطين وأفغانستان والعراق وغيرها من الدول مثالاً حياً على ذلك، واليوم ينقلب السحر على الساحر داخل وخارج أمريكا.
في سياق سياساتهم الإنفعالية غير المنضبطة مع العرب كرر المرشح الرئيس بايدن القول في حينها متوعدا المملكة العربية السعودية بالعزلة كشعارات انتخابية للعبث من خلالها بعواطف الناخب الأمريكي أيام الحملة الانتخابية للرئاسة الأمريكية قبل عام ٢٠٢٠، وقد ادعوا وروجوا في حينها كثيراً ضد السعودية بشأن تجاوزات تتعلق بحقوق الانسان، وتناسى الرئيس أو المرشح بايدن بأن من يستحق النبذ والعزل هو نظام الولي الفقيه الذي استولى على إيران وثورتها الوطنية التحررية عام ١٩٧٩ثم عاث بالمنطقة والأرض الفساد، ولم لا يتناسى بايدن ورهطه ذلك لطالما أن ما ينتهجه النظام الإيراني النظام "نظام الملالي" يخدم مصالحهم ويحقق أهدافهم بالمنطقة إلى ساعتنا هذه، ولم يتوقف الأمر فيما يتعلق بالملالي عند خدمة المصالح وتحقيق الأهداف وخدمة المصالح بل وصل حد الإلهام فقد ألهم الملالي حتى السناتور بايدن ورفاق مسيرته الأمريكان أعلام الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم لتحريك وتجهيز وتسليح فصائل أفغانية معممة أيضاً تعيش على هامش الدين الإسلامي لوقف المد الشيوعي آنذاك، كما نسي الرئيس بايدن بأن من يستحق العزلة المشددة والسقوط هو النظام الإيراني وقواه المتطرفة التي كانت ومازالت صانع الإرهاب وأساس التطرف القاعدي والداعشي وما شاكله من المسميات الشيعية والسنية على حد سواء.
عندما بدأت أمريكا مشاريع ما أسمته بتحرير الشعوب في أفغانستان والعراق من القاعدة كنا ندرك حينها بأن ملالي إيران المرابطين في قلب الوسط العملياتي الأمريكي لن يسمحوا بنجاح الأمريكان وسيتكفلون بذلك بأقل التكاليف، وبالفعل هذا ما حدث على يد النظام الإيراني، فيد تمد المتضررين المفلسين والمقاومين ضد عمليات التحرير بالخطط وبالتدريب والسلاح، ويد أخرى تفسد إدارات الاحتلال والإعمار التي أصبحت نقمة على الشعوب متناقضة مع الشعارات المرفوعة.
انتهت عملية ادارة تحرير العراق بانتصار اذناب ملالي إيران وحلول وريثها الداعشي الذي كلف الأمريكان خسارات امتدّت حتى أفغانستان التي أخرجتهم منها وعادوا معممي طالبان مكرمين منتصرين بفضيحة حضارية كارثية لن تُنسى من ذاكرة الشعوب ربما لعقود، واستمر نشاط النظام الإجرامي في إيران يدٌ يُفسِد بها الانظمة الحكومية وبيدٍ أخرى يشكل عصابات ومافيات بصيغ ميليشيات استطاعت السيطرة على اهم الدول المعطوبة بالعقائد الجاهلية والحكومات الفاسدة، ولهذا لما قامت أمريكا بتعبئة نفسها والمنطقة والعالم لمقاتلة داعش حاولنا أن نذكر أمريكا بإيران وأذنابها الفاسدين، وقلنا إن استمرار نظام العقوبات الشخصية الورقي على بعض عناصر النظام الإيراني والمرتبطين به بدون مساعدة الشعب الإيراني وشعوب المنطقة لدحر هذا النظام سيقوي من استقراره وسيطرته على مقدرات الشعب الإيراني وشعوب المنطقة وحكوماتها بما فيها السعودية التي قبلت الصلح مع إيران بوساطات عربية ارتقت إلى وساطات وضمانات صينية لتتجاوز شرورها ولو لحين، كما أن استمرار خطاب عزل ملالي إيران بسيناريو العقوبات الكارتوني لم يؤثر عليهم بل زاد من استسلام شعوب المنطقة لقدر هذا النظام الأسود وميليشياته، وقد توقعنا في رسالة كتبناها عام ٢٠١٥ إلى الكونغرس الأمريكي بأن هذه السياسة ستضر أمريكا وحلفائها ضرراً شديداً، وبقي الأمريكان والغرب يواجهون مسرحية داعش عسكرياً وملالي إيران دبلوماسياً في حين بقي ما يسمى بـ الحرس الثوري يعيث بالمنطقة الفساد ناشراً الإرهاب والتطرف والمخدرات والسلاح، وقد استغلوا حماس التي احتوت بها غضب الفلسطينيين من ظلم اسرائيل وسوء حال الفلسطينيين؛ فأشعلوا أسوأ صراع بين إسرائيل والفلسطينيين، وتحول إلى أكبر غضب فلسطيني وعربي وإسلامي وعالمي لم يعزل أمريكا واسرائيل بعلاقتهما الدولية والإقليمية وإنما عزل حكومتيهما عن الشعب الأمريكي والشعب الاسرائيلي الذي يتظاهر ضد أسوأ المذابح الجارية لحد الآن، وقد صلت الأمر هذه الايام إلى حد عدم تردد الادارة الأمريكية والاسرائيلية بمواجهة العالم بمغالطات كارثية ضد القوانين وقرارات المحاكم الدولية بما لن تنساها آجال وأجيال قادمة.
ختاماً نقول للسيد بايدن وكل طواقمه الامنية والدبلوماسية التي "تحج" إلى السعودية قبل ذهابهم وإيابهم إلى اسرائيل متوسلة ومتسولة من الدولة التي أرادت نبذها وعزلها كسر عزلتها العربية والإسلامية والعالمية أن الحل العادل بين الفلسطينيين واسرائيل ليس بالتطبيع مع السعودية ولا الخليج ولا كل العالم العربي والإسلامي بل بمساعدة قوى التحرر الإيراني وضحايا نظام الملالي من العرب والمسلمين ذلك لأن نظام الملالي نظامٌ يعيش ويحيا على تغذية الفساد والأزمات واستطاع أن يعزلكم حتى بين أولادكم الذين يفترشون في هذه اللحظات حرم جامعاتكم وقد يثورون ويشعلون شوارعكم غضباً غداً، وأن "معجزة" تجديد رئاستكم مُرتبطةٌ أيضاً برأس النظام الإيراني حصرياً، وأما إذا بقيتم بهذا الترقيع وهذا التستر بالتحايل والخداع والمناورة لصالح نظام الملالي الذي هو الرابح الأكبر من سياساتكم ومخططاتكم فستخسرون وتخسر اسرائيل ويخسر الشعب اليهودي في كل مكان وتتكرر مآسي الهلوكوست على يد الأمريكان أنفسهم وعلى أرضكم، وما ذلك ببعيد فقد يحدث عاجلا وليس آجلا، اللهم بلغنا.
*رئيس المركز الوطني للبحوث والدراسات القانونية والقضائية في العراق