هاريس والإجابة عن السؤال الغلط!
د. منار الشوربجي
هاريس والإجابة عن السؤال الغلط!
نظمت كبرى الشبكات التليفزيونية الأمريكية الناطقة بالإسبانية حلقة حوارية لكامالا هاريس مع الناخبين تتلقى فيها أسئلتهم. ولأنها شبكة ناطقة بالإسبانية، فإن الأمريكيين من أصول لاتينية هم الجمهور المستهدف. ومن يقرأ الخبر، لا بد أن يدرك فورا أن تلك فرصة ذهبية لهاريس لتأمين أغلبية أصوات المنتمين منهم للحزب الديمقراطى. فالأمريكيون من أصول لاتينية ليسوا كتلة تصويتية واحدة، إذ باتوا منقسمين بين الحزبين، بعد أن كانوا جماعة مضمونة للحزب الديمقراطى. ويعنى ذلك حتمية أن يبذل مرشحو الحزب جهودا مضاعفة على الأقل للاحتفاظ بالقطاع الذى لا يزال متمسكا بالتصويت للديمقراطيين. أما عن أسئلة اللقاء، فخلاله بدأت مواطنة من أصول مكسيكية سؤالها لهاريس بعبارة لافتة إذ قالت «بينى وبينك ما هو مشترك، فكل منا فقدت أمها».. ثم راحت السيدة «إيفيت» تحكى لهاريس عن معاناة والديها، المكسيكيين اللذين هاجرا منذ عقود طويلة هجرة غير شرعية. لكن إيفيت، التى ولدت بالولايات المتحدة فصارت أمريكية الجنسية، نجحت بعد عناء فى تقنين وجود أبيها على الأراضى الأمريكية، لكنها فشلت فى أن تفعل الشىء نفسه لوالدتها حتى ماتت. وشرحت الثمن الذى دفعته أمها بسبب وضعها القانونى. فحين مرضت لم تحصل على الخدمات والرعاية الطبية التى كانت فى حاجة لها. ثم سألت إيفيت هاريس سؤالا واضحا لا لبس قائلة «ما هى خطتك أو هل لديك خطة لدعم تلك الفئة من المهاجرين الذين عاشوا هنا طوال حياتهم ومضطرون لأن يعيشوا ويموتوا فى الظل؟»، لكن هاريس، بعد أن عبرت عن تعاطفها الشديد مع إيفيت لفقدان والدتها، إذا بها تسهب فى الحديث عن تأمين الحدود مع المكسيك!، فهى ألقت باللوم على الكونجرس وخصوصا الجمهوريين لأنه تجاهل مشروع قانون قدمه بايدن وكان «واحدا من أقوى مشروعات قوانين تأمين الحدود، منذ عقود، مؤكدة أن القانون كان من شأنه أن يدعم قوات حرس الحدود ويدعم جهود السيطرة على تدفق مادة «الفنتالين» المخدرة إلى الولايات المتحدة!.
والحقيقة أن إجابة هاريس مثال ممتاز على أزمة حملتها، بل وتجسد عمق الأزمة التى يعانيها حزبها منذ عقود. فالإجابة، كما هو واضح، تجاهلت السؤال، ثم أجابت عن سؤال آخر لم يطرح أصلا!، فهى لجأت لخطاب يمينى بالمطلق فى التعامل مع قضية الهجرة يختلف حتى عما اقترحته هى شخصيا وقت عضويتها للكونجرس أو حين نافست على ترشيح حزبها للرئاسة عام ٢٠٢٠. بل تبنت هاريس، خلال اللقاء، أكاذيب أقصى اليمين العنصرى التى تزعم أن المهاجرين مسؤولون عن تدفق المخدرات للبلاد، بينما تقول الإحصاءات الرسمية إن الأغلبية الساحقة من كميات الفنتالين تحديدا التى تدخل البلاد يهربها «مواطنون» لا مهاجرون!، وأزمة حملة هاريس فى الانتخابات الراهنة جوهرها أنها تسعى لمنافسة ترامب انطلاقا من أرضية اليمين أملا فى جذب الجمهوريين الذين يكرهون ترامب شخصيا، فضلا عن المستقلين ممن لم يتخذوا قرارهم بعد!. ونتيجة هذه الاستراتيجية أن الهامش بين هاريس وترامب فى الولايات الحاسمة يضيق بانتظام. وهى، كما أشرت الأسبوع الماضى، استراتيجية بائسة، فى تقديرى. ففى زمن هامش الفوز فيه ضئيل للغاية ووجود مرشح ثالث، فإن حماس القاعدة الانتخابية وارتفاع نسبة تصويتها هو المتغير الحاسم. وهو ما صار واضحا، كما أشرت الأسبوع الماضى بولاية متشجان كمثال. أما إذا تعلق الأمر بالأمريكيين ذوى الأصول اللاتينية، تصبح الولاية الأهم هى بنسلفانيا التى لا يمكن الفوز بدونها. فللأمريكيين ذوى الأصول اللاتينية وجود قوى بالولاية وهاريس فى وضع لا تحسد عليه فى الولاية!.