دردشة في الدبلوماسية عن القائم بالأعمال
ابراهيم الولي*
دردشة في الدبلوماسية عن القائم بالأعمال Chargé d’ Affaires
مقدمة
مركز القائم بالأعمال في العرف الدبلوماسي، يشير إلى وظيفة أو مركز متغير غير ثابت، فليس تعريفه بالسهل كما هي الحال عند التعريف بالسفير او الوزير المفوض أو القنصل العام، فتلك مراكز معروفة في السلك الدبلوماسي بعكس مركز القائم بالأعمال، لهذا وجب تحديد هويته وما له وما عليه عند ممارسة وظيفته.
أبسط تعريف بوظيفة القائم بالأعمال في الحياة المدنية، دبلوماسية أو ادارية هي قيام او تكليف شخص ثانٍ في المؤسسة بتحمل مسؤولية القيام بأعمال رئيسه في حالة غيابه لسبب ما، كما هي الحال في السلك الدبلوماسي. فالأمريتعلق بسفير او رئيس البعثة عند غيابه مؤقتاً أو دائماً فيكون الأمر للشخص الدبلوماسي الثاني في المؤسسة، السفارة او المفوضية او قنصلية عامة ان يقوم بالأعمال في هذه الحالة. أما في السلك الإداري للدولة فإن وظيفة القائم مقام إنما تعني مركز شخص إداري يتولى إدارة القضاء نيابة عن المحافظ او المتصرف الذي يدير المحافظة جمعاً بأقضيتها ونواحيها، هكذا يمكن ذكر صيغ أخرى في الإدارة لهذه التسمية اي القيام باعمال أخرى بسبب أو تكليف من رئيس الوحدة الإدارية. على أن الأمر ليس بهذه البساطة في حالة القائم بالأعمال الدبلوماسي، فالمركز هذا قد حدد في اتفاقية فينا 1961 في المادة 19 منها، وان كنت ارى أن المادة هذه لم تعط حقيقة توصيفاً دقيقاً لمركز القائم بالأعمال وإدارة عمله.
ولمركز القائم بالأعمال في الدبلوماسية درجات. فإن كان القائم بالأعمال مكلفاً بالقيام بالوظيفة بصورة مؤقتة ومحدودة .Charge d’Affaires a.i. وإن كان القائم بالأعمال قد كلف بالمهمة لآجال طويلة، كأن تكون الدولة عندما أوفدته لمركزه لدى الدولة الأخرى، لم تكن تنوي ارسال سفير لفترة قد تطول أو تقصر، أو في احوال أخرى يكلف القائم بالأعمال عند قرار الدولة تخفيض مستوى تمثيلها الدبلوماسي، كما الحال بين دول تعيش ازمة تستدعي اظهار عدم رضاها عن مستوى العلاقة بين الدولتين.
وفي جميع هذه الحالات، عدا القائم بالأعمال المؤقت فإن القائم بالاعمال يكون أثبت من المؤقت وهي كلها تسمى Charge’ d”affaires ad hoc او en pied او en titre’ اما في حالة الاناث فيكون الاسم باضافة الحرف e للتأنيث، وفي حالة بقاء موظف إداري في مباني سفارة مغلقة لحراستها فسيكون…charge’ des affaires..
أمثلة:
ما دفعني إلى الكتابة عن هذا الموضوع هي ممارستي للدبلوماسة العراقية لربع قرن، كنت خلالها قائماً بالأعمال بنوعيه المؤقت... والمستمر... بما مجموعه 60 شهراً أي خمس سنوات قبل أن أكون سفيراً. فقد بدأت جولتي الخارجية بأن كنت قائماً بأعمال في اليمن لعامين ، استلمت من قائم بالاعمال، وهو المرحوم محسن الجزائري وسلمتها لقائم بالاعمال ،إذن فإن الحكومة العراقية عندما ارسلتني إلى اليمن لم يكن في نيتها تعيين سفير في تلك الحقبة، دون الإعلان صراحةً عن ذلك، وقد عوملت في اليمن كأني سفير تماماً.
وفي جنيف ،كنت قنصلاً وممثلاً لدى المركز الأوروبي للأمم المتحدة إضافة إلى وظيفتي كقنصل لدى الإتحاد السويسري... وبقيت كقائم بأعمال للممثلية لمدة عام مثلت العراق خلالها في مؤتمرات منظمة ومكتب العمل الدولي ILO ومنظمة الصحة العالميةWHO ومع الإتفاقية العامة للتجارة GATT والاتحاد العالمي للاتصالات ITU وكنت عضوا في جميع الوفود الرسمية التي تحضر المؤتمرات الدولية في جنيف وهي عديدة إلى ان تقرر،بعد ازدياد مهمة الممثل كثيرا ، فصل المؤسستين، القنصلية والممثلية ، وقد عين المرحوم عصمت كتاني للثانية وبقيت أنا للقنصلية.
وفي السويد كلفت بفتح سفارتنا الجديدة في ستوكهولم فكنت قائما بالأعمال مؤقت لحين وصول السفير المرحوم حردان عبدالغفار التكريتي، الذي احيل إلى التقاعد بعد فترة وجيزة ، فأصبحت أنا قائما بالأعمال لفترة امتدت لغاية نقلي إلى رئاسة الجمهورية. فكانت هذه الفترة لأكثر من عام ونصف، وقد تسلم المركز بعدي ، كقائم بأعمال المرحوم عبدالجبار الهداوي الذي اصبح فيما بعد سفيراً هناك ، اي في ستوكهولم واوسلو وركيافك. وقد توج وجودي في السويد بعشاء وحديث مع الملك المرحوم غوستاف السادس ادولف ،جد ملك السويد الحالي كارل السادس عشر غوستاف . وكنت اتصل بالمسؤولين في الخارحية ،كبلفراك و كونك و بلدنغ و الكونت ريدنغ و بنكت اودنر الذي اصبح ، فيما بعد سفيرا في العراق ،
وفي رئاسة الجمهورية، حيث عينت نائباً لرئيس التشريفات، وقد كنت في الواقع رئيساً للتشريفات إلا أن درجتي الدبلوماسية كانت مستشاراً بينما كان المفروض بالرئيس أن يكون سفيراً.
وقد خلقت لي هذه المفارقة مشاكل ، منها أن السفير السويسري الجديد احتج لاستقباله عند تقديم اوراق اعتماده إلى الرئيس المرحوم عبدالسلام عارف، احتج لعدم استقباله من قبل رئيس التشريفات وقد شرحت للسفير هذه الملابسة التي كنا في غنى عنها لو ان المسؤول عن الإدارة حينئذ عالج هذا الأمر بأن يسمني، رغم درجتي ، رئيساً للتشريفات فاذن كنت أنا قائماً بأعمال رئيس التشريفات رغم قيامي بوظائفها كاملة،و قد فهم السفير الموقف معتذرا .
• وفي بلغراد يوغسلافيا، صرت قائما بالأعمال في يوغسلافيا وبلغاريا في آن واحد فكنت قائما بأعمال مؤقت، بين سفير ترك الخدمة ، وهو المرحوم سامي الصقار وإلى ان تم، بعد عدة أشهر تعيين السفير المرحوم فيصل حبيب الخيزران ، وبعدها ذهبت إلى الكويت فكنت قائماً بأعمال مؤقت إلى حين وصول المرحوم السفير محمد صبري الحديثي.
• أما عن فرنسا، وهي آخر محطة خارجية لي، إذأصبحت قبلها وزيراً مفوضاً ( كلمة مفوض plenipotentiary تعني التمييز بين هذا ووزير الدولة ، ، اما الوزير الذي يعمل في الخارج ، فهو عندئذ مفوض من قبل من ارسلوه لتمثيلهم - وقد وجدت انني في باريس قد سميت وزيراً مستشاراً اي ليس مفوضا Ministre Conseiller - على أي حال فقد عشت في هذه المحطة تجارب مريرة ،تلك التي تميز عدم انسجام القائم بالأعمال مع السفير ، كان العمل في باريس ذا ثلاث مراحل، الأولى عملي مع السفير الذي لم يلبث أن نقل من مركزه إلى سفارة أخرى وكان غير راضٍ عن ذلك ، ، توالى سلوكه اللادبلوماسي غير المبرر مع الأسف حتى بلغ الامر انه عندما سافر إلى مركزه الجديد لم يكلف نفسه بإشعاري او زملائي الدبلوماسيين بذلك ، مما اضطرني على التوجه إلى المطار لتوديعه حفاظاً على ماء الوجه أمام الخارجية الفرنسية الذين أدهشهم هذا التصرف غير الدبلوماسي غفر الله له.. والثانية استلامي السفارة كقائم بأعمال وقد امتدت لأطول من سابقتها وكانت بالفعل محل فخري... أما الثالثة فاستلام السفير المرحوم صالح مهدي عماش الذي سعدت فعلاً بالعمل معه وبمساعدته بكل ما عرفت، حتى صدور قرار نقلي إلى ديوان الوزارة تمهيداً لترفيعي سفيراً ولأترأس الدائرة السياسية فيها. وقد علمنا- المرحوم عماش وأنا- تلك الأخبار من المرحوم نعيم حداد، وكان اعتزازنا ببعض متبادلاً مما جعل سفارته ناجحة وميسرة.
• بقي أن اعود لفترة القيام بالأعمال تلك التي امتدت لأطول من الأخريتين. عندما كنت قائما بالأعمال اقدمت على ترؤوس لجنة مهمة لشراء مقر للسفارة وبناية تقابلها لضيافة زوار كبار( وكانت تطل على حدائق بيت جسكار دستان رئيس الوزراء) الذي رجاني العمل على تعلية الحائط الساتر بين البنايتين حفظا على خصوصية حدائق داره وقد تم له ذلك.
• كما اشترينا داراً فخمة للسفير وقد كانت ربحاً للعراق وانا سعيد بذلك مع زملائي بالطبع. وفي هذه الفترة تسلمت تعليمات تقضي بمقابلة رئيس الوزراء السيد مسمير لبحث مسألة ما معه شرط أن يكون لوحدي وبدون مترجم. ولما كان ذلك مستحيلاً بروتوكوليا. فقد قبلت بحل وسط وهو مقابلة وزير الخارجية السيد ميشيل جوبير داهية السياسة الفرنسية وقد تم لي ذلك حتى قال لي المرحوم جوبير أن بابي مفتوح لك في أي مشكلة قد تحدث لي.. ذكرت هذه المقابلة لأن الرجل لا يستقبل السفراء ، ومنهم سفيرنا فالأمر منوط بالسيد دي لبكوفسكي وزير دولة وسكرتير عام الوزارة.
• وخلال هذه الفترة استلمت تعليمات من الوزارة بأن أقابل السفير البريطاني في باريس لعرض رغبة العراق في استئناف العلاقات الدبلوماسية المقطوعة آنذاك. وبرغبتنا على الحصول على قرض مالي متواضع.
• قابلت السفير تومكنس Tomkins Sir Edward وهو دبلوماسي بريطاني ضليع خدم قبلها في موسكو ولقد كان الرجل مرحاً وسعيداً بالمقابلة. حتى أنه أبلغ وزير خارجيته هاتفياً وهو في بروكسل لحضور المكتب الأوروبي. وبعد أن تمت الإجراءات بدون قرض تقرر تسمية همفري ترفليان ... الذي كان يمثل بريطانيا في الأمم المتحدة. لهذا فقد زارني الوزير البريطاني المفوض .Christopher Ewart Biggs لإبلاغي بنتائج المباحثات ، لاحظ أن السفير بعث لي من هو بدرجتي، جدير بالذكر أن السيد بركس عين سفيراً في دبلن- أيرلنده وقد اغتيل هناك.
• زرت السفير، مرة ثانية لأسباب رسمية أخرى، وقد دعاني لشرب نخب على النهاية السعيدة ولقد شرفت بالتعامل مع هذا الدبلوماسي المتميز.
• لا أريد أن افصل هنا عن الوفود العراقية التي تصل فرنسا فقد جاء طارق عزيز مرتين.. وكذلك بعض أعضاء القيادة القومية للحزب كممثل السعودية. كما جاء العديد من الوزراء منهم شاذل طاقة وزير الخارجية والدكتور عزت مصطفى القيادي ووزير الصحة والدكتور هشام الشاوي ووزير التعليم العالي ودكتور احسان شيرازد وزير البلديات والوزير عزيز شريف وعبد الفتاح الياسين و غيرهم ، رحمة الله عليهم جميعاً ، لي مع هؤلاء الأكارم قصصاً لا مجال هنا لذكرها.. على أن الأهم أن السيدة المرحومة أم هيثم عقيلة المرحوم الرئيس أحمد حسن البكر جاءت مع وفد عائلي للعلاج. وكانت المرحومة زوجتي أم وليد ترافقها. وكانت تطلب مني شخصياً أن أحضر معها عند مقابلة أطبائها دونما أي شخص آخر.
• أما عن نشاطي الدبلوماسي خلال فترة قيامي بالأعمال، فقد كنت على اتصال مع رؤساء
• الأقسام في الخارجية الفرنسية ، دي كومين و اودبير ،و غيرهم ، وكذا الأمر مع السفراء العرب ، الذين لحسن حظي ، كنت قد عرفت بعضهم خلال مسيرتي الدبلوماسية. وفي أحد الأيام احتل طلبة عرب مقر جامعة الدول العربية في باريس بمناسبة يوم الأرض. وقد طلبت المجموعة الحزبية في السفارة أن أذهب لأعتصم بنفسي معهم ،وقد وقفت بحزم ضد هذا الطلب لأني كنت حريصاً على إدامة العلاقات الفرنسية العربية عموما والعراقية خصوصاً. فذلك الفعل كان سيؤذي هذه العلاقة كثيراً ورغم الضغط علي استهجنت هذا الفعل ورفضت مباركته وقد كلفني ذلك الموقف أن كتبت المجموعة ألى بغداد بأني شخص غير متعاون وقد آذتني تلك الملاحظة في المستقبل حين نقلت وأنا سفير إلى وزارة العمل وأنا غير آسف لأني وقفت بوجه محاولة أفساد العلاقة العربية الفرنسية في نهاية المطاف ، وقد فصلت هذا الموقف في مذكراتي المنشورة.
خاتمة:
وبعد...فلابد لي من القول ، أنه ليس من شيمتي ذكر الناس الأحياء أو المتوفون، ممن أثروا سلباً على مسيرتي الدبلوماسية، ولكن اضطراري وأنا اتحدث عن مركز القائم بالأعمال لألقاء الضوء عليه بأكثر مما هو جارٍ، حملني على المرور عليه في محطات كان بعضها يُظهر كما، هي الحالة في باريس – أن رئيس البعثة سفيراً أو غير ذلك، لا يقّدر تماما قيمة وأهمية الشخص الثاني الدبلوماسي معه، فلعله يتعامل معه كأي موظف تابع له في كل سلوكه. وهنا أود أن أوضح بأن القائم بالأعمال ، حتى المؤقت، عندما يستلم المؤسسة بهذه الصفة والتي تتم عادة من خلال إعلام السفير لوزارة خارجيته والدولة المستقبلة، أوإن تعذر ذلك فبرسالة من الخارجية العراقية إلى تلك الدولة تعلمها بالشخص القائم بالأعمال. خصوصاً ذو الصفة المستدامة ،إنما يمثل دولته العراق وليس شخص سفير سابق. وقد كنت فعلت ذلك بنفسي عندما كنت في اليمن وفي السويد وفي فرنسا ولهذا اضطررت إلى التوسع بذكر نشاطي النابع من فهمي لهذه العقيدة.، واني إذ اسوّق هذه الملاحظات فقد قصدت أن أذكّر إن كان ذلك مفيداً، اخواني الكرام ، سفراء بلادي بأهمية القائم بالأعمال ، بما معنى أن مركز الشخص الدبلوماسي الثاني في السفارة او المفوضية أو القنصلية العامة هو شخص مسؤول لتمثيل بلاده عند شغور منصب رئيس البعثة ، سفيراً او وزيراً مفوضاً او قنصلاً عاما.
والله من وراء القصد
*سفير سابق
1961—Vienna Convention on Diplomatic Relations
اوراق دبلوماسي عراقي ملاحظات و شهادة 1955 1992