نصائح ذهبية للتأكد من صحة الخبر
د. وائل القيسي
نصائح ذهبية للتأكد من صحة الخبر
يتعرض المتلقي العربي في شتى ارجاء المعمورة ، بالسنوات الأخيرة خصوصا، لحرب إعلامية نووية هائلة اذا جاز التوصيف، بل وربما تكون أخطر من الضربات النووية الحقيقية .
إن الحرب النووية تستهدف بالعادة الأرواح والحضارة المتمثلة في البناء المادي من بنى تحتية. "عمارات ، متاحف، منازل ، مشاريع صحية وخدمية ، زراعة، صناعة... الخ" ، وكل هذه يقوم الإنسان ببنائها وصنعها .
اما الإعلام ، من المؤكد انه اشد فتكا ودمارا حتى من القتل نفسه ، كونه يستهدف الثقافة ، وهي تتمثل في الفكر والعقل للسيطرة على حواسه العصبية والفكرية والنفسية، ويخضع باللاوعي إلى تحولات عقدية وفكرية واخلاقية { وإن كانت بنسب متفاوتة } بما يتوافق واهداف وسياسات الجهات التي تهيمن على الإعلام بكل وسائله وادواته ، خدمة لمصالحها .
وكانت أقوى الصدمات المروعة التي خلخلت الكيان العربي كله ، هي كارثة الغزو الأميركي والاحتلال الايراني للعراق بعد 2003 ،حيث سبقته حرب إعلامية شديدة موجهة ، لكن وقعها على المتلقي كان أقل تأثيرا مما تلاها بعد انهيار العراق كدولة وحكومة ومؤسسات ومنظومة مجتمعية وقيمية واخلاقية وابرزها الحس الوطني ، ثم تلاحقت النكسات كما حصل في ليبيا والسودان واليمن وسوريا، وكانت الماكنة الاعلامية سواء الإعلام الغربي الموجه او الإعلام العربي والاقليمي المتخادم معه، كلها كانت تطحن بالمتلقي العربي طحنا، وتعمل على تحطيم خطوطه الدفاعية من عقيدة دينية او قومية او وطنية تدريجيا، وتعمل على إشاعة بدائل لا تؤمن بكل هذه العقائد ، وتروّض ذلك المتلقي لتقبلها والاستسلام لها من خلال فوضى الأخبار وكثرتها ، واغراقه بوسائل إعلامية وقنوات فضائية َوإذاعية وصحف ومجلات ووسائل التواصل الاجتماعي (الإنترنت) ، بحيث تجعله لا يستطيع التمييز بين الحقيقية والزائفة منها ، ناهيك عن الاستعانة بذباب إلكتروني ومحللين يجعلون المتلقي في ضياع وشتات فكري، بالإضافة إلى وسائل البطش والترهيب وكتم الأصوات الحرة وعدم السماح لها بالظهور على شاشات التلفزة اوحجب وتقييد حساباتها على اغلب وسائط الإنترنت .
وقد كانت ماسميت بعملية طوفان الأقصى في فلسطين (غزة تحديدا)، ومشاغبات حزب الله المصطنعة في جنوب لبنان بحجة دعم غزة ، وأضحوكة وحدة الساحات التي تبنتها إيران من خلال اذرعها وادواتها المنتشرة في العراق وسوريا ولبنان واليمن ، كل هذه شكلت اطارا لحرب إعلامية نووية ضد الجمهور العربي الذي بقي مشتتا وغير قادر على اتخاذ موقف حكيم وصائب يصب في مصلحته .
ان الصراع الظاهر يجري بين عدوين من أعدائه، سواء اكانت إيران او إسرائيل ، رغم انهما حلفاء تأريخيين على المستوى الاستراتيجي واعداء في الجانب التكتيكي.
مايهمنا في هذا المقال ليس الجانب السياسي بل الجانب الإعلامي، وهنا كان المتلقي للأخبار عبارة عن كرة تتقاذفها الحملات الإعلامية من خلال موجات خبرية موجهة تعمل وبشكل متقن على بث مليارات الكلمات في الدقيقة الواحدة ، واغلبها متناقض وبنهايات مفتوحة او سائبة تقبل كل الاحتمالات ( على قاعدة كل شيء وارد).
من الأمثلة على ذلك :
:black_small_square:قُتِلَ فلان _ لا لم يُقتَل.
:black_small_square:اغتيل فلان _ نجى من الاغتيال.
:black_small_square:ستجتاح _ تأجل الاجتياح.
:black_small_square:قَبِلَتْ _ لم تقبل _ تدرس القبول.
:black_small_square:اكد مصدر مطلع _ نفت جهات مقربة.
وهكذا بقي يدور المتلقي في دوامة فقدان الثقة بما يصله من أخبار عبر وسائل الإعلام ، ومما يزيد الطين بلّة هو عدم وجود مصادر رسمية وموثوقة يلجأ إليها او ربما يجهل معرفتها ، وصار كل واحد يلجأ إلى الأخبار التي تصدر عن القنوات والوسائل والمواقع التي تتناغم وامانيه ورغباته حتى لو كانت غير صحيحة ولا تتسم بالمصداقية .
نصائح ذهبية للتأكد من الخبر
وسط هذه الفوضى الإعلامية وازدياد الوسائط الإخبارية ، صار لزاما على المتلقي ان يحمي نفسه من الوقوع في براثنها ، وأن يبحث عن الدقة والمصداقية باتباع قواعد تدقيق الأخبار والصور والفديوهات التي تصله ، وقد اصبح الذكاء الإصطناعي احد أبرز وسائل الكشف والتأكد ، رغم انه صار عرضة للإستخدام السيئ في التضليل والتجهيل المتعمد احيانا.
ولا شك أن التأكد من صحة الخبر تعد اهم من الخبر نفسه.
قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على مافعلتم نادمين} .
كذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم
" كفى بالمرء كذبا ان يُحَدِّثْ بكل ماسمع".
إن نصيحتنا للمتلقي مهما كان مستواه العلمي والثقافي او الوظيفي ان يتبع القواعد التالية عندما يطّلع على الأخبار والصور والفيديوهات التي تصله :
_ ضرورة التأكد من صحة الخبر.
_ الإنتباه لتأريخ النشر.
_ معرفة هوية الكاتب او صاحب الخبر.
_ البحث عن المصدر الأصلي.
_ التعامل بحذر ، وتجنب الأخبار التي ترد بصيغة ( أفاد مصدر موثوق، ذكر شهود عيان ، صرح مسؤول رفض الكشف عن اسمه... الخ) .
_ التأكد من نفس الخبر من أكثر من مصدر موثوق ومعروف.
_ إعتماد الخبر الصادر من جهة رسمية او حكومية او مخولة.
_ ضرورة التمييز بين الخبر والرأي والتحليل.
_ عدم تبني وتناقل او نشر اي خبر قبل التأكد منه.