في أول زيارة له لملعب فيلودروم، كان بول سكولز يجلس هادئاً في حافلة الفريق بينما كانت تسير في شوارع مارسيليا المزدحمة لمدة 40 دقيقة.
سكولز أو الفتى البني، كان يشاهد مجموعة من الفيديوهات التي تشمل العديد من اللحظات الرائعة له مع زملاؤه، وكانت تلك المقاطع مُدبلجة بالأغنية الشهيرة (أبحث عن البطل بداخلك) ولكن ذلك البحث لم يتطلب وقتٍ طويل، فذلك اليوم الطويل الحار المتأثر بهواء البحر الأبيض المتوسط كان شاهداً على إظهار سكولز لاحترافيته للعالم أجمع.
عندما ظهر للمرة الثامنة بقميص المنتخب الإنجليزي، كان سكولز متماسكا وتعامل برباطة جأش مع حجم تلك المباراة، فقد كانت المباراة الافتتاحية للمنتخب الانجليزي في بطولة كأس العالم 1998 بفرنسا ضد المنتخب العربي التونسي، وعلى الرغم من وجود العديد من اللاعبين أصحاب الأصوات العالية والشخصيات القوية كتوني أدامز، بول أينس وآلان شيرار في غرفة خلع الملابس إلا أن سكولز لم يتأثر وحافظ على هدوءه، وحتى بعدما صاح توني أدامز بطريقته المعتادة وجها لوجه في اللاعبين بجملته الشهيرة "هل أنت مستعد"، ظل سكولز هادئاً مركزاً فقط فيما سيفعله أمام الحضور.
وعزل سكولز نفسه عن أصوات ضوضاء الجماهير وصفارات الإنذار المزعجة من شرطة مكافحة الشغب التي كانت تحاول بصعوبة التفريق بين أنصار المنتخب الإنجليزي من (الهوليجانز)، ومشجعي شمال أفريقيا حيث كان أغلبهم من الجزائريين المقيمين في فرنسا.
"يبدو أن لا شئ كان يُمكن أن يخيف سكولز"، كما لاحظ فيما بعد مدرب المنتخب الانجليزي في ذلك الوقت جلين هودل، فهو مثال للاعب الكرة الموهوب بالفطرة، مع تمتعه بأخلاقيات رياضية رائعة استطاع بفضلها المرور من كافة التحديات التي واجهته بنجاح.
الجفاف والربو لم يعرقلاه
سكولز بعد أن بلغ عمر الـ 23 كان بالفعل قوة أساسية في مانشستر يونايتد، وبدأت تزداد ألقابه وجوائزه الجماعية والفردية، أما بالنسبة للجماهير التي كانت حاضرة في ملعب فيلودروم يوم 15 يونيو 1998 في مباراة تونس وإنجلترا فقد كانت يتملكها شعور غير خاطئاً وإحساساً قوياً بموهبة كبيرة سوف تسطع قريباً على ملاعب العالم، وهو ما تم بالفعل من الفتى البني.
وقدم سكولز ضد تونس صورة من أرقى ما يكون عن منتخب بلاده، واستطاع إحراز هدف رائع في الدقيقة الأخيرة من عمر المباراة من تسديدة قوية من مسافة 20 ياردة، لينتهي اللقاء بفوز الإنجليز بهدفين للاشيء علماً بأن آلان شيرار قد سجل هدف التقدم.
روعة الهدف الجميل لسكولز في شكري الواعر لم تكن فقط في ميزة التواجد في الوقت المناسب خارج منطقة الجزاء، ولكنه أيضاً هدد المرمى مرتين قبل إحرازه لهذا الهدف، كما أنه كان من المتوقع ألا يكمل المباراة بسبب معاناته مع الربو، إلا أنه تحامل على نفسه بشجاعة الفرسان وأكمل الـ 90 دقيقة الكاملة، حيث بسبب حكمة الفيفا العجيبة قررت أن تبدأ المباراة في منتصف الظهيرة في الساعة 14:30، وبالتأكيد كان الطقس شديد الحرارة على فريق مهد كرة القدم.
وبسبب تعرض لاعبي المنتخب الانجليزي للجفاف ونقص المياه في أجسادهم قام الطاقم الطبي للمنتخب بمنع أي لاعب من شرب البيرة الاحتفالية بعد الانتصار لمدة 48 ساعة، ولكنها لم تكن مشكلة بالنسبة سكولز لأنه ليس من هواة الشراب.
جالاس ليس كتونس
بعد هذه الزيارة الهامة لملعب فيلودروم في كأس العالم سطع نجم سكولز عالياً، واستطاع ترك علامة بارزة أمام بايرن ميونيخ وبرشلونة والإنتر في بطولة دوري أبطال أوروبا، قبل حصوله على الإنذار الثاني أمام اليوفينتوس في نصف النهائي بعد ارتكابه خطأ ضد ديديه ديشامب مما أدى لغيابه عن المباراة النهائية العظيمة ضد العملاق البافاري.
وعاد سكولز لملعب الفيلودروم، مع هزيمة اليونايتد في عام 1999 بدوري مجموعات أبطال أوروبا ضد مارسيليا عندما سجل ويليام جالاس هدف الفوز للفريق السماوي، ولكن سكولز ليس من النوع الذي يعيش على انتصارات الماضي أو تستمر معاناته بسبب ما يتعرض له من فشل وهو شئ نادر، فهو يتقدم من مباراة لأخرى ويلعب كل لعبة بحسباتها الخاصة فقط، ويسجل ويبدع، وأحياناً في وقت متأخر من عمر المباراة يُطلق تسديدة صاروخية من تسديداته يقلب بها شكل النتيجة، فكان بمثابة الصلب الذي يكمن وسط الحديد، بالتأكيد لا عجب أن اليونايتد كانوا متحمسين كثيرا للاعب للإلحاق بريان جيجز، الناجي الأخر من الرحلة التاريخية عام 99 للكامب نو، ويوقع على سنة إضافية مع الفريق حتى في عمر الـ 36، فلم يكن من المفاجئ أن يلعب سكولز دورا محوريا من جديد مع الفريق، فهو يلعب في منطقة مؤثرة في الملعب، وهو من اللاعبين أصحاب الخبرة الكبيرة الذي يعلم كيف يتعامل مع فريقا حماسيا مثل مارسيليا.
كيف يُستفز مارسيليا ؟
سكولز مطالب بالاحتفاظ الكبير بالكرة ضد رجال ديشان الليلة عندما يسافر للمرة الثالثة في تاريخه إلى ملعب مارسيليا لأن الاكثار من الاستحواز على الكرة يتسبب في إحباط هذا الفريق، فكلما أستطاع مع دارين فليتشر الإبقاء على الكرة لفترة أطول، فهذا سيستفز لاعبي مارسيليا.
وفي ظل الاجواء الراهنة، فيلعب عشاق فريق مارسيليا دور كبير مع فريقهم، كما حدث في الفوز غير المقنع أمام ارل افينيون في الخامس من فبراير الماضي ثم سانت إتيان مطلع هذا الأسبوع بهدفين في الدقائق الأخيرة من المباراة ضمن لقاءات الدوري الفرنسي.
وهناك تخمين أخر أيضا للطريقة التي من الممكن أن يلعب بها السير أليكس فيرجسون، فهي طريقة خطرة لكنه يحب تطبيقها في المباريات الكبيرة، فمن الممكن أن يجتاح خط الوسط، فيلعب بسكولز وفليتشر وكاريك خلف واين روني مع وجود جيجز وناني على الرواقين.
كما أنه ربما يلجأ لأسلوب جريء ومغامر بالبحث عن تحقيق الأهداف في هذا الملعب بقيادة سكولز الذي حقق عليه من قبل هدف، والبدء ببيرباتوف جوار روني، ولكنها ليست مباراة للمغامرة، فهذه مباراة روني للعمل بجد، والمدافعون للضغط على حائز الكرة من منتصف الملعب ودفع خط الوسط للسيطرة على الوسط ومنع تقدم الدفاع لمساندة الهجوم، بالتالي تنفيذ الفكر على أكمل وجه.
قوة مارسيليا ؟
تكمن قوة فريق ديشان في خط الوسط، وقد قال بنفسه بأنه سيقيم الحالة البدنية للاعبه المؤثر في خط الوسط ماثيو فالبوينا بعد عودته من إصابة في الركبة غاب على إثرها شهر كامل، وسيتعين عليه تنويع أدوار نجمه الأرجنتيني "لوتشيو جونزاليس" الذي يُجيد التسديد من خارج منطقة الجزاء ومتابعة الكرات داخل منطقة جزاء الخصم.
وقد صرح جونزاليس قائلاً: "مانشستر يونايتد فريق عظيم يضم العديد من اللاعبين رفيعي المستوى، ولكنهم بالتأكيد من الممكن أن يخسروا، فقد خسروا بالفعل مباراة منذ وقت قريب ضد ولفرهامبتون ويمكننا تكرار نفس الأمر معهم، فليس هناك أي داعٍ لنا أن نشعر بالخوف، فبإمكاننا هزيمتهم".
قوة اليونايتد ؟
الأطراف دائماً هي مصدر إزعاج الشياطين الحمر لأي فريق مهما كانت قوة أطرافه، فمن المتوقع ان يجتاح ايفرا ورفائيل دا سيلفا أرجاء الملعب.
والحيوي دائماً وأبداً "لويس ناني" بالإضافة للاعب دائم الشباب والذي جدد عقده الأسبوع الماضي لمدة عام أخر مع مانشستر (ريان جيجز) والذي تألق في أخر مواجهة فرنسية مع مانشستر يونايتد بإحرازه هدف في مرمى ليون.
تلك العناصر بدون شك سيجتاحوا منطقة مارسيليا إذا كانوا في كامل قوتهم ومع واين روني المُتحرك، فكما هو واضح من خلال التحليل أن مفتاح النصر لأياً من الفريقين سيكون في معركة خط الوسط، ومن ينجح في السيطرة عليه هو من سيحتفل في النهاية، وربما يكون المُحتفل هو مانشستر يونايتد إذا تعامل سكولز مع الفيلودروم على أنه منزله بالطريقة ذاتها التي تعامل بها معه عام 1998 في مباراة تونس، ويَعثر على البطل الذي بداخله ليؤكد على أحقيته بتجديد عقده لمدة موسم أخر مع اليونايتد كزميله وصديقه الصدوق "ريان جيجز".