مثلما كان متوقعا، وافقت اللجنة الوزارية العربية المكلفة بمتابعة مبادرة السلام العربية، على اقتراح امريكي بعقد مباحثات سلام غير مباشرة بين الفلسطينيين والاسرائيليين، وقررت سقفا زمنيا مدته اربعة اشهر لهذه المباحثات.
قليلون الذين سمعوا بهذه اللجنة، وقليلون ايضا الذين ما زالوا يتذكرون مبادرة السلام العربية التي صدرت قبل سبع سنوات ولم تقابل من قبل الاسرائيليين والامريكان بغير التجاهل والاحتقار.
الادارة الامريكية تمارس ضغوطا غير عادية على الرئيس الفلسطيني محمود عباس من اجل العودة الى المفاوضات مجددا، ومن ضمنها التلويح بوقف المساعدات المالية الى السلطة، وتوجيه بعض الدول العربية، وخاصة مصر والاردن، للقيام بجهود لحثه، اي الرئيس عباس، للتخلي عن قراره مقاطعة المفاوضات قبل تجميد كامل للاستيطان الاسرائيلي في الاراضي المحتلة، وفي مقدمتها القدس.
الرئيس عباس لم يتمسك كثيرا بمواقفه التي رحب بها الكثيرون، ونحن منهم في هذه الجريدة، وبدأ يتراجع عنها بشكل تدريجي، حرصا على سلطته، وتدفق المساعدات الامريكية والعربية عليها.
اللجوء الى لجنة ميتة، تمثل مبادرة متعفنة، هو محاولة مكشوفة لتغطية هذا التراجع، تحت ذريعة العودة الى المفاوضات بقرار عربي، ولاثبات حسن النوايا العربية، واحراج الطرف الاسرائيلي.
ستون عاما ونحن نقدم مبادرة تلو المبادرة، وتنازلا تلو التنازل لاحراج اسرائيل من خلال اثبات نوايانا الطيبة كعرب تجاه السلام امام المجتمع الدولي، والادارة الامريكية على وجه الخصوص وجاءت النتائج كارثية، اي المزيد من المستوطنات والمجازر والاعتداءات الاسرائيلية.
فاذا كان الرئيس عباس والمدرسة التي يمثلها فشلت على مدى ثلاثين عاما على الاقل في تحقيق اي تقدم ولو بسيط على صعيد المفاوضات، فهل يمكن ان تنجح المفاوضات غير المباشرة هذه، فيما عجزت عنه كل المفاوضات المباشرة السابقة؟
اكثر من عشرين اجتماعا مباشرا عقدها الرئيس عباس مع ايهود اولمرت رئيس الوزراء السابق الذي كان يرأس حكومة معتدلة ولم ينجح في تفكيك حاجز واحد من ستمئة حاجز في الضفة الغربية، ناهيك عن مستوطنة واحدة، فهل ينجح الرئيس عباس فيما فشل فيه مع بنيامين نتنياهو وافيغدور ليبرمان وحكومتهما المتطرفة!
الرئيس عباس بذهابه الى المفاوضات انما يعمل على تجميل وجه حكومة نتنياهو العنصري البشع، ويظهرها بمظهر الحكومة المعتدلة الحريصة على السلام في الوقت الذي تواجه فيه اسرائيل كراهية عالمية متنامية بسبب جرائم الحرب التي ارتكبتها في قطاع غزة وفق تقرير غولدستون، واقدامها على اغتيال الشهيد محمود المبحوح في دولة عربية مسالمة (الامارات) واستخدام جوازات اكثر من ست دول اوروبية، علاوة على استراليا لتنفيذ هذه الجريمة الارهابية.
والاخطر من ذلك كله، ان الرئيس عباس يوفر هذا الغطاء لاسرائيل بعودته الى مائدة المفاوضات غير المباشرة في الوقت الذي تمارس التهويد علنا ورسميا للمعالم الاسلامية، مثل الحرم الابراهيمي ومسجد بلال بن رباح، تمهيدا لاكمال تهويد القدس والمسجد الاقصى.
لا نعتقد ان الرئيس الفلسطيني يملك الغطاء الشرعي الكافي في ظل انتهاء فترته الرئاسية والانقسام الكبير في أوساط الشعب الفلسطيني، وانتهاء صلاحية المجلس التشريعي الفلسطيني المنتخب، لكي يتفاوض أو يوقع اتفاقيات تقرر مصير الشعب الفلسطيني أو يتمكن من تسويقها حتى لو كان الاسرائيليون كرماء معه، وهو ما نشك فيه، وهو كرم لا يمكن أن نتوقعه من الحكومة، مثلما لم نتوقعه من حكومات سابقة كانت توصف بأنها أكثر اعتدالا.