د. محمد السيد سليم - متابعات
12 فبراير-شباط 2010
أثناء وجوده في منتدى دافوس أطلق عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية، تصريحا تساءل فيه عن أسباب الاهتمام الغربي المفاجئ بالشأن اليمني. ويتمثل هذا الاهتمام في زيارة الجنرال ديفيد بيتريوس قائد القيادة المركزية الأميركية لليمن في الماضي حيث تعهد بمساعدة اليمن ضد تنظيم «القاعدة» ثم تصريح الرئيس الاميركي باراك أوباما بان الولايات المتحدة ستزيد من عمليات تبادل المعلومات مع اليمن وتدريب القوات اليمنية واجراء عمليات عسكرية مشتركة مع الحكومة ضد «القاعدة» وأخيرا انعقاد مؤتمر ل ندن عن اليمن بشكل مستعجل ومفاجئ.
كان الأمين العام يتحدث عن هذه التطورات بصيغة السؤال الذي يشير الى ان السائل يمتلك الاجابة ولكنه لا يريد الافصاح عنها. كانت كل اشارات موسى سواء اللفظية أو الجسمية تشير الى دلالات مهمة آثر ألا يفصح عنها ربما لحساسية منصبه ما يدفعنا الى محاولة الاجابة عن الأسئلة الموحية التي طرحها عمرو موسى عن أسباب الاهتمام الانكلو- أميركي المفاجئ باليمن.
(1)
في البداية من المهم ان نعرف ان مؤتمر لندن انعقد بمبادرة بريطانية ودو ن تشاور مع حكومة اليمن والتي حضرت المؤتمر شأنها شأن باقي المشاركين.كما ان الصين لم تدع الى المؤتمر وقد قرر المؤتمر تقديم الدعم الدولي لحكومة اليمن بشرط ان تلتزم باصلاحات صندوق النقد الدولي مع الدعوة الى عقد مؤتمر للمانحين فيما بعد لمناقشة برامج الاصلاح اليمنية وكذلك مساعدة حكومة اليمن في مكافحة تنظيم «القاعدة» والالتزام الكامل بتطبيق العقوبات الدولية المفروضة طبقا لقرار مجلس الأمن رقم 1267 بخصوص الهيئات والأفراد الداعمين «للارهاب» تضمن البيان أيضا الاتفاق على دعم مبادرات الحكومة اليمنية لأجل تنمية قدراتها في مكافحة الإرهاب وتعزيز أمن طيرانها وحدودها وهذا يتضمن بذل الجهود المبذولة على كل من الحدود البرية والبحرية بما في ذلك تعزيز قدرات قوة خفر السواحل اليمنية.وقد فسرت عناصر المعارضة اليمنية هذه القرارات بانها بمثابة فرض الوصاية الغربية على اليمن.
بيد ان قرارات مؤتمر لندن كانت هي قمة جبل الثلج الطافي اذ ظلت الكتلة الرئيسية للجبل تحت السطح. فقد توازي مع تلك القرارات طلب الولايات المتحدة توفير الشكل الخارجي قاعدة عسكرية في اليمن من خلال تحويل جزيرة سقطرى التي تبعد بنحو 200 ميل عن السواحل اليمنية من مهبط للطائرات إلى قاعدة عسكرية كاملة تتيح للأميركيين الانطلاق منها لمحاربة «القاعدة».كما أشاروزير الدولة البريطاني ايفان لويس أثناء زيارته لليمن بعد المؤتمران بريطانيا تتعاون مع اليمن منذ سنة 2009 لتدريب القوات اليمنية على مكافحة الارهاب.
(2)
لايمكن فهم التحول الغربي للتدخل في الشأن اليمني في ضوء ان أحد الأشخاص الذي دربه «القاعدة» في اليمن حاول تفجير طائرة أميركية. فـ«القاعدة» موجود في اليمن منذ الهجوم على السفينة الحربية الأميركية «يو اس اس كول» سنة 2000 ثم الهجوم على ناقلة النفط الفرنسية «ليمبورغ» سنة 2002 ولم يؤد ذلك الى استنفار غربي بمثل ما هو حاصل الآن كما قال السفير الهندي السابق بادراكومار.
وأضاف كومار ان المستهدف الحقيقي من التحرك الغربي هو الصين وليس تنظيم «القاعدة» أضاف في عبارة بليغة «لاتستطيع (الولايات المتحدة) ان تصارع الصين بدون ان تحتل اليمن».
الواقع ان التحرك الغربي تجاه اليمن هو جزء من صراع عالمي أكبر وهو التنافس العالمي للسيطرة على المحيط الهندي واتجاه القوى الآسيوية الناشئة الى التحول نحو امتلاك القوة البحرية التي تمكنها من تحقيق تلك السيطرة.ويدور التنافس الصامت بين الولايات المتحدة مدعومة من الهند واليابان من ناحية وبين الصين مدعومة من باكستان وميانمار من ناحية أخرى.
وفي هذا السياق نفهم اهتمام الهند والصين وباكستان بتطوير قواتهم البحرية حيث اتسع نطاق عمل الأسطولين الهندي والصيني ليشمل المحيط الهندي بأكمله.
ويشبه هذا التنافس المباراة الكبرى بين روسيا وبريطانيا للسيطرة على آسيا الوسطى وأفغانستان في القرن التاسع عشر والمباراة الكبرى الجديدة في العقد الأخير من القرن العشرين بين ايران وتركيا للسيطرة على المنطقة ذاتها. الجديد في الصراع الراهن هو انه صراع بحري أكثر منه صراعا بريا كما ان الولايات المتحدة والصين هما أهم أعمدة هذا الصراع.
وجاء اعلان الصين في ديسمبر سنة 2009 عزمها على اقامة قاعدة بحرية في خليج عدن لحماية سفنها من القرصنة الصومالية ليشكل نقطة جرس انذار للقوى الغربية. وكانت الصين قد أرسلت عدة مدمرات حربية الى الخليج في أكبر وجود بحري صيني في المنطقة. وقد أتى الاعلان في سياق جهد صيني لتطوير القوة البحرية الصينية بما يمكنها لأول مرة في تاريخها من نشر أسطولها في المحيطات البعيدة بشكل يمكن معه حماية خطوط نقل النفط المستورد من افريقيا ومنطقة الخليج العربي. ولعل أهم تلك المحيطات التي يعبرها النفط الذي تستورده الصين هو المحيط الهندي حيث يتم نقل النفط من منطقة الخليج العربي وافريقيا الى الصين، وهوالنفط الذي يعد عماد الصعود الصيني بعد ان تحولت الصين سنة 1993 لأول مرة الى دولة مستوردة للنفط كما ان معظم النفط الصيني المستورد يمر في المحيط الهندي
كان اعلان الصين عزمها على اقامة قاعدة عسكرية في خليج عدن على الأرجح في ميناء عدن بمثابة انذار مبكر بان الصين تسعى الى اكمال سلسلة نقاط الارتكاز البحرية لها في المحيط الهندي امتدادا من سواحل ميانمار الى خليج عدن على طول سواحل المحيط الهندي. فقد أقامت الصين نقاط ارتكاز لأسطولها في المحيط الهندي في ميانمار، وسريلانكا وباكستان. هذه النقاط ليست قواعد عسكرية دائمة ولكنها توفر للأسطول الصيني تسهيلات بحرية من خلال المنشآت البحرية التي انشأتها الصين في تلك البلاد. ولهذا جاء الاعلان الانكلو- أميركي تجاه اليمن لقطع الطريق أمام التحرك الصيني واحكام السيطرة الغربية على الممرات البحرية لنقل النفط بحيث يسهل قطعها في حالة حدوث تصادم بين القوى الغربية والصين. واستكمالا لهذا المخطط قامت الهند بمد نطاق عمل أسطولها الى مضيق ملقا حيث يقوم الأسطول الهندي بحماية السفن اليابانية العابرة للمضيق من القرصنة.كما انها مدت نطاق عمل أسطولها الى الخليج العربي.
كما تقوم الولايات المتحدة بالسعي لحرمان الصين من نقاط ارتكازها في المحيط الهندي عن طريق فتح باب الحوار مع المجموعة العسكرية الحاكمة في ميانمار وتخييرباكستان بين الصين أو الولايات المتحدة، ومساعدة حكومة سريلانكا على تصفية حركة التمرد التاميلية. وفي هذا السياق نفهم التعاون النووي الهندي الأميركي لجعل الهند قوة نووية أمام القوة الصينية ونفهم التعاون الهندي الأميركي لهزيمة حركة طالبان في أفغانستان، ونفهم زيارة مانموهان سينغ، رئيس الوزراء الهندي للولايات المتحدة في نوفمبر الماضي كما نفهم زيارة روبرت غيتس وزير الدفاع الأميركي للهند في يناير الماضي حيث بدا ان غيتس يتحدث باسم الهند في تهديد باكستان بان الهند قد لاتطيق صبرا على هجوم «ارهابي» جديد عليها من باكستان بقوله «لايمكن ضمان رد فعل محسوب من قبل الهند اذا ماتعرضت لهجوم جديد» كما نفهم الاعلان الأميركي بتزويد تايوان بصفقة أسلحة حجمها 6 بلايين دولار وهي صفقة متفق عليها منذ فترة لكن الاعلان عنها مرة أخرى في سياق المباراة الكبرى الجديدة هو بمثابة رسالة للصين فهمت دلالتها.
وأخيرا نفهم في هذا السياق التحول الدرامي في سياسة حكومة هاتوياما اليابانية نحو التراجع عن تعهداتها السابقة باتباع سياسة مستقلة عن الولايات المتحدة. ففي 19 يناير الماضي عاد هاتوياما ليؤكد على «التحالف الأميركي الياباني كطريق للرد على تحديات القرن الحادي والعشرين». وأضاف السفير الهندي السابق كومار ان اسرائيل ليست بعيدة عن هذه التحالفات، مشيرا الى تفاهم أميركي هندي اسرائيلي في المحيط الهندي بل أضاف ان اسرائيل تعمل الآن في اليمن بالفعل في اطار هذا التنافس.
ونضيف الى ذلك الوجود الاسرائيلي في مناطق أعالي النيل مهددة شريان الحياة المائي الرئيس المصري، وداعمة لعملية انفصال جنوب السودان وهي كلها حلقات متكاملة يقوم كل طرف فيها بدوره الذي يكمل دور الآخر. بيد ان اسرائيل حريصة على عدم الافصاح عن دورها في المباراة الكبرى الجديدة حتى لا تغضب الصين بعد ان نجحت في تحقيق اختراقات مهمة في تلك الدولة.
(3)
من الواضح ان السواحل الغربية الجنوبية للعالم العربي هي ساحة المباراة الكبرى الجديدة وانه لا دور للعالم العربي في تلك المباراة الا كونه ساحة لها في اطار ما يحدث في اليمن، الى حد انه عندما تحدث الأمين العام لجامعة العرب عن الموضوع اكتفي بالتلميح دون التصريح. وهذه الحالة هي جزء من الحالة العربية العامة حيث يبدو ان موازين القوى الشرق أوسطية قد تحولت تماما لصالح القوى الاقليمية غير العربية. ولا يبدو في الأفق ثمة أمل في المدى القريب في قدرة العرب على تحويل مجرى الأحداث في اتجاه مختلف لان العرب يأتون دائما متأخرين.
بل ان الوضع يزداد تعقيدا مع الضغوط الغربية لتشكيل ما يسمى التحالف العربي الاسرائيلي ضد ايران. وأتصور ان أقصى ما يمكن للعرب فعله في هذا السياق هو عدم الانخراط في المشروعات الغربية التي تتم في اطار المباراة الكبرى الجديدة كالمشروع الغربي في اليمن وتجاه ايران. ذلك ان العرب سيدفعون فيما بعد ثمن مثل هذا الانخراط في المدى البعيد تماما كما دفعوا بعد انخراطهم في المشروع الانكلو - فرنسي ضد الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وفي المشروع الأميركي ضد السوفييت في أفغانستان في حقبة الثمانينيات من القرن الماضي