سلوك القاضي ودلالته على أدائه الوظيفي
حسن الحضري*
سلوك القاضي ودلالته على أدائه الوظيفي
يُعَد القضاء من أكثر الأعمال التي تتطلَّب توافر العدالة فيمن يتولاها، ولا شك في أنَّ سلوك الإنسان بشكلٍ عامٍّ، والقاضي بشكلٍ خاصٍّ؛ من العوامل التي يُحكَم من خلالها على عدالته إثباتًا أو نفيًا، بل يُحكم أيضًا على عدالته من خلال كل ما يمكن أن يُستدَل به على وجودها أو عدمها؛ فقد ذكر ابن عساكر في تاريخ دمشق «أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، سأل أحد قضاة دمشق: كيف تقضي؟ فقال: أقضي بكتاب الله؛ قال: فإذا جاء ما ليس في كتاب الله؟ قال: أقضي بسنَّة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؛ قال: فإذا جاء ما ليس في سنَّة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم؟ قال: أجتهد رأيي وأُؤَامِر جلسائي؛ فقال له عمر: أحسنتَ؛ ثم رجع ذلك القاضي إلى عمر بعد مدة فقال: رأيت فيما يرى النائم أن الشمس والقمر يقتتلان، مع كل واحد منهما جنود من الكواكب؛ فقال له عمر: مع أيِّهما كنتَ؟ قال: مع القمر؛ فقال عمر: نعوذ بالله؛ إن الله تعالى يقول: (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً) [الإسراء: 12]؛ ثم قال له عمر: والله لا تَلِي لي عملًا أبدًا؛ ثم عزله»، وفي هذا الأثر نجد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أثنى في البداية على القاضي لمَّا سمع من كلامه ما يدل على علمه وعدله، ثم عزله بعد ذلك لمَّا سمع من كلامه عن نفسه ما يدل على انحيازه للباطل ضد الحق.
ومن ذلك يتبيَّن أن ما يمارسه بعض القضاة من تعدٍّ على حقوق الناس؛ يقدح في عدالتهم، ومن أمثلة هذه الممارسات أن أحد القضاة ذهب إلى إحدى المصالح الحكومية، فاقتحم المكان حتى وصل إلى الموظف وعرَّفه بنفسه وأخرج له هويَّته وذكر له اسمه مسبوقًا بلقب "مستشار"، فقضى حاجته من الموظف في وقت وجيز وانصرف، والناس ينتظرون أرقامهم المُعَدَّة من خلال خاصية النداء الآلي، وهي الخاصية التي من المفترض أنها ابتُكِرت من أجل النظام وراحة المواطنين والموظفين، ولم يدرك ذلك المستشار أن المواطنين الذين ينتظرون أرقامهم قبل حضوره؛ فيهم مِن رموز العلم والفكر، وهم أولى بتسهيل مصالحهم، ومع ذلك انتظروا نداء أرقامهم، أما ذلك المستشار فقد جعل كل همِّه استغلال مزايا وهميَّة ظن أنه يستحقها، ثم أكد الموظفون بعد انصرافه أنهم مضطرون إلى تلبية أوامر أولئك المستشارين حتى لا يتعرضوا للعقاب.
إن القاضي يجب أن يكون من أشد الناس حرصًا على العدل، ويجب أن يظهر ذلك في سلوكه وتعاملاته مع الناس؛ لأنه لا يمكن أبدًا الفصل بين تعامُل الإنسان على المستوى الاجتماعي وبين تعامله على المستوى الوظيفي؛ فالجانبان وجهان لعملة واحدة، والإنسان الذي يظلم الناس في تعاملاته؛ لا يمكن بحالٍ من الأحوال أن يعدل بينهم إذا تولى منصبًا مثل القضاء، وقد كان الصالحون يتهرَّبون من هذا العمل إذا عرضه عليهم الملوك والأمراء؛ خشية أن يجوروا في أحكامهم ولو بغير قصدٍ، أما الآن فقد أصبح العمل في منصب القضاء غاية يسعى إليها من لا يتوافر فيه العدل ولا العلم ولا الحلم ولا الحكمة؛ بل إنَّ بعضهم يسعى إليه والهدف الأول لديه هو الحصول على امتيازات تساعده في المزيد من ارتكاب الظلم.
ولا شك في أن الزيادة المستمرة في عدد وقائع الفساد والتجاوزات التي يقع فيها بعض المستشارين تؤكد أن الأمر ظاهرة خطيرة تستوجب التصدي لها بحسم، وإعادة النظر في ضوابط وشروط من يتولى هذا المنصب، بحيث تكون هذه الضوابط والشروط متوافقة مع أصول الشريعة الإسلامية التي هي أساس العدل، فإنه من المعلوم بالضرورة أن الاعتماد على الخطوات الروتينية الاعتيادية في تعيين القضاء؛ هو أساس هذه الظاهرة، فيجب مراعاة المستجدَّات على المستوى الفردي والجماعي.
*عضو اتحاد كتاب مصر