كل الأنظمة بريئة تحارب’الإرهاب’…
سهيل كيوان
January 29, 2014
أينما ولّيت وجهك، تجد أنظمة تحارب ما تسميه ‘الإرهاب’. قيادة مصر الحالية اختصرت المفاوضات الداخلية، وأخرجت أكبر تنظيم سياسي في مصر عن القانون واتهمته بالإرهاب واتهمت حماس بالتآمر وحتى بالتخطيط لاستيطان القاهرة، على أمل في لفلفة قضيـــــة الإنقلاب بسرعة، وتشارك إسرائيل في حصار قطاع غزة، والمشير السيسي يزعم بأنه وريث جمال عبد الناصر،ولكن أنصاره الإعلاميون بدأوا بنتف ريش حمدين صباحي ‘الناصري’ بمجرد تلميحه بأنه ينوي ترشيح نفسه، وكأنه ارتكب إثمًا عظيمًا.
النظام السوري يحاصر الناس، يقتل ويجوّع ويسجن ويعذب حتى الموت ويستخدم الكيميائي ويدمر المدن وكل هذا الإرهاب يمارس تحت مسمى محاربة ‘الإرهاب’!
محمود عباس وقبل أن يحصل على الدولة اصطف إلى جانب من يحاربون ‘الإرهاب’، بل أن هذا شرط من شروط بقائه في السلطة كمفاوض، وهو ينسّق أمنيًا مع الإحتلال ضد ‘الإرهاب’، بينما يقوم المستوطنون يوميًا بالإعتداء على مواطنيه الفلسطينيين، ولا يعتبر هذا إرهابًا بل مجرد (تجاوزات قانونية)، وهو ينسق أمنيًا مع الإحتلال ويقول بأنه لا يريد من العالم مقاطعة إسرائيل ولا يريد أي نوع من المقاومة، ثم يطالب الإحتلال بالإنسحاب من الضفة الغربية ومنحه القدس عاصمة لدولته (مكافأة مثلا)، هذا في الوقت الذي تهدم إسرائيل بيوت العرب في القدس والأغوار وتشرّد وتدمّر عائلات، وتهدد آلاف الأسر بالهدم والتشريد، وصار يليق بها اسم (دولة الجرّافة)، بجرافة تهدم للعرب وبجرافة توسع المستوطنات، وتعتقل الناس على الشبهة وتذل الآلاف على الحواجز يوميًا، بينما تعتبر إلقاء حجر على مستوطن عملية إرهابية تكفي ذريعة لنتنياهو للإنسحاب من المفاوضات والتهديد بالرد العنيف.
الأمر يتعلق بالعين التي تنظر، وبالحَكَم وبصنف الدم الذي يسيل، هل هـــو أزرق أم أحمر أم أخضر أم أسود أم فوق بنفسجي.
مقاومة ظلم السلطة أينما كانت في سوريا ومصر والعراق وإيران والسعودية وإسرائيل وغيرها تعتبر ‘إرهابًا’، وغالبًا ما تصل عقوبتها الموت الميداني أو السجن طويل الأمد، ولكن المنطق يقول إن مقاومة الظلم والإحتلال واجب أخلاقي ووطني وإنساني وديني، إذاً عليك أن تكون مقاومًا دون أن تقع في فخ ‘الإرهاب’، ولكن ما هو الحد الفاصل بين ‘الإرهاب’ والمقاومة!هذا يتعلق أين تقف وإلى جانب من! وماذا تملك من ثروات نفطية أو غير نفطية! ويتعلق بالعين التي ترى، هل هي عين لاجئ مشرّد في مخيم، أم عين مستوطن أم عين فلاح تُنهب أرضه وتقطع أشجاره، أم عين منتظر على حاجز عسكري ساعات من الذل، أم عين مقيم في فيلا كالقصر، أم عين متفرّج محايد على الفيسبوك، أم عين تاجر سلاح، أم عين سجين سياسي أم عين من فقد أسرته وأبناءه وأملاكه أم عين من انتُهك عرضه.
في الواقع نتنياهو لا يفاوض عباس بل يفاوض كيري وجهات أخرى من الأحزاب الأكثر تطرفًا في حكومته، مثل البيت اليهودي وإسرائيل بيتنا ومعارضيه من داخل حزبه، ولا يأخذ محمود عباس وفريقه المفاوض على محمل الجد، فهو يستطيع أن يختلق في أي لحظة يشاء ذريعة تبطل المفاوضات، وتسد الطريق بوجه أي اتفاق محتمل، طالب إبتدائي فلسطيني هارب من المدرسة يلقي حجرًا باتجاه مستوطن يكفي لإتهام عباس بعدم الجدية في محاربة الإرهاب، ومن ثم بأنه لا يصلح كشريك ‘للسلام’، نتنياهو يفاوض عباس فقط على صك استسلام، والمشكلة أنه لم يترك شيئًا لعباس حتى قلم الحبر والورقة التي يريده أن يوقع عليها.
أما وفد الحكومة السورية في (جنيف 2) فهو لا يفاوض المعارضة السورية، بل جاء ليفاوض القوى الدولية بدعم روسي، جاء ليستجديها ويحرّضها ويطلب دعمها ووقوفها إلى جانبه لمحاربة من يسميهم ‘الإرهابيين’، ولكن مشكلة النظام أنه وضع في خانة الإرهاب والتآمر كل من اعترض على حكم بشّار، وخلط مع سبق الإصرار بين الثورة والإرهاب.
إذن هي ورقة مشتركة بين أنظمة كلها بريئة ولكنها تحارب الإرهاب.
عمليا لا توجد مفاوضات، ولكنها محاولة لتحميل المسؤولية للضحية، مسؤولية ما يجري في فلسطين وفي سورية وفي مصر وغيرها.
نتنياهو يلصق بعبّاس تهمة عدم الجدّية بمحاربة ‘الإرهاب’، وبين فترة وأخرى ‘يعمل معروفًا’ فيوافق على بعض التسهيلات على حاجز هنا وآخر هناك، وإدخال شاحنة إسمنت إلى غزة أو بضعة آلاف من ليترات الوقود، ثم يرمى مقترحاته الإعجازية عن يهودية الدولة أو استئجار الأرض التي أقيمت عليها المستوطنات، وتارة عن استيعاب المستوطنين في دولة فلسطين التي لا يتخيل نتيناهو نفسه بأنها قد تقوم، وكله لف ودوران لتثبيت الإحتلال وتوسيعه.
كذلك المفاوض السوري باسم النظام وبعد ثلاث سنوات من الولوغ في دم الشعب السوري، يلف ويدور لإبقاء النظام على حاله بقيادة الزعيم الأبدي، مع التشديد على محاربة ‘الإرهاب’، ولكنه قد يقبل بالتفاوض على فتح طريق هنا وآخر هناك لإدخال بعض الغذاء والدواء للمناطق المحاصرة كي لا يُتهم بارتكاب جرائم حرب، حسب ما صرح به بعض المسؤولين الغربيين، فما ارتكبه حتى الآن لم يرتق بعد إلى مصاف جرائم الحرب، ويبدو أن جريمة الحرب تختلف أيضًا بحسب لون الدم وهوية الضحية.