ما يجري بين روسيا وأكرانيا وعلاقته بالحرب في غزة.. العرب بين الولايات المتحدة المنحازة وروسيا المترددة
د. سعد ناجي جواد*
ما يجري بين روسيا وأكرانيا وعلاقته بالحرب في غزة.. العرب بين الولايات المتحدة المنحازة وروسيا المترددة
منذ ان بدأت عملية طوفان الأقصى، التي كشفت بصورة جلية ضعف كيان الاحتلال وحطمت صورته، كخط الدفاع الاول للولايات المتحدة والغرب والقوة القادرة على تنفيذ وإدامة مشروع تقسيم الامة العربية، اصبح هم نتنياهو الاول والأخير هو ان يُدخل الولايات المتحدة في الحرب لإنقاذه وإنقاذ كيانه اولا، ولاستخدام قوتها العظمى في ضرب المقاومة التي اذلته وكل من يدعمها او يقف ورائها ثانيا. الولايات المتحدة بدورها لم تخذله. فمنذ البداية هَبّت لنجدة كيان الاحتلال بدون تحفظ كالعادة، وارسلت حاملات الطائرات إلى سواحل فلسطين المحتلة ووضعت قواعدها في المنطقة في حالة تأهب، وهددت كل من يحاول فتح جبهات جديدة ضد الكيان، وفوق كل ذلك انها فتحت قواعدها ومخازنها لتزويد جيش الاحتلال بكل الأسلحة والمعدات الفتاكة حتى يمعن في قتل الأبرياء ومنع انهياره وتبقي صورته كجيش لا يقهر. وهذه هي ليست المرة الاولى الذي تفعل فيها واشنطن ذلك. ومع ذلك ظلت الدلائل تشير إلى ان واشنطن لم تكن راغبة في ادخال قواتها طرفا مباشرا في الحرب الدائرة في غزة، باستثناء ما قامت به مع بريطانيا في اليمن. من هنا جاء قرار نتنياهو بتوسيع دائرة الاغتيالات وانتهاك حرمة عواصم في المنطقة لأنه يعرف جيدا ان توسع دائرة الصراع يضع الولايات المتحدة المحكومة باللوبي الصهيوني في المواجهة. والظاهر ان محاولاته قد نجحت بعد عشرة شهور من القتال الدامي في غزة. وبغض النظر عن كل الحديث حول (الشرخ الذي ظهر في العلاقة بين الادارة الأمريكية وحكومة الاحتلال)، وبالذات مع نتنياهو، وإعلان واشنطن اكثر من مرة انها (غير راضية عن اصراره على الاستمرار في الحرب)، والتي في حقيقتها مجازر ترتكب ضد الأبرياء، فان الدعم الأمريكي تصاعد بشكل كبير هذه الايام واصبحت واشنطن قاب قوسين او ادنى للدخول في الصراع المباشر.
بالمقابل يظل العرب بصورة عامة والمقاومة بصورة خاصة، بدون دعم اية قوة كبرى او من المحيط العربي، وان قدرها هو ان تبقى تعتمد على قدراتها الذاتية او ما تقدمه ايران لها. وايران من جانبها اصبحت هي الأخرى هدفا لمخططات الولايات المتحدة وإسرائيل نتيجة لهذا الدعم، ونتيجة موازنتها بين تجنب مواجهات كبرى حتى تستطيع ان تكمل برنامجها النووي وبين مواجهة التحديات التي توضع في طريقها لإفشال ما تصبو اليه.
وهنا يثار السؤال الذي يقول أين هي روسيا والصين من كل ما يجري، ومتى تعي موسكو وبكين بان ما يحدث في المنطقة هو موجه لهما ايضا، وان اي انتصار للحلف الأمريكي-الصهيوني سيعني ايضا إضعافا لمكانتيهما العالميتين، وخاصة روسيا، التي تبقى مترددة، ليس فقط في الدفاع عن حلفائها ولكن ايضا في الدفاع عن نفسها امام محاولات الولايات المتحدة والناتو لإحراجها في حربها في أوكرانيا وسوريا. وهذا الموقف مع الاسف ليس بالجديد. ففي عز الحرب الباردة طرح الاتحاد السوفيتي نفسه كمدافع عن حركات التحرر وعن الدول التي كانت تقف ضد محاولات الولايات المتحدة والغرب للسيطرة على العالم، ومنها الدول العربية التي تخلصت من الاستعمار الغربي. ولكن كل التجارب التاريخية اثبتت ان الدعم السوفيتي لم يكن يصل إلى ما كانت الولايات المتحدة، ولا تزال تقدمه لحلفائها. ومن لا يتفق مع ذلك عليه ان يتذكر حرب 1967 وحرب 1973. او النموذج الأوضح المتمثل بأزمة الصواريخ الكوبية التي تراجع فيها الاتحاد السوفيتي مما تسبب في الاطاحة بالقيادة التي اتخذت قرار نصب قواعد الصواريخ في كوبا ثم سحبها بسرعة. وهذه السياسة المترددة ما زالت مستمرة، حتى عندما انحازت اسرائيل إلى جانب أوكرانيا.
انه لمن المؤسف. ان يفشل المخططون الاستراتيجيون الروس في ربط ما حدث من تصعيد في الحرب مع أوكرانيا مؤخرا مع الخطط التي وضعتها كل من إسرائيل والولايات المتحدة لشن هجمة مشتركة ضد ايران وحزب الله والمقاومة في اليمن والعراق، وربما الوجود الروسي في سوريا ايضا. وان الاختراق الاوكراني الأخير للأراضي الروسية هو في جزء منه لإشغال روسيا كي لا تتدخل لجانب ايران بالذات التي تربطها معها علاقات متينة، وصلت إلى حد اعتماد روسيا على معدات إيرانية أهمها كانت المسيرات الصغيرة. في لحظة من اللحظات اشعرنا الرئيس بوتين بانه تنبه لذلك عندما قال انه مثلما تقوم الولايات المتحدة بتسليح كل الدول المجاورة لروسيا وتشجع دول الناتو بالذات على المشاركة في المواجهة مع روسيا فانه سيقوم بتزويد الأطراف الداخلة في صراع مع الولايات المتحدة، مثل اليمن والمقاومة الفلسطينية وسوريا، بأسلحة متطورة، وتوقف عند ذلك التصريح. وهو أصلا ترك الأجواء السورية مفتوحة للاختراقات الاسرائيلية منذ ان دخلت روسيا بشكل مباشر في الأزمة السورية ولم يُفعِل منظومة الدفاع الجوي المتطورة التي تم نصبها هناك ولو لمرة واحدة لكي يتصدى للهجمات الاسرائيلية المتكررة على دمشق. اليوم تدفع روسيا ثمنا كبيرا نتيجة لهذه المواقف المترددة. مقارنة بسيطة بين موقف الولايات المتحدة اليوم الذي وصل إلى حد الاستعداد لدخول حرب عالمية ثالثة دفاعا عن إسرائيل، وربما تعريض طيرانها وأساطيلها لخطر الاستهداف من قبل المقاومة، وبين روسيا المشغولة في محاولات صد الخرق الذي احدثته القوات الاوكرانية، وبالأسلحة الجديدة التي حصلت عليها من الناتو، في اقليم كورسك تظهر فشل سياسة التردد التي تتبعها القيادة الروسية. واذا لم تدرك تلك القيادة ان ما يحدث لها يشكل فشلا استراتيجيا لا يستهان به، حاليا ومستقبليا، وانها مطالبة بمواقف اكثر حزما إلى جانب حلفائها الطبيعيين الذين يقفون في نفس الخندق المناهض للهيمنة الأمريكية، فان كل محاولاتها لاستعادة مكانتها كقوة عالمية كبرى ستبوء بالفشل.
فيما يخص القضية الفلسطينية، هناك من يقول ان روسيا، شأنها شأن الاتحاد السوفيتي السابق، لم تشعر في اية لحظة من اللحظات، بل ومنذ الإعلان عن اقامة إسرائيل، بعدالة ومشروعية الحق الفلسطيني، بدليل انها كانت الدولة الثانية التي اعترفت بالكيان الغاصب، وكانت الاحزاب الشيوعية العربية التابعة لها تدافع عن حق إسرائيل في الوجود. وفي أوج قوتها لم تفعل موسكو ما هو مطلوب لحماية حليفها الاهم في المنطقة والذي فتح لها أبواب النفوذ في كل الشرق الاوسط (جمال عبد الناصر)، بل انها لعبت دور المتواطئ في ثني الرئيس عبد الناصر عن القيام بالضربة الاولى في عام 1967، وبالنتيجة تمكن الطيران الاسرائيلي من تدمير الطيران الحربي المصري على الارض في ظرف ساعات. واكرر ان التردد مازال سمة الاستراتيجية والتفكير السياسي الروسي لحد اليوم. اما الصين فلقد انقلبت من دول داعمة لحركات التحرر قولا وفعلا إلى تاجر يخشى على مصالحه الاقتصادية ويكتفي بالكلام.
وفي وسط هذه الحالة لم يبق للعرب من سبيل سوى الاعتماد على ذاتهم وقدراتهم. والمؤسف ان العرب او اغلب قادتهم لم يتمكنوا، إلا ما ندر، من ادراك قيمة القدرات والإمكانيات التي تمتلكها الامة العربية، وإن عرفوا ذلك فإنهم يتصورون ان كسب الطرف الاخر يتم عن طريق تسخير تلك الإمكانيات والثروات لخدمة دول الغرب اكثر من ان استغلالها كأوراق ضغط لتغيير مواقف تلك الدول لصالح القضايا العربية. وطالما بقيت طريقة التفكير هذه سائدة فان المنطقة العربية مرشحة لان تبقى تابعة لسنين قادمة مع الأسف. وامام هذه الحالة فليس من المستغرب ان تعقد الاجيال الجديدة الامل على المقاومة التي استطاعت ان تقلب المعادلة مؤخرا رغم كل التضحيات الهائلة التي تقدمها، واستطاعت ان تُشعِر العالم بان الحق الفلسطيني لن يضيع وان تجربة زرع كيان دخيل في قلب الامة العربية لن يكتب لها النجاح مهما حاولت بعض الأطراف في اطالة عمرها. وستبقى هذه الفئة خاصة تنتظر رد ايران وحزب الله والمقاومة اليمنية على التجاوزات الاسرائيلية، وعسى ان يكون الرد مساويا لما ارتكبته وترتكبه اسرائيل من جرائم ضد الانسانية.
*كاتب واكاديمي عراقي