اغتيال المبحوح ونجاح إسرائيل في تدعيم مسلسلات فشلها
بوفلجة غيات
2/26/2010
تمكنت إسرائيل من اغتيال أحد مؤسسي فصائل عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، وهو الشهيد محمود المبحوح، الذي كان أحد قادتها ودعائمها الأساسية. وقد فرح القادة الإسرائيليون، كما فرح بعض قادة العرب الذين يحاصرون كل نشاط مقاوم يخرج عن هيمنتهم وسلطتهم.
إلا أن إسرائيل تعرف خلال السنوات الأخيرة تراجعا في إنجازاتها العسكرية والسياسية، في كلّ صورها، ولم يبق لها إلا الهدم والتحطيم والقتل، في وقت تفشل في تحقيق أهدافها الإستراتيجية في ردع العرب جيوشا وساسة وشعوبا، وهو ما فشلت في تحقيقه. فمنذ انسحاب إسرائيل تحت جنح الظلام من لبنان سنة 2000، لم تحقق أي انتصار بيّن على المقاومة.
وهكذا فشلت إسرائيل في حربها على لبنان سنة 2006، رغم ما ألحقته بالأرض من دمار وخراب. كما فشلت في حربها مع قطاع غزة المحاصر، رغم ما ألحقته بالمدنيين العزل المحاصرين من خسائر مادية وبشرية. مع ذلك لم تجن إسرائيل من وراء ذلك أي فوائد إستراتيجية تساهم في تحقيق أمنها واستقرارها. فما أنجزته هو أنها تقدمت لمسافات محدودة داخل لبنان، وداخل قطاع غزة، اضطرت إلى التراجع عنها تحت ضربات المقاومة الشرسة وضغوط الرأي العام الدولي.
كما أن نتيجة تلك الحروب، كانت بداية تغيّر الرأي العام الغربي وإدراكه لحقيقة إسرائيل الإرهابية. وما ساعد على إظهار هذه الحقيقة، توسّع تكنولوجيا الصورة وانتشار وتعدد قنوات البث الفضائي، العربية والدولية، إلى درجة أصبح من غير الممكن مراقبتها والتحكم فيما تبثه من صور وأخبار. كما أن استعمال إسرائيل، المفرط للقوة في وجه المدنيين، أدى إلى خسارة أصدقائها القلائل في المنطقة ومنها تركيا تحت قيادة طيب رجب أردوغان. وقد أصبح القادة الإسرائيليون، العسكريون والسياسيون يتجنبون دخول كثير من الدول خوفا من ملاحقتهم قضائيا بها، وهي ظاهرة جديدة لم تعرفها إسرائيل سابقا رغم ما ارتكبته من مجازر في حق الشعب الفلسطيني.
وها هي إسرائيل اليوم، تنجح مرّة أخرى في اغتيال الشهيد محمود البحبوح، مستعملة كعادتها قوة بشرية فاقت عشرة أفراد، قدموا من دول ومناطق مختلفة بجوازات سفر مزورة، لاغتيال مواطن فلسطيني أعزل في غرفته، وهو مجرّد من السلاح ومن الحماية. كان بالإمكان اعتبار ذلك نجاحا للموساد الإسرائيلي، لولا تهاطل صور وأخبار من دبي تكشف حقيقة ما جرى. حيث بدأت وسائل الإعلام الدولية في بث صور وأخبار الجناة وتفاصيل تحركاتهم، وهو ما أربك الحكومة الإسرائيلية وساستها وقادتها العسكريين.
وهكذا اضطرت الجهات الرسمية والعسكرية الإسرائيلية إلى نفي مسؤوليتها عن العملية الإرهابية. مع ذلك قامت الدول الأوروبية، التي استعملت جوازات سفرها في العملية، بدعوة سفراء إسرائيل من أجل الإستفسار عما حدث، وتعرضت بذلك لكثير من الإنتقاد. ليس المهم انتقاد إسرائيل من طرف الدول الغربية المؤيدة لها، بل ان الشيء المهم هو تحوّل الرأي العام الدولي ضدها بسبب افتضاح ممارساتها الإرهابية. وسوف يأتي يوم تجد إسرائيل نفسها منعزلة، يصعب على حلفائها الدفاع عن جرائمها الإرهابية الجبانة، ذلك أنها أصبحت عبئا على الدول الغربية التي تدعمها وتقف بجانبها.
وهكذا مات محمود المبحوح شهيدا، وسيخلفه العشرات مما تنجبه أرحام هذه الأمة المعطاءة، إلا أن العملية أدّت إلى زيادة انحطاط مكانة إسرائيل وانكشاف حقيقة وجهها البشع.
وبالتالي فإن قمنا بتقييم العملية الأخيرة من حيث الربح والخسارة، نجد أنها أضرت إسرائيل أكثر مما نفعتها. وإن هي حققت هدفها في الاغتيال، إلا أنها اضطرّت إلى دفع ثمن باهظ من حيث سمعتها وصورتها عند الرأي العام الدولي. وأنا متأكد لو كانت إسرائيل تعرف حجم الثمن الذي ستدفعه لما أقدمت على العملية.
من هنا يتبين لنا تحقق مقولة الشيخ حسن نصر الله، ان عهد الهزائم قد ولى، وان ثقوب نفوذ إسرائيل وتفوقها تغلق الواحدة تلو الأخرى. ولن يبقى لها مستقبل إلا التفكير الجدي في السلام والقبول باستحقاقاته، أو أنها تخضع لسنّة الكون، باعتبارها كيانا مصطنعا غير مرغوب فيه في المنطقة العربية، ويبقى مآله الزوال طال الزمان أو قصر.
وهكذا نستنتج أن نجاح إسرائيل في اغتيال الشهيد محمود المبحوح، كانت له نتائج عكسية، إذ أنه ساهم في تدعيم مسلسلات فشلها.
' كاتب من الجزائر