مخطط صهيوني خطير ينفذ على مراحل
سمير جبور
3/4/2010
إنشغلت الأدبيات العربية دائما وأبدا في استقراء الأهداف الصهيونية في المنطقة العربية محاولة إستنباط الهدف النهائي للصهيونية. ولم يكن هناك جزم قاطع بأن الحركة الصهيونية هي حركة واحدة ولها مخطط واحد وبرنامج واحد وآيديولوجية واحدة وأطماع واحدة غير محدودة. على الرغم من بروز تيارات وأحزاب ذات توجهات متباينة ظاهريا، فانها كلها تتمسك ببرنامج واحد كما أثبتت - ولا تزال - ممارساتها الفعلية على الأرض.
ومنذ قرن من الزمن والحركة الصهيونية تحاول خداع البشر بزعمها ان هناك 'تيار الحد الادنى' الذي يكتفي بالسيطرة على جزء من فلسطين التاريخية مثل 'مشروع آلون'، الذي وضعته الحركة العمالية في اعقاب عدوان 1967، والذي يقضي بضم المناطق غير المكتظة بالسكان الى اسرائيل، ولكنها لم تكن جادة ابدا في الانسحاب من أي جزء من تلك الأراضي. وحتى عندما وافق اسحاق رابين في اعقاب اوسلو على اقامة دولة فلسطينية، كان يعتبر ان هذا حلا مرحليا سينتهي في النهاية الى ترحيل العرب، واستكمال السيطرة الصهيونية على فلسطين بأسرها، إلاّ أن 'اليمين' الصهيوني لم يسمح له بممارسة هذه اللعبة ، فقرر اغتياله واستغلال نتائج اوسلو لضرب الحركة الوطنية والمقاومة الفلسطينية وإحداث الانشقاق الرهيب في صفوفها، كما نشاهد اليوم، وما بدأه نتنياهو في سنة 1996 عندما ترأس الحكومة الأسرائيلية (حفريات المسجد الأقصى ومصادرة اراضي ابو غنيم التي اقيمت عليها مستعمرة ونشوب الأنتفاضة الثانية ) انما يستكمله الآن .
ثم ان ما يسمى 'تيارالحد ألأقصى ' الذي تمثله أحزاب اليمين بكل تناسخاتها الدينية و' القومية ' هي التي تعبر عن حقيقة المشروع الصهيوني في المنطقة العربية بصراحة . فالأحزاب التي تعبّر بالفعل عن الأهداف الصهيونية الحقيقية في المنطقة العربية هي احزاب اليمين. فهذه الاحزاب، الحاكمة الآن، رفعت شعارا تاريخيا: 'لنهر الاردن ضفتان'. أي إقامة اسرائيل الكبرى على أراضي فلسطين التاريخية وشرق الاردن. الا انها اخذت تتراجع عن هذا الهدف لتستبدله بإقامة دولة فلسطينية في الارد ن، واستكمال السيطرة الصهيونية الكاملة على اراضي فلسطين التاريخية .
ومنذ 'الانقلاب' اليميني بعد اندحار الأحزاب العمالية وفي سنة 1977، عندما ترأس مناحيم بيغن اول حكومة يمينية في تاريخ اسرائيل، واحزاب اليمين بتحالفاتها المختلفة تعمل على تحقيق هذا الهدف. وحتى عندما وقعت حكومة بيغن على معاهدة 'سلام' مع مصر، أراد إخراج مصر من دائرة النزاع لكي ينطلق الى السيطرة على فلسطين كلها، رافضا الأعتراف بالحقوق الفلسطينية اولا، وأغراق مصر في متاهات السلام المزيّف لاضعافها وربطها بالمشروع الاستعماري الامبراطوري ووضعها تحت رحمة المساعدات الامريكية التي يتحكم بها اللوبي الصهيوني ثانيا، كما يحدث الآن.
مخطط خطير يعكس ما يجري على الارض الآن
لقد لفت انتباهي مؤخرا وثيقة مهمة نشرت باللغة العبرية على موقع الأنترنيت* تحمل عنوان
' المخطط ألأقليمي للسلام'
'في اعقاب الحرب على العراق: فرصة تاريخية لحل إقليمي
للنزاع الأسرائيلي - الفلسطيني'
وضعها الحاخام بيني إيلون الذي ترأس حزب 'موليدت' (الوطن)، احد الاحزاب الشوفينية، وعمل وزيرا للسياحة ، ونشرها في العام 2003. وهي بمثابة مشروع متكامل وصريح. ولا يمكن القول ان إيلون هذا جلس وراء مكتبه ووضع هذا المخطط الذي تبلغ صفحاته 17 صفحة مدونا التفاصيل الدقيقة للمشروع، بل أخرجه من الارشيفات الصهيونية. وعلى الرغم من ان هذا المخطط وضع قبل سبعة أعوام واغفلته وسائل الأعلام العربية والاجنبية، ربما لانه يمثل 'حزبا صغيرا'. بيد ان الخوض في تفاصيل هذا المخطط ومراحله يؤدي الى استنتاج ان هذه الوثيقة هي البرنامج الصهيوني الحقيقي للسيطرة على فلسطين باسرها، واقامة دولة صرف يهودية بعد ترحيل السكان الفلسطينيين الأصليين سواء المقيمين في داخل اسرائيل او في المناطق المحتلة. كما يعلن الوزير العنصري أفيغدور ليبرمان وكما اعلنت في السابق تسيبي ليفني زعيمة حزب 'كاديما'. ومشاريع الترحيل موجودة في خزائن جميع الاحزاب الصهيونية بكل مشاربها.
ويقول إيلون في مقدّمة المخطط ان الحرب على العراق وفرت الفرصة لتحقيق المشروع الصهيوني مما يدل على ضلوع الحركة الصهيونية في شن الحرب على العراق للأنطلاق نحو تصفية القضية الفلسطينية، فكتب يقول :
'بعد الارتجاج الذي أحدثه الانتصار الأمريكي في العراق، نشأ التزام أمريكي بصهر قيم الديمقراطية في الشرق الاوسط، وإنشاء خريطة سياسية جديدة.. فهذه فرصة تاريخية لإشراك الدول العربية في حل المشكلة الفلسطينية وحشد الدعم والتمويل الدوليين لهذا الغرض'.
ويكشف ايلون النقاب عن تصميم اسرائيل على الحؤول دون قيام دولة فلسطينية :
'إن المخطط الاقليمي للسلام يقترح خريطة جديدة وبسيطة، حيث يكون نهر الاردن فيها فاصلا بين الدولة القومية اليهودية (من الغرب منه) وبين الدولة القومية الفلسطينية (من الشرق منه). وسوف يكون سكان يهودا والسامرة وقطاع غزة العرب مواطني الدولة الفلسطينية التي ستكون عاصمتها عمّان'.
ويعرض ايلون بعض عناصر الحل مستخدما عبارات تمويهية خادعة، ولكنها تعبر عن خطوات اكيدة لتثصفية القضية الفلسطينية:
'إزالة الخطر الذي يهدد وجود إسرائيل كدولة يهودية
منح تعبير قومي وحقوق كاملة لجميع الفلسطينيين
تأهيل كامل وشامل لللاجئين
تسوية دائمة وفورية لإنهاء النزاع'
وعرض المخطط ستة مراحل لتنفيذ هذه الأهداف الصهيونية :
'1- حل السلطة الفلسطينية،
2 - تصفية الارهاب،
3- تطوير الاردن كدولة قومية فلسطينية ،
4- بسط سيطرة اسرائيل على يهودا السامرة وغزة،
5- تأهيل اللاجئين وتبادل السكان كدولة قومية فلسطينية
6 - السلام والتطبيع'.
ومتى تتبعنا ممارسات الحكومة الأسرائيلية الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو وحتى الحكومات السابقة، نجد انها تطبق هذا المخطط بحذافيره. مثلا: يجري السعي الصهيوني الى حل السلطة على قدم وساق، إن بالتشكيك في شرعيتها وصلاحيتها للحكم، او باتهامها بانها تشجع 'الارهاب'. ولم يكن اغتيال المرحوم ياسرعرفات الا خطوة بارزة في هذا السبيل.
والقصد من عبارة 'تصفية الارهاب' هو القضاء على المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال بكل الوسائل السياسية والعسكرية وآخرها الحرب على غزة وعمليات الاجتياح وألأعتقالات في الضفة الغربية.
ثم أن تحويل شرق الاردن الى دولة فلسطينية لم ينزل عن جدول أعمال الحركة الصهيونية لأنها تعتبره الحل الوحيد للقضاء على اي احتمال لقيام اي نوع من السيادة الفلسطينية.
واما بالنسبة لبسط سيطرة اسرائيل على الاراضي المحتلة، فانها تطبق هذا الهدف بواسطة عمليات إلأستيطان والتهويد التي لم تتوقف على ألأطلاق.
و' تأهيل' اللاجئين يقصد منه القضاء على حق العودة وتوطينهم في الدول العربية بعد تفكيك المخيمات وهذا ما تدأب عليه اسرائيل دائما وابدا . فالاجتياحات والقصف الجوي والمدفعي للمخيمات ومحاولة القضاء على مؤسسة الأونروا تصب كلها في هذا الاتجاه.
ثم أن 'السلام والتطبيع' فالقصد منه فرض علاقات بشروط اسرائيلية على الدول العربية من اجل السيطرة على مواردها في المدى البعيد. علاوة على توثيق ربطها بالعجلة الصهيونية الغربية كما فعلوا مع مصر.
هذه هي الأهداف الحقيقية للمشروع الصهيوني، فاذا تجاهلها العرب، فانهم كمن يدفن رأسه في الرمال. واذا اراد القادة العرب وضع استراتيجية في مؤتمرهم المقبل في ليبيا، عليهم دراسة هذا المخطط بتفاصيله لكي يعرفوا اين هم سائرون.
' كاتب فلسطيني يقيم في كندا
mwww.theRightRoadtoPeace.co