قراءة في مؤلف الراحل علا عيسى :اضاءات على عالم ادونيس " بقلم: شاكر فريد حسن
-----------------------------------------------------
قبل فترة وجيزة ،رحل الى عالم الخلود الشاعر والصحفي علا عيسى ،ابن بلد الشهداء كفر قاسم ،بعد صراع مرير مع المرض وهو في قمة وأوج عطائه الادبي والثقافي .
والراحل علا عيسى كان شاعراً وأديباً وباحثاً وموثقاً وصحفيا ومترجماً ،تميز بالتواضع الانساني الجم ،ولم يتقن "العلاقات العامة"ولا "التسويق الاعلامي"وبقي بعيداً عن "الشللية"و"جوقات الطبل والزمر"،ولكن رغم ذلك فرض حضوره الأدبي الواعي في الساحة الأدبية والثقافية في الداخل الفلسطيني.وقد أشغل مناصب اعلامية وعرف بدوره في تفعيل النشاط الثقافي والعمل الاعلامي في بلده والمثلث الجنوبي،ومشاركته الدائمة في مختلف المناسبات الوطنية والثقافية والجماهيرية .وتقلد منصب سكرتير تحرير صحيفة "العجمي"التي كانت تصدر في يافا،ثم في صحيفة "القنديل"و"صوت الجماهير"التي رئس تحريرها.
وصدر للراحل مجموعة من الكتب والمجامع الشعرية ،وهي "ظلال العتمة الأخيرة،مداخل الى فهم القصة،النص المجاور ومرايا النص،هي التي بعثتني رسولاً ،صباح الخير يا وطن، طائر تستهويه لبّة الشمس ،هكذا تكلم نيتشه،كفر قاسم الأحداث والأسطورة ،ديوان الشهيد،وإضاءات على عالم ادونيس".
في كتابه "اضاءات على عالم ادونيس"يلقي الراحل على عيسى الضوء على دنيا وكتابات الشاعر والناقد علي احمد سعيد المعروف بـ"ادونيس"،الذي يعتبر أحد كبار الشعراء والمنظرين للنقد والشعر العربي مؤكداً في مستهل الكتاب "أن الكتابة لدى ادونيس في تحول دائم انطلاقاً من الفلسفة القائلة بأن كل شيء ينشأ ليزول وينشأ من جديد ،وأنه في رحلته وسفره الدائم نحو تحقيق ذاته يريد الوصول الى النقطة البريتونية حيث يكون بامكانه التحرر من اليأس القاتم الذي يسيطر على شخصيته البنيوية المفعمة بتناقضات العالم ،وهناك عند تلك النقطة سينطلق نحو بناء عالم جديد في جميع المستويات السياسية والشعرية".
ويتابع عيسى حديثه عن أدونيس من خلال مؤلفه "الكتاب" فيذكر ان "التاريخ لدى ادونيس عبارة عن ذاكرة ماضي أو ذكرى على اعتبار انه جزء منه ويسكن فيه،وهو فقط في ذاكرته ولن يقبله ولا يستطيع تقبله الا في هذه الحالة أي ذاكرة أو يحوله الى ذكرى وذاكرة".
وعن الابداع واللغة في الكتاب فيرى علا "ان ما يأسرنا في كتابات ادونيس تعدد المتناقضات في مسيرته الشعرية والنقدية أيديولوجياً وفكرياً،تنظيراً وممارسة ،وانه ينفخ في رحم اللغة تفرده المستهدف قعر اللغة وسقفها في آن معاً وتنكسر الرتابة والألفاظ على بوابة العشق الأزلي لديه في كتابة من نوع آخر تخلخل المفاهيم السائدة في امكانيات اللغة وتوظيفها ومدلولاتها".
ويحدثنا علا عن حياة ادونيس فيسجل بأنه من مواليد سوريا سنة 1930،وحاصل على اجازة الفلسفة من جامعة دمشق ،وبدأ انفتاحه على الشعر العالمي في هذه المرحلة ، وفي اواسط الخمسينات هاجر الى لبنان واشتغل مدرساً في المدارس الثانوية .ويفسر لنا معنى ادونيس وهو صيغة يونانية للفظة السورية الفينيقية والكنعانية القديمة "ادوني"اي السيد أو الاله ،وفي الميثولوجيا اليونانية الكلاسيكية فان ادونيس هو معشوق افروديت الجميل.ويضيف بان ادونيس شارك في تأسيس مجلة "شعر" سنة 1957،وفي عام 1968 أسس مجلة "مواقف"التي مازالت تصدر حتى الآن،وفي عام 1973 نال شهادة الدكتوراة من جامعة القديس يوسف في بيروت عن اطروحته "الثابت والمتحول".
ويتطرق الراحل علا عيسى بعد ذلك لمجلة "شعر" التي استقطبت الكثير من الشعراء والروائيين والنقاد والكتاب العرب المرموقين ،وحملت لواء التجديد في الشعر ،وتمحورت كتاباتها في البعث والخلاص المستمد من التراث السوري القديم،وخاضت المساجلات والمعارك الفكرية والأدبية مع ادباء الواقعية الاشتراكية وهاجمت الموقف القومي المحافظ.مشيراً الى ان المجلة اغلقت سنة 1964 بعد انفصال ادونيس عنها حيث دب الخلاف في صفوفها وعادت الى الصدور من جديد سنة 1967 بهيئة تحريرها السابقة المكونة من :"يوسف الخال،فؤاد رفقه،شوقي ابي شقرا،عصام محفوظ،انسي الحاج ،ورياض الريس".ثم يعرض الى مجلة "مواقف"التي اسسها ادونيس سنة 1968،واستوحى اسمها من كتاب للصوفي النفري ،التي فتحت ابوابها لجميع التيارات القومية واليمينية واليسارية والدينية.
ويتوقف عند المصادر التي تأثر بها ادونيس فيرى ان الطابع الغالب على شعره في الفترة الأولى هو تأثره بالحضارة السورية القديمة ـ الفينيقية . وفي الفترة الثانية توجه الى التراث العربي وتوظيف التراث ،وفي كتاباته اللاحقة تأثر بالفكر الصوفي ثم يستعرض بعض الجوانب الفلسفية والفكرية عند ادونيس ويقارنها ببعض كتابات الفلاسفة أو الأدباء العالميين.
ويجري علا عيسى مقارنة بين ادونيس وبين المرحوم محمود امين العالم ،اكبر نقاد الاشتراكية في الوطن العربي مؤكداً على انه مع كون العالم ملتزماً بايديولوجية معينة الا انه يقترب بالكثير من الآراء والأفكار بادونيس بما يتعلق بتعريف الابداع الادبي وقضية الشكل والمضمون في العمل الادبي .كما يتصدى للانتقادات الموجهة من قبل القوميين العرب واتهامه بالانعزالية موضحاً ان ادونيس لم يفصل نفسه عن الواقع العربي وهمومه ،فهموم الانسان العربي وآلامه وطموحاته هي هموم وآلام وطموحات ادونيس ،الذي ينطلق في معالجته لقضايا المجتمع من رؤية ابداعية حرة تعتمد على الحرية دون الانطلاق من الجماعة.
وفي باب "ادونيس وجناية الرواد" يشير علا عيسى الى ان ادونيس احدث هو وجماعته هزة في الرؤية النقدية وفي الشعر،وهذه الهزة مدمرة وقوضت مساحات من البناء الفني والفكري ،وكان له اثر سلبي على الحركة الشعرية ،وكثير من الأصوات بدأت تقلد صوته وشعره ونقده حتى اصبح صاحب مذهب يسمى الأدنة أو الادونيسية.
ويتعرض الراحل عيسى لقضية الغموض في كتابات ادونيس الشعرية مبيناً ان الغموض عنده ضرورة فنية من الدرجة الأولى ويريد الشعر كالمرأة التي كان بها رغبة.
كذلك يقدم قراءة تحليلية ونقدية لقصيدة "الفراغ" التي كتبت في فترة اودع فيها ادونيس السجن لمدة عام ،معلناً ان القصيدة سياسية ـ اجتماعية تدور حول اوضاع الأمة العربية، وتتضمن موقفاً نضالياً رافضاً لكل ما هو قائم على غرار الرفض الومنتيكي. ثم يتناول الصراع بين القديم والجديد في الأدب ومحاور الاختلاف بين انصار القديم والجديد ،والأصالة والتجديد،والحركة النقدية وأزمة الشعر والنقد ،ويوضح بأننا نعيش واقعاً اجتماعياً وسياسياً له خصوصياته لذلك علينا التعامل معه وفقاً لتلك الخصوصيات ومن الطبيعي في مثل هذه الظروف حدوث أزمة على جميع المستويات ونكوص في الفكر والابداع.
وينهي كتابه برصد لمؤلفات ادونيس وشهادات عنه مأخوذة من الكتاب الوثائقي الذي اصدره معهد العالم العربي في باريس.
وفي النهاية ،فان هذه الدراسة للراحل علا عيسى تشكل اضافة نقدية ونوعية تثري ادبنا ،باعتبارها مرجعية ادبية عن واحد من ابرز المبدعين في العالم العربي. ورحمة الله على علا الذي "اجتاز الجسور الى عالم في الطرف الآخر".