أبو مازن شريك ضعيف/قوي
صحف عبرية
February 11, 2014
ستة وثلاثون (او ربما سبعة وثلاثون) مرة التقى ايهود اولمرت بصفته رئيس الوزراء بمحمود عباس، ولم ينجح في الوصول معه الى اتفاق. هذا لم يمنعه من أن يقول في مقابلة شاملة مع القناة 2 يوم الجمعة الماضي انه واثق من أن ابو مازن هو شريك للاتفاق. لقد كان اولمرت ولا يزال بلا ريب تواقا للسلام وبالتأكيد فانه ليس بريئا أو ساذجا. وعليه، فمطلوب قدر كبير من الوقاحة، و/أو الاستخفاف بذكاء الجمهور من أجل الادعاء، بعد كل ما رواه (وكذا ما لم يروه)، بان ما لم ينجح في تحقيقه في 36 (أو ربما 37) لقاء، يمكن تحقيقه في المستقبل.
لقد جاءت تصريحات اولمرت كملحق لبرنامج شامل أجرته القناة 2 عن ابو مازن، اجريت فيه مقابلات مع مسؤولين اسرائيليين كبار (من يوسي بيلين وحتى آفي ديختر) ممن يعرفون الرجل من لقاءاتهم به. وكما يمكن أن نتوقع، فقد قالوا عنه الامر ونقيضه: انه زعيم قوي/ضعيف، انه يريد الاتفاق/ يضلل فقط. هذه الانطباعات الاسرائيلية، والتي كلها بالطبع مدموغة بدمغ المواقف السياسية والمصالح لمن يقولها، ليست هامة حقا. المهم هو ليس ما يعتقده هذا الاسرائيلي أو ذاك عن ابو مازن، بل كيف عمل ابو مازن في اتصالاته مع محادثيه الاسرائيليين. فحصا كهذا لخطواته يبين بالذات بعض المقومات الهامة.
لقد أوضحت تصريحات اولمرت بلا شك بانه كان مستعدا لان يتقدم خطوات نحو الفلسطينيين أكثر من أي زعيم اسرائيلي آخر بما في ذلك مسائل مثل القدس، غور الاردن، تبادل الاراضي، اخلاء نحو 70 الف مستوطن وكذا بادرات طيبة انسانية تسمح بعودة 5 الاف لاجيء (او انسالهم) الى دولة اسرائيل. وقد نبع هذا الاستعداد من ايمانه الشديد بالحاجة الى تنازل أليم من جانب اسرائيل، وعلى خلفية ماضيه السياسي يمكن فقط تقدير تصميمه وشجاعة روحه.
ولكن ما الذي خرج من كل هذا؟ عندما حاول اولمرت اجمال عشرات المحادثات وعرض على ابو مازن التوقيع على وثيقة (أولية، كما ينبغي الافتراض)، رفض الزعيم الفلسطيني. تفسير اولمرت وكأن ابو مازن لم يرد بالايجاب ولكن ايضا ليس بالسلب، سخيف: في رفضه التوقيع على الوثيقة، ابو مازن قال ‘لا’. واولمر لم يقل ماذا أجابه ابو مازن على عرضه استيعاب 5 الاف لاجيء في اسرائيل، ولكنه شرح للمذيع الذي أجرى اللقاء معه ان الزعيم الفلسطيني أفهمه بانه عندما يتفق على كل الامور الاخرى سيعمل ما يمكن عمله في هذا الموضوع ايضا.
لاولمرت تجربة أكبر من تجربتي في المفاوضات، ولكن ما أفهمه من هذا الوصف هو أمر بسيط: ابو مازن لم يكن مستعدا للتعهد بشيء ولكنه دفع اولمرت لان يقدم تنازلات بعيدة الاثر، بما في ذلك صياغات خطية وعندها أوقف المفاوضات. ينبغي الافتراض بانه اذا ما استؤنفت المفاوضات سيدعي الفلسطينيون بانه يجب بدؤها من المكان التي توقفت فيه. بمعنى، نقطة المنطلق ستكون المواقف الاسرائيلية مثلما وجدت تعبيرها في اقتراحات اولمرت السخية، بينما بالمقابل لم يتم اي تنازل. اذا كانت هذه هي نتيجة 36 (او 37) لقاء فلا يمكن الادعاء بان كل ما كانت الحاجة اليه هو فقط ‘وقت قصير آخر.
‘من يعتقد بان هذا التفسير ليس صحيحا، ينبغي ان يتذكر ما حصل في العام 1995 في المباحثات بين يوسي بيلين وأبو مازن. صحيح ان بيلين في حديثه من القناة 2 يوم الجمعة، ذكر حقيقة أن ابو مازن لم يوقع على الورقة التي صاغها فقط بالصدفة. ولكن يدور الحديث عن ظروف مشابهة جدا لتلك التي سادت في المفاوضات بين ابو مازن واولمرت: في العام 1995 طلب الطرف الاسرائيلي ايضا ان تطرح الامور على الورق والوصول الى اتفاق وعندها ايضا رفض ابو مازن التوقيع. لم يكن ابدا ‘اتفاق بيلين ابو مازن’: كانت فقط ورقة تنازلات اسرائيلية.
كان الرئيس الأمريكي بيل كلينتون هو من وقف على هذه الطريقة في كامب ديفيد. ففي مرحلة معينة فقد صبره وقال لياسر عرفات: ‘حتى الان رفضتم كل ما عرض عليكم فهلا تقدمت بعرض من طرفك؟’ وكما يذكر، فإن عرضاً فلسطينياً كهذا لم يوضع ابدا على طاولة المباحثات.
وفضلا عن الدعاية والانتقاد على اسرائيل، لم يرسم الفلسطينيون ابدا صورة الاتفاق باستثناء، بالطبع في الموضوع الاقليمي. وبالذات في المواضيع الهامة لاسرائيل التنازل عن حق العودة، الاعتراف بهذا الشكل أو ذاك باسرائيل كدولة القومية اليهودية قالت القيادة الفلسطينية قولها بشكل لا لبس فيه. ومع أن ابو مازن قال انه بشكل شخصي ليس في رغبته العودة الى صفد، ولكنه أعلن بان الفلسطينيين لا يمكنهم ان يتخلوا عن حق العودة وذلك لان ‘هذا حق فردي’. اما المطلب في الاعتراف باسرائيل كدولة القومية اليهودية فلم ينل من جانب ابو مازن وصائب عريقات الا وابل من الغضب الذي في أساسه الموقف الفلسطيني في أن اليهود ليسوا سوى طائفة دينية.
لرفض ابو مازن التوقيع على اي وثيقة سواء مع اولمرت أم مع بيلين معنى واضح: وهو أنه شريك في محادثات السلام ولكنه شريك فائق لمحادثات هدفها انتزاع المزيد فالمزيد من التنازلات من اسرائيل، وطرحها على الورق وعندها، لهذه المبررات او تلك، رفض التوقيع على المسودة وانهاء المحادثات، وذلك من أجل بدئها من جديد في المستقبل، في المكان الذي توقفت عنده: ‘اي في ظل ادراج التنازلات الاسرائيلية التي لا يوجد لها موازٍ في الطرف الفلسطيني.
قول كلمة طيبة عن ايهود باراك يعتبر هذه الايام في دوائر معينة في اسرائيل بمثابة الكفر، ولكن باراك استخلص الاستنتاج السليم من سلوك الفلسطينيين. ثمة دلائل على أن باراك ذهب الى كامب ديفد عام 2000 انطلاقا من ايمان صادق بان موافقته على تنازلات بعيدة المدى، تعرض مكانته السياسية للخطر، ستعطي ثمارها. ولكن عندما تبين له بان كل ما يستعد الطرف الفلسطيني لاعطائه هو مفاوضات تنتزع المزيد فالمزيد من التنازلات الاسرائيلية، دون أي استعداد فلسطيني لتقديم تعهد ما من طرفهم فقد استخلص الاستنتاج السليم: لا توجد الان فرصة لاتفاق شامل.
يمكن لنا أن نفهم اولمرت وبيلين: شيء طبيعي وانساني أن مديري المفاوضات يقعون في حب المسيرة التي يتماثلون معها ويريدون بكل بواطن نفوسهم أن تنجح. ولكن هذا يمنعهم من أن يروا متى يتم خداعهم. ولكن ما لا يمكنهم أنفسهم او لا يريدون ان يروه، يمكن لكل مراقب نزيه أن يراه حتى وان كان هذا صعبا وليس مريحا له (وعلى سبيل الاعتراف: هذا صعب عليّ جدا كنت افضل أن اصدق تفاؤل اولمرت وبيلين، باستثناء أنه لا يوجد ما يمكن الاستناد اليه.
اذا ما تبين بالفعل بان المفاوضات الحالية ايضا تتطور بطريقة مشابهة، يتعين على اسرائيل أن تعد خطة بديلة، بديلا عن الاتفاق الشامل.
سيتعين عليها أن تطرح اقتراحا جديا لاتفاقات مرحلية او لاتفاقات جزئية وخطوات احادية الجانب، وكبح جماح كل خطط استمرار البناء في المناطق والاعتراف بانه حتى في ظل انعدام الاتفاق النهائي، لا يزال الطريق مفتوحا لخطوات وان كانت ليست شاملة او تنهي النزاع الا ان بوسعها أن تلطفه، تقلص نقاط الخلاف والاحتكاك بين الطرفين، تعويدهما على أن يريا الواحد الاخر بعيون اقل عدائية وتوقع تغيير قيم هامة ليس فقط في اسرائيل، بل وايضا لدى قيادة التيار المركزي في الحركة الوطنية الفلسطينية. هكذا يحصل في قبرص، في كوسفو وفي البوسنا. يحتمل أنيكون هذا هو الامر الوحيد الممكن في هذه اللحظة عندنا.
شلومو افينري
هآرتس 2/2014