بعد عام على معركة الاقصى هل باع ملالي طهران حلفائه؟
الاستاذ الدكتور عبدالرزاق محمد الدليمي
بعد عام على معركة الاقصى هل باع ملالي طهران حلفائه؟
قبل اكثر من خمسة عقود قال احد سياسي لبنان الحكماء اذا اردتم ان تعرفوا الى اين تسير المنطقة فانظروا الى العراق؟!!! هذا الكلام الذي قيل في ستينيات القران الماضي يدلل ان انتكاسة الامة العربية تبدأ حين يتراجع دور العراق في المنطقة والاقليم ....وعندما نريد ان نحلل وبشكل بسيط ماقام به الاحتلال الامريكي البريطاني بتسليم العراق حديقة خلفية ومرتع خصب لتنفيذ سياسات ملالي طهران وانعكاس ذلك سلبا على كل البنى التحتية والحراك الثوري العربي الذي يشهد تراجع غير مسبوق وعمليات خلط بالاوراق والهويات الامر الذي سهل للكيان الصهيوني تنفيذ مآربه وكانت عمليات الاقصى قبل عام فرصة ذهبية لهم لتنفيذ مخططاتهم الموضوعة سلفا،وهنا لاندعي او نتهم او نشكك بنوايا من بدأ بعمليات الاقصى ولكن يبدو من خلال احداث عام كامل ان الكيان الاسرئيلي (ربما) يعلم بخطة المقاومة الفلسطينية ووضع مقابها خططه التي بدأت تزداد وضوحا خلال الفترة القريبة الماضية حيث تيقن الجميع ان ثمة اختراقات أمنية خطيرة في بنية وتشكيلات بعض الفصائل الفلسطينية وحزب الله اللبناني!!
ممارسات ملالي طهران
اتفق تماما مع من يقول ان نظام طهران مستعد ان يقطع ذيوله ويبيعها بل ويتبرع بها الى امريكا واسرائيل مقابل الحفاظ على النظام ومكاسبه بالغة الاهمية في المنطقة،وهو على بعد مسافة زمنية قصيرة لضم العراق جزءا من الولايات التابعة للنظام حاله حال الاحواز العربية وبقية الولايات التي فيها قوميات اخرى غير الفرس، في وقت تثبت الاحداث ان الملالي يهتمون بمستعمراتهم في العراق وسوريا ولبنان واليمن وحرصهم على استمرار تمددهم في اسيا شرقا وافريقيا اكثر مما يهمهم تحرير فلسطين عندما نحلل سلوك إيران الاستراتيجي وصنع القرار، من المهم أن نلاحظ أن البلاد لديها مستويان رئيسيان للسياسة الخارجية، وكلاهما يشرف عليه المرشد الأعلى ويخضع لسلطته
دار الممانعة ودار الحرب
مما بات واضحاً، استناداً إلى ممارسات العقود والسنوات الماضية، فإن القيادة الإيرانية تضع مصلحة النظام أولاً، وذلك تحت مظلة عقيدة "الجمهورية الإسلامية"، أي قبل المصلحة الحياتية والاقتصادية للمواطنين. وبالتالي لا ننتظر أن تقوم طهران بتنازلات كبرى حيال المطالب الغربية لتستفيد من المداخيل المالية لتحسين الاقتصاد والوضع المعيشي، بل ستستفيد من مداخيل الاتفاق النووي لتدعيم النظام داخلياً وتصليب سيطرتها على "مستعمراتها" العربية والمشرقية خارجياً. واستراتيجية الاستفادة من عودة واشنطن إلى الاتفاق ستكون على محورين. محور "دار الممانعة" أي الاحتفاظ بالدول أو المناطق التي تسيطر عليها ومنع إزاحة سيطرتها عنها بكل الوسائل، ومحور "دار الحرب" أي الدول والمناطق التي تحاربها "الجمهورية الإسلامية" من التحالف العربي، إلى المعارضات الوطنية، إلى إسرائيل وغيرها.
ما هو واضح وضوح الشمس أن النخبة الخمينية لن تتخلى عن الدول أو المناطق التي تسيطر عليها تحت أي ظرف كان، إلا تحت ضغط هائل، وهو بعيد الاحتمال تحت إدارة بايدن-هاريس بسبب الاتفاق النووي. وبالتالي فطالما استمر الانغماس الأميركي في آلية الاتفاق، لن تكون هناك مقاومة أميركية لسيطرة إيران على أربع دول عربية. أو هذا على الأقل ما تعتقده طهران، وقد تكون مصيبة في ذلك فإذا وقعت واشنطن على معاهدة الـ"JCPOA" (خطة العمل الشاملة المشتركة) (*)هل ستفشل نفسها ذاتياً عبر اشتباك كبير مع "الشريك الجديد" من أجل تحرير هذه الدول؟ الجواب أن القوى الضاغطة داخل أميركا ستعمل المستحيل لمنع بايدن من تحرير العراق وسوريا ولبنان واليمن من القبضة الإيرانية حتى الانتخابات المقبلة، وهذا ما تعول عليه طهران حاليا. ولكن كيف ترجم ملالي إيران هذه الاستراتيجية في "المستعمرات"؟
العراق
واضح أن النظام الإيراني يتكل على ميليشياته في العراق لإبقاء البلاد تحت سيطرته. من هنا ستستمر إيران في تعزيز قدرات الحشد الشعبي والمجموعات الموالية لها، وستوسع هذا الدعم مع الحصول على المداخيل المالية بواسطة تزخيم الاتفاق النووي ورفع العقوبات. أمام طهران تحديان داخل العراق. الأول، هو وجود قوات أميركية، وستعهد إيران مهمة إجلائها للميليشيات عبر تسليحها لكي تهدد هذه القوات. وستحاول استعمال اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة لحمل الإدارة على سحب القوات العسكرية.
التحدي الثاني، هو انتفاضة المجتمع المدني ضد الميليشيات، إذ تخشى طهران تجدد تظاهرات أكتوبر (تشرين الأول) 2019، بشكل أكبر، مما قد يؤدي إلى تدخل خارجي، بما فيه تدخل أميركي. ولكن القيادة الخمينية تظن أن توقيع الاتفاق مع واشنطن وضغط اللوبي فيها، سيمنع الإدارة من مساندة الانتفاضة الشعبية عندما تعود إلى الشوارع. مشروع إيران في العراق حتى نهاية 2024 هو تعميق السيطرة عليه، وصولاً إلى الإمساك بنفطه عبر شركات تسيطر عليها من خلال الميليشيات. وكل ذلك مبني على افتراض عدم رد إدارة بايدن على التوسع الإيراني.
لبنان
خطط إيران تجاه لبنان معروفة وقديمة، وتلخص بتكليف "حزب الله" السيطرة الحازمة والحاسمة على الجمهورية اللبنانية بكامل مفاصلها. وكما في العراق، معسكر المحور يحتاط لتحديين أساسيين يهددان "حزب الله". الأول هو تجدد ثورة الأرز التي انفجرت في 2005، أو إعادة انفجار ثورة أكتوبر (تشرين الأول) 2019، لأنه كما كتبنا سابقاً للشعب اللبناني قدرات ذاتية للثورة على ميليشيات الحزب. أما التحدي الثاني، فهو إعادة تدخل أميركا في لبنان لإضعاف الحزب، إما عبر قرار أممي جديد تحت الفصل السابع، وإما عبر قوات متعددة الجنسيات على نمط أفغانستان. ولتلافي هكذا أخطار، تعتمد قيادة "حزب الله" على قدرة طهران عبر الاتفاق النووي واللوبي في واشنطن على منع أي دعم أميركي جدي للمعارضة اللبنانية ضد الحزب، أو أي عمل أميركي مباشر ضد الميليشيات. والجدير بالذكر، أن هكذا معادلة كانت قائمة في لبنان منذ انطلاقة إدارة باراك أوباما في 2009، واستمرت خلال حقبة إدارة دونالد ترامب التي لم تتمكن من تغيير سياسة سلفه تجاه لبنان، وهي الآن تستمر مع إدارة بايدن. وطهران كانت تعتمد على الاتفاق النووي لحماية "حزب الله" في لبنان، لكن لقيادة إسرائيل قول اخر وهذا ما يفسر لنا اهداف العمليات الاسرائلية النوعية في لبنان اخيرا فأ سرائيل عازمة على تجريد حزب الله من مخالبه العسكرية ودفعه مجبرا لان يكون مجرد اداة سياسية حالها حال بقية القوى الاخرى في لبنان.
سوريا
المشروع الإيراني في سوريا للسنوات الأربع الماضية كان الأكثر قابلية للتغير بسبب المعادلات على أرض الواقع وتقاطع السياسات الإقليمية. فالهدف الأساسي الإيراني في تلك البلاد المقسمة والمدمرة هو في جانبين. الأول، هو الحفاظ على نظام الأسد بكل الوسائل الممكنة لحماية التمدد الإيراني إلى البحر المتوسط. والثاني، هو إجراء تعديلات ديموغرافية وتحجيم دور الاسلام السني لتسمح بإقامة مناطق متماسكة طائفياً تربط العراق بسوريا ولبنان. إدارة بايدن كانت لا تؤيد نظام الأسد ولا تحبذ التغييرات الديموغرافية في سوريا. ولكن السؤال الأكبر هو هل منعت إدارة بايدن الدور الإيراني في سوريا؟ طهران تعتقد أن واشنطن تنتقد الميليشيات الإيرانية وعملها داخل سوريا ولكنها لن تتدخل ضدها عسكرياً. وهذا هو الأساس بالنسبة إلى النظام.
اليمن
أما ما تهدفه طهران في الساحة اليمنية، فهو أيضاً كان معروف وواضح. طهران هدفت إلى الإبقاء على "النظام الحوثي" في الشمال مع ساحل يطل على البحر الأحمر طيلة السنوات الأربع الماضية. وكما بالنسبة إلى دول "المحور" الأخرى، تعتبر إيران أن التسوية الإقليمية الدولية ستضمن بقاء "الجمهورية الحوثية" على مساحات واسعة من الدولة اليمنية. والملالي راهنوا على أن إدارة بايدن كانت ولا تزال تضغط على التحالف العربي لوضع حد لحرب اليمن والانسحاب منه، فإن ذلك سيحمي الميليشيات المؤيدة لإيران لسنوات. وبالمقارنة مع "المستعمرات" الثلاث الأخرى، يطبق ملالي طهران المعادلة المفترضة نفسها: هل ستقاتل الولايات المتحدة الميليشيات الحوثية مباشرة لتجردها من السلاح؟ مخططو طهران يعتبرون أن الاتفاق النووي سيضمن منع الحسم العسكري ضد الحوثيين، وبالتالي سيتم حماية هذه الميليشيات خلال الفترة القادمة.
الاتفاق المظلة
من هنا، فإن الاعتقاد في طهران باحتمالية عودة الولايات المتحدة إلى نادي الاتفاق، ستحمي "الإمبراطورية" لنصف عقد تقريباً. لذا ينكب أصحاب قرار في "الجمهورية الإسلامية" على التوازن بين ما يمكنهم أن يقدموه من تنازلات من ناحية، والتأكد من أن ميليشياتها في الدول الأربع ستستمر وتنمو لأربع سنوات، ريثما تتطور تلك الميليشيات إلى شبه دولة كالحرس الثوري داخل إيران.
ولكن هل ستذهب إلادارة الجديدة القادمة إلى هذا الحد من قبول بالأمر الواقع أم أن هنالك خطوطاً حمراء لا ترى بالعين المجردة؟ وماذا سوف تكون ردود فعل "الدول المواجهة" لطهران؟.
(*)معاهدة الـ"JCPOA" (خطة العمل الشاملة المشتركة)خطة العمل الشاملة المشتركة : Joint Comprehensive Plan of Action) هو مستند اتفاقية المراحل الأخيرة للنقاشات بين إيران حول برنامجها النووي ودول الـ5+1 - الولايات المتحدة وروسيا والصين وفرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا -