هذا المقال للوجيه الليبي الكبير
سالم كريم
وكيل وزارة الإعلام والثقافة الليبي السابق ، والمقيم الآن بمدينة درنه بليبيا
وقد تقدمت به السن الآن ومع هذا لا يزال يكتب بين الفينة والأخرى
وهو يتشوق في مقاله هذا لصديقه الشاعر الكبير نزار قباني
وقد نشر في مجلة الأسوة الحسنة الصادرة في ليبيا في عددها رقم 76 الصادر في 12/11/2007م تحت عنوان :
مع الشاعر نزار قباني
فيقول :
للحياة ذكريات وآهات واشراقات وهناك في مدينة بنغازي العربية الأصيلة بلد الشموخ والتاريخ السخي والموروث الثقافي والأدبي وذكرياتي الكثيرة الجميلة بها ، إذ قضيت بها أكثر من عشرين عاما وبها رزقت بكل أولادي وبناتي إلا أحمد أكبرهم الذي ولد في مدينة درنه .
وبها بحكم عملي ومسؤولياتي الوظيفية التي تنامت مع السنين وكبرت وازدادت ثقلا على كاهلي منذ انطلاق وزارة الأنباء والإرشاد التي سميت بعد وزارة ثم أمانة الإعلام والثقافة منذ أن كانت في أوائل أيامها وعدد موظفيها وفنييها الذي لا يتجاوز أصابع اليدين تعرفت على صفوة من المثقفين والمفكرين والفنانين والمبدعين ولا زالت أصداء حوارتي ومجالسي الأدبية مع عمالقة أعلام أكن لهم كل إعزاز واحترام .
مثل شاعر الوطن الكبير أحمد رفيق المهدوي والشاعر الملهم حسن السوسي وأخي ورفيق شبابي الشاعر راشد الزبير والأديب الفذ عبد ربه الغناي والأستاذ مصطفى بن عامر والعلامة المبارك الورع محمد الصفراني والولي الصالح عبد السلام بن مفتاح والمنشد الصداح المربى عبدو عبيد والمناضل صالح بويصيـــر.
وعشرات وعشرات غيرهم ممن تشرفت بلقياهم وربما أوالى ذكرهم في صفحات قادمة إن شاء الله .
وفى هذا الخضم العلمي الزاخر النشط كتب الله تعالى لي أن ألتقي برجل من عباقرة العرب المعدودين وتنشأ بيني وبينه محبة وألفة نمت وتنامت حتى صارت صداقة متينة ضاربة الجذور مغدقة الفروع هو الشاعر العربي الكبير نزار قباني ،
القائل كأنه يصف نفسه :
نسج الثلوج عبـاءة***** لبس الزوابع معطفا
الطيب بعض حدوده ***** أتــــــــــريد ألا يُعرفا
كان رجلا متدفق البيان يحرك النظم بطواعية نادرة متميزة ورغم أنني كنت وراء دعوته رسميا إلى ليبيا وبنغازي على وجه التحديد واهتممت شخصيا باستقباله ووضع وتنفيذ برنامج زياراته وأمسياته الأدبية إلا أننا ومنذ اللحظة الأولى رمينا أثقال الرسميات والتكليفات الدبلوماسية رغم عمله طويلا سفيرا لبلاده في أكثر من دولة وراء ظهورنا وأنا أجول به على ألأقدام نزولا عند رغبته في شوارع بنغازي كأننا عشنا معا العمر كلــه. ،
كان مهتما بكل شىء يسأل عن الشارع واسمه والشجرة والمسجد والعادات والألفاظ ويعجب بكل شىء .
ورغم أنه ولد سنة 1923 م إلا أنه كان تماما كالطفل المشدوه الذي سمحت له أمه لأول مرة في عمره بأن يمشى على قدميه لوحده ، وأحيانا يستوقفنا بعض من يتعرف عليه وكعادة أبناء بنغازي الرجولة والمروءة فالترحيب والأحضان والإصرار على إكرامه هي السمة الوحيدة لهذه اللقاءات العفوية .
اتفقت معه على أمسيات شعرية وحوارات أدبية كانت الدعوة لها عامة وإن حرصت على حضور المثقفين والأدباء والشعراء وأساتذة الجامعات إضافة إلى صالون أدبي عقدناه في دار الأديب الليبي الكبير أحمد فؤاد شنيب حضره ايضا الأديب بكرى قدوره وهما من المثقفين الليبيين اللذين قضوا وقتا طويلا في الشام إبان الغزو الايطالي البغيض مما زاد في حميمية الجو وأفاض ذكريات شامية أخوية نبيلة ،
لقد كان الشعر والنوادر الأدبية وأحاديث العلم تسيل أنهارا في تلك المجالس إلى ساعات متأخرة من الليل والشاعر نزار يحلق بنا عاليا في أجوائه المبدعة .
رحمه الله فقد كان نعم الصديق وكم آسف أنه توفى في لندن فجر يوم الخميس 30 / 4 / 1998 م ودفن في بلده سوريا قبل أن يفي بوعده لي في آخر حديث بيننا بأن يزورني بأسرته إذ حالت ظروف عديدة