حناني ميــــــا الإدارة العامة
معلومات إضافية
الأوسمة : المشاركات : 24004 نقاط : 218632 التقييم : 15 العمر : 82
| موضوع: صدّام حسين؛(مالئ الدنيا وشاغل الناس) : أحمد العبداللّه الإثنين 29 يوليو 2024 - 22:02 | |
| صدّام حسين؛(مالئ الدنيا وشاغل الناس) أحمد العبداللّه صدّام حسين؛(مالئ الدنيا وشاغل الناس) (صدّام حسين)؛شخصية إشكالية للغاية, أي بمعنى إن هناك من يعتبره فوق البشر, وهناك من ينزل به إلى أسفل السافلين!!. وبعيدًا عن مقالة؛مُحبٍّ غالٍ أو مُبغضٍ قالٍ, فالرجل يمتلك العديد من المواصفات القيادية النادرة بلا أدنى شك؛كالشجاعة والجاذبية وسرعة البديهية, وغيرها, وقد زاده الله بسطةً في الجسم. ولكن تعوزه الحكمة والتروّي, كما إنه لم يتقن حرفة السياسة, باعتبارها(فن الممكن). وهو شخصية لا تتكرّر في التاريخ كثيرًا, ولكن أهل العراق عبر تاريخهم, لا يعرفون قدر رجالهم وقادتهم إلّا بعد فوات الأوان.(يؤلّهونهم)في حياتهم ويصفقون لهم ويهتفون بحياتهم, ولكن بمجرد رحيلهم يبدأون بشتمهم وإلصاق كل(عيوب الشرع )بهم. ثم في مرحلة لاحقة, يقومون بالبكاء واللطم عليهم!!. وطموحات صدّام حسين الكبيرة, هي في الواقع فوق قدرة وإمكانيات بلده, ولا تسمح له القوى المتنفذة في العالم بتجاوزها, أو حتى الاقتراب منها, ويبدو إن تلك الطموحات الشخصية قد تشكّلت لديه من وقت مبكر. وهو صاحب مشروع طموح لنهضة الأمّة العربية من خلال اتخاذ العراق قاعدة له, ولكن أدوات وروافع ذلك المشروع هي خليط من الأوهام والتمنّيات والأفكار غير الواقعية, مثل؛حزب البعث(القائد), ودور الجماهير العربية المفترض, والاتّكال على التاريخ, وغيرها. وصدّام حسين يمتلك مقدرة على استشراف المستقبل, من خلال توقّع وتشخيص الأخطار والتهديدات قبل وقوعها, ولكن, ويا للغرابة, يقع هو نفسه في ما حذّر منه غيره!!. فهو أول من حذّر من(خطر خميني), حتى قبل أن يصل من فرنسا لوراثة(عرش الطاووس). ووصفه خلال خطاب جماهيري له في مدينة الموصل في شهر نيسان 1980, بأنه؛(شاه معمّم). وقال عنه؛إنه رجل سياسة خبيث يتّخذ من الدين غطاءًا لأطماعه, ونعته بـ(الدجّال مربّع)!!. وصرّح في مقابلة صحفية مع مجلة (المجلة) عام 1982, إن أطماعه؛(ستتجاوز العراق إلى ما هو أبعد، وإلى منطقة الجزيرة والخليج على الأقل)!!. وأضاف في المقابلة نفسها, وكأنه كان يقرأ في كتاب الغيب؛(إذا صُرِع العراق, فالطوفان سيُغرِق كل ما هو في مستوى ارتفاع العراق أو أدنى، وأعتقد إذ ذاك أن الطوفان سيكون واسعًا)!!!. ثم كرّر تحذيراته في عام 1990, وهذه المرّة من أمريكا, زعيمة العالم الجديد بعد انهيار(الاتحاد السوفيتي). ففي خطاب له في عمان بتاريخ 24 شباط 1990, خلال افتتاح قمة(مجلس التعاون العربي), حذّر قادة المجلس؛الملك حسين والرئيسين؛علي عبدالله صالح وحسني مبارك, من خطر التفلّت الأمريكي على العرب؛(خارج ضوابط ما جرت عليه العادة، في المحيط الدولي، في مدى السنوات الخمس القادمة), مطالبًا القادة العرب بالتحسّب جيدا للعنجهية الأمريكية, وليس الخوف منها, وتفعيل(التضامن العربي). وحذّر أيضا في الخطاب نفسه, من إن المنطقة؛(قد تشهد حروبًا عربية ـ عربية)!!. ولكنه بعد أقل من ستة أشهر, قام باجتياح الكويت, مُعطيًا الذريعة الكاملة لأمريكا لتدمير العراق, ثم احتلاله لاحقا!!. ومن أخطائه إنه اعتمد في الحلقة القيادية التي تليه؛(مجلس قيادة الثورة)وقيادة الحزب العليا, على شخصيات هزيلة وأنصاف أميّين, يتّصف بعضهم بالعنجهية أو سطحية التفكير. ولو كان لتلك(الهياكل الكارتونية)حدًا أدنى من الأهليّة, لما مرّ قرار خطير, مثل قرار دخول الأراضي الإيرانية في 22-9-1980, خلال جلسة واحدة وبدون معترِض تقريبا, سوى بتحفّظ خجول من قبل واحد أو اثنين من الحاضرين. ولا مرّ قرار كارثي بعده بعشر سنوات, وهو اجتياح الكويت, وهذه المرّة بـ(الإجماع)!!. فقد كان شعار تلك المرحلة هو؛(إذا قال صدّام..قال العراق)!!, إذ تم اختزال العراق كلّه, بـ(شخص الرئيس). كما إن بعض أفراد عائلته وأقربائه المقرّبين كانوا عبئًا عليه باستغلالهم لمناصبهم أو عدم النهوض بها كما يجب, أو بسلوكهم غير المنضبط. وأنا هنا أعني الـ(ثُماني)؛عدي وقصي, وعلي حسن المجيد, وحسين كامل, وعبد احمود, وإخوته الثلاثة؛سبعاوي وبرزان ووطبان. وكان لوثوقه ببطانة جاهلة ومتخلفة جلبت له النقمة, هو ما أوصله لهذه النهاية الحزينة. تلك البطانة التي غلّقت الأبواب أمام المخلصين الناصحين, وحجبت عنه الحقائق, وأسمعته ما تشتهيه نفسه, وتطرب له أذنه من ثناء. وبرّرت الحاشية كل أفعاله وأخطائه, ولسان حالهم يقولموافقون..منافقون). والمفارقة؛إنه كان يحذّر رفاقه منذ وقت مبكر جدًا من ذلك, دون أن يتنبّه هو نفسه إليها. إذ يروي(صلاح عمر العلي)؛ إنه في الأسابيع الأولى بعد 17 تموز 1968, كان جالسًا مع عدد من زملائه في قيادة حزب البعث, فدخل عليهم صدّام حسين, وجلس معهم ووجّه لهم سؤالا مباشرًا؛(ما هو الخطر الأكبر على ثورتنا؟). فتبارى الحاضرون في ذكر الأخطار, وكلها كانت ضمن دائرة؛الاستعمار والصهيونية والرجعية والطابور الخامس. ولكنه فاجأهم بجواب لم يكن يتوقعونه, إذ قال لهمكلا..أيّها الرفاق, فالخطر الأكبر هو؛ابن عمّي وابن عمّك, وقريبي وقريبك, والذي سيأتي إلى بغداد يشعر بالنشوة والزهو وكأنه هو الذي فجّر الثورة. ولكنه من حيث يدري أو لا يدري, فأنه سيسضرّنا, ويجلب علينا نقمة الناس بسلوكه وتصرفاته السيئة)!!. لقد كانت قصة صدّام حسين مع حاشيته مؤلمة. فقد توارى المدّاحون الدجّالون المنافقون, بعد أن كان(يعلفهم)بما لذَّ وطاب, تحسّبًا لمثل هذا اليوم, فلما جاء اليوم الموعود, تركوه وحيدَا, وهو يكابد شعورًا قاسيًا بالحسرة والمرارة والندم, عبّر عنها بالقول المنسوب له؛(أشبعتُ الكلاب, وجوّعتُ الذئاب). لدرجة إنه لم يجد ملاذًا لنفسه بعد الاحتلال, سوى مزرعة طباخه السابق(قيس النامق), حيث ظلَّ قابعًا فيها لمدة ثمانية أشهر متواصلة, لعدم وجود مأوى بديل, حتى تم أسره, ولم يبارحها سوى مرات قليلة, ومعه عدّة أفراد من حمايته الشخصية, تحوم شبهة الوشاية حول بعضهم. والبعض الآخر من أفراد حمايته الخاصة استحوذ على ما بذمته من أموال كوديعة, لحسابه الشخصي, وفرَّ بـ(الغنيمة)هاربًا خارج العراق لا يلوي على شيء, ليتابع من هناك(نضاله الديسكوي)!!. ومنهم من رفض الحضور للمحكمة كـ(شهود نفي)في قضية الدجيل. ومن حضر منهم, وهم قلّة, اشترطوا إخفاء شخصياتهم وتغيير أصواتهم, بينما كانوا فيما مضى, يتكالبون على الظهور خلف(السيد الرئيس), والتباهي بذلك!!. كما توارت تلك الجموع الشعبية الحاشدة التي كانت تستقبله بالزغاريد والأهازيج والرقص والدبكات. ونكران الجميل للكثيرين من أولئك الانتهازيين الذين أجزل لهم العطاء سابقا, والجحود الذي رآه من عدد ليس بالقليل من الذين أغرقهم بالافضال, ولكنهم قلبوا له ظهر المِجنّ وخانوه, أو تنصلّوا عنه, بعد أن كانوا يُقسمون له يمين الولاء والإخلاص, كذبًا وتملّقًا. وهذا هو حال الانتهازيين في كل زمان ومكان, فهم رهن مصلحتهم, ويميلون حيث الريح مالت. في تاريخ العراق الحديث, تقترن نهاية الحاكم بنهاية حكمه, على الأغلب, فلا يعرف موقف حاشيته ونكوصهم من بعده. ولكن الأقدار اختلفت مع صدّام حسين, فبعد انتهاء عهده في 9-4-2003, اختفى لمدة ثمانية أشهر, رأى ولمس خلالها الكثير من الأخبار والوقائع عن أولئك الانتهازيين المنافقين الذين قرّبهم إليه, وفي ظنّه إنهم سيكونون(حزام ظهره)ورجاله الخُلّص في الشدائد والمحن, فإذا بهم أول الناكصين!!. وما لم يعرفه خلال هذه المدة عنهم, أدركه خلال السنوات الثلاث التي مكثها في المعتقل, قبل قتله. وفي ذلك درس بليغ, وعبرة لمن يعتبر. وصدّام حسين من جانب آخر, هو يُعتبر(ضحيّة)نشأة سياسية(وطنية)قاصرة, تقوم في جانب أساسيّ منها على الشعارات والأحلام والركون لظاهر القول. ولذلك فإنه قد أخفق في فهم الشخصية الشيعية التي تتّسم بالباطنية والتقلّب وارتباطها المصيري بإيران وموالاتها وتبعيّتها المطلقة لها, وفشل بالنتيجة في إيجاد هوية وطنية عراقية جامعة. مغطّيًا ذلك بضجيج الشعارات الصاخبة, من قبيل؛(العراقيّون..شعب واحد من زاخو إلى الفاو)!!. فكان الحصاد مرًّا في سنة 1991, وأشدُّ مرارة في 2003, وما بعدها. فسياسة الشعارات لا تبني دولة ولا تحصّن شعبًا, بل تُوجِد قطعان من الدهماء, الذين يخوضون مع الخائضين وينعقون مع الناعقين ويرقصون مع الراقصين.. ثم ينكصون مع الناكصين!!. وخلال هذه المدة الطويلة التي ناهزت النصف قرن, كان صدّام حسين هو الشخصية السياسية المحورية الأبرز والأطول حُكمًا, وحقّق الكثير من الإنجازات للعراق, لا يُنكِرها إلّا جاحد أو جاهل. وأبرزها على الإطلاق؛نصره اللامع على إيران وحماية بلاده من خطر وجودي مدمّر كان يتهدّدها. وهو نصر لم تذقه الأمّة العربية والإسلامية منذ قرون عددا. ولكن بالمقابل؛كانت فترة حكمه حافلة بالأخطاء والكبوات والكوارث, وطبع عهده بالعنف والقسوة المفرطة, والتي شملت خصومه ورفاقه على حدٍ سواء, وسُفكت فيها كثير من الدماء, رغم إن بعض ذلك العنف كان مطلوبا أحيانا في لحظة تاريخية معيّنة. واستغرق في طموحاته القومية على حساب بناء وتطوير وتوعية الإنسان العراقي, وأسكرته نشوة الشعارات وهتافات الجماهير الصاخبة مستمِدًّا منها شرعيته, وصرف جهده في التصدي للمؤامرات الخارجية, ولم يتحسّب لأهمية تحصين الجبهة الداخلية, فكانت النتيجة وبالًا عليه وعلى العراق. وتجرّع من كأس الغدر نفسها التي سقاها لآخرين, ولكنها هذه المرّة كانت كأسًا مزاجها؛سمًّا أمريكيًّا- فارسيًّا- يهوديا!!. لقد كان صدّام حسين(نسيجُ وحده), وكان على مدى نصف قرن؛(مالئ الدنيا وشاغل الناس), وسيظل هكذا لزمن طويل قادم, سواء اتفقنا معه أو اختلفنا. وُلد يتيمًا, وقضى نحبه شهيدًا. وسيخلُد في ذاكرة الملايين من الناس المشهد الأخير له وهو يقف مُبتسمًا على منصّة الإعدام يواجه الموت بثبات وشمم, ومردِدًا الشهادتين. ومن(بيت الطين)كانت البداية, وفي(بيت طين)آخر لا يبعد عنه كثيرًا, كانت النهاية!!. وهكذا تماثلت النهاية مع البداية, رغم العقود السبعة الفاصلة بينهما. وهذا هو حال الدنيا, والتي كان يقول عنها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(رضي الله عنه)؛يا دنيا غُرّي غيري!!. | |
|